بدأت اليوم ثاني مراسم العُرس الديمقراطي المصري، بعد نجاح باهر أمس لأول أيام الانتخابات البرلمانية، والتي لم يعكر صفوها سوى عدد من الشكاوى والتجاوزات الدعائية لمرشحي عدد من التيارات والأحزاب السياسية، أبرزها حزب "الحرية والعدالة"، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين.. بنجاح اليوم الأول من المرحلة الأولى لانتخابات 2011 استطاع المصريون إثبات مدى جدارتهم في ممارسة الديمقراطية الحقة، دون تجاوزات أو انتهاكات فجة تفسد روعة المشهد الديمقراطي الذي أسهم في انتاجه وإخراجه كافة أبناء الشعب المصري. فوجئ العالم الخارجي بالمشهد الذي نقلته وسائل الإعلام و"طوابير" الناخبين، دون أحداث عنف أو شغب، فهنأت السفيرة آن باترسون، سفيرة الولاياتالمتحدةالامريكية بالقاهرة، المصريين على هذا الاقبال الكبير على المشاركة بأول أيام الانتخابات، مؤكدة أنه أيًا كان الفائز فإن ذلك سيكون اختيار الشعب المصري ستعمل حكومة الولاياتالمتحدة مع من يختاره ابناء الشعب ليمثلوهم. ومن جانبه، نوه مارك تونر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية، أن التقارير الاولية عن التصويت "إيجابية تماما." وبشكل عام، تزخم الساحة السياسية المصرية خلال الفترة الحالية بالعديد من المتغيرات والتيارات النازحة إليها، المتنافسة على كعكة برلمان الثورة، والباحثة عن دور لها خلال المرحلة المقبلة بالشارع السياسي.. ووسط تلك الآمال التي تمخضت جميعها من الثورة، التي أعطت المواطن المصري الثقة في أن يحلم بمستقبل أفضل، وأن يحقق هذا الحلم، تأتي العديد من التحديات لتهدد تلك السيناريوهات الوردية التي يرغبها الجميع، بعد عام كامل من عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي والمجتمعي أيضًا خلال المرحلة الانتقالية الحالية، التي يقودها المجلس العسكري وسط عواصف من التشكيك والتخوين، وموجات أخرى من الدعم والتأييد. رسم الدكتور عبدالمنعم سعيد، المحلل السياسي، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الأسبق، شكل الساحة السياسية الآن، محددًا أهم التحديات التي تواجه مصر، فضلا عن أهم الآليات التي من الواجب اتباعها كي لا نغرق في بئر عميق من عدم الاستقرار أو زيادة فترة المرحلة الانتقالية، التي توقع انتهائها خلال 12:6 شهر، مؤكدًا، في تصريحات خاصة ل "أموال الغد" إن وتيرة الاستقرار ستكون سريعة للغاية في حالة وجود حكومة مدنية حقيقية، وفي حالة وجود حكومة ائتلافية، فإنها سوف تكون أبطأ نوعًا ما، وستكون بطيئة جدًا في حالة حصول جماعة الإخوان المسلمين على الأغلبية، خاصة أن هناك تخوفات لدى الغرب وبالداخل أيضًا من التيار الاسلامي بشكل عام. نوه سعيد، أن فرصة الأحزاب الجديدة والشباب ضعيفة في برلمان الثورة، خاصة أن "قدم" الحزب، يعد عاملا من أهم العوامل التي تؤيده وتدعمه في الانتخابات، متوقعًا حصول تلك الأحزاب على من 30:20 مقعدا كحد أقصى، في الوقت الذي أكد خلاله أن كافة استطلاعات الرأي تشير إلى أنه لا أغلبية مطلقة لأي تيار سياسي بمجلس الشعب الجديد، فالاخوان والوفد –وكلاهما على الترتيب جاءا على رأس ترتيب التيارات بالاستطلاعات المختلفة- لن يحصلا سوى على نسبة لا تتعدى ال 30% لكل منهما ببرلمان الثورة. التيارات الإسلامية وعن النسبة المتوقعة لحزب الحرية والعدالة بالبرلمان الجديد قال "لا استطيع التنبؤ بالأرقام بنسبة الإخوان في البرلمان الجديد، إلا أنني أتوقع ألا يحصل أي تيار سياسي على الأغلبية المطلقة فيه (الاغلبية المطلقة التي لها حق اتخاذ القرار وتشكيل الحكومة)، فكل القوى الكبيرة ومنها الاخوان والوفد ستتفاوت من 30:20% فقط من مقاعد البرلمان، ولن يحصل أي منهم على الأغلبية المطلقة، وبالتالي فالائتلاف ضروري جدًا بين تلك القوى السياسية المختلفة.. وفي تقديري فإنه من الممكن أن يحدث ائتلافًا بين الاخوان والوفد. شن هجومًا على حكومة الدكتور عصام شرف، مشيرًا إلى أنها حكومة فشلت في التعبير عن المرحلة الحالية، وافتقدت الحساسية السياسية، كما أنها اتخذت قرارات سيتأثر بها الاقتصاد المصري سلبًا على المدى البعيد.. في الوقت الذي أكد خلاله على أنه بالرغم من أخطاء المجلس العسكري إلا أنه "حمى مصر" وأنقذ الدولة من السقوط مثلما سقط فرنسا إبان الثورة هناك، كما ساهم في عدم الانجراف للسيناريو الليبي الدامي. استطرد حديثه عن التيارات الاسلامية قائلا " يعد السلفيون قوى غامضة موجودة على الساحة السياسية الآن، لم نعرف حجمها مطلقًا قبل الثورة، وظهر جليًا أعدادهم بعد الثورة وانتشارهم ومؤيديهم بشكل عام في مختلف محافظات مصر، فاستطلاعات الرأي أعطت التيار السلفي نسبة من 9:8%، وهي نسبة ليست قليلة على الاطلاق.. لم يستخدمهم أحد ك "فزاعة" لكنهم بأفعالهم وتصريحاتهم شكلوا تلك الفزاعة من الأساس، خاصة بسبب رأيهم في المرأة ومشاركتها بالحياة السياسية، وعن آرائهم الخاصة بحقوق الأقلية وما إلى ذلك". دور الكنيسة وعن دور الكنيسة تابع سعيد " يقع على كاهل الكنيسة عباءً كبيرًا، وأرى أن دورهم مهم خلال الفترة الحالية، خاصة في ظل التوافق والتعاون مع الأزهر الشريف، بما يشكل تأثيرات إيجابية تلقي بظلالها على الشارع السياسي بشكل عام.. أما عن دورها، فعليها أن تدعو الأقباط في مصر للمشاركة والانتخاب، خاصة أن نسبة مشاركة المصريين في الانتخابات العامة هي أهم محور الآن، فالمسيحين ليسوا كتلة قليلة، ومشاركتهم يزيد من أعداد الناخبين والمرشحين أيضًا". وفي سياق متصل، واصلت الصحف ووسائل الاعلام الاجنبية اهتمامها بالانتخابات البرلمانية بمصر، فأشاد "راديو صوت أمريكا" باصطفاف المصريين ب "طوابير الانتخابات" أمس، مسرورين بشعورهم بكونهم يبنون المستقبل الحقيقي لمصر. وقالت هيئة الاذاعة البريطانية ال BBC عبر موقعها الالكتروني " مضى اليوم الاول من عملية الاقتراع بهدوء وامتاز باقبال جماهيري كبير على مراكز الاقتراع التي ظلت ابوابها مشرعة امام الناخبين حتى الساعة التاسعة مساء بالتوقيت المحلي بعد تمديد فترة الاقتراع ساعتنين اضافيتين لاستيعاب اعداد الناخبين الكبيرة الذين احتشدوا في المراكز الانتخابية، حسب بيان للمجلس العسكري العسكري. تابعت " أدلى ملايين الناخبين المصريين بأصواتهم في بداية الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية وسط تقارير تحدثت عن "خروقات وأخطاء" شابت عملية الاقتراع وأثارت غضب الناخبين.. نقلت على لسان مراقبين " مصر تشهد في هذه الانتخابات أول اختبار حقيقي لها في مرحلة التحوُّل الكبيرة التي تمر بها البلاد بعد حقبة مبارك، وسط خلافات متصاعدة بين مفجِّري ثورة يناير/كانون الثاني من الشباب، والمجلس العسكري الحاكم...فعلى الرغم من ان الثورة المصرية كانت ثورية شعبية واسعة ضد نظام حكم مبارك، الذي استمر نحو ثلاثين عاما، فقد اتَّسمت الأشهر التسعة اللاحقة لها بالخلافات والتعثُّر في إحداث تغييرات سياسية جذرية في البلاد".