تنتهج البنوك المركزية العالمية حاليا سياسات مالية أقل تشددا وأكثر مرونة، مع تزايد مخاوف صانعي القرارات من تباطؤ النمو الاقتصادي في الكثير من دول العالم، فضلا عن قناعتهم بأن معدلات التضخم آخذة في التراجع، وهو ما دفع بعض البنوك إلى خفض معدلات الفائدة، فيما أبقاها البعض الآخر عند معدلاتها الحالية مع إشارات باحتمال خفضها مستقبلا. وقال ريتشارد هاستينج، الخبير المالي في مؤسسة جلوبال هانتر، "إن سياسة البنوك المركزية، والتي يمكن وصفها بأنها أصبحت أكثر لطفا، من شأنها أن تصعد بأسعار الأسهم والسلع الأساسية والمعادن في الأسواق العالمية، وهو ما ظهر واضحا في أداء البورصات الأمريكية والأوروبية خلال الأسبوع الماضي". وأشار هاستينج إلى تصريحات وليام دادلي رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك مؤخرا بأن مجلس الاحتياطي يفكر حاليا في جولة جديدة من "التسهيل الكمي"، وذلك لتعزيز أداء النمو الاقتصادي، فضلا عن إعداد أجندة عمل للبنوك المركزية العالمية لاتباع سياسات مالية أكثر اعتدالا وأقل تشددا. وأوضح أنه من البنوك المركزية العالمية التي اتخذت موقفا أكثر اعتدالا ومرونة خلال الفترة الأخيرة كانت في تركيا، كندا، البرازيل، استراليا، المجر، النرويج، إنجلترا والهند، فضلا عن تلميحات صينية باتخاذ إجراءات مالية أسهل. ففي البرازيل، قرر البنك المركزي تخفيض سعر الفائدة الرئيسي خمسين نقطة أساس من 12 إلى 11.5 % مشيرا في هذا الصدد إلى تباطؤ نمو الإقتصاد العالمي ومن ثم تأثيره السلبي على اقتصاد البلاد.وكان المركزي البرازيلي قد خفض أسعار الفائدة في نهاية أغسطس الماضي بعد أن قام برفعها خمس مرات هذا العام من أجل مكافحة ارتفاع الأسعار. وعلى الرغم من ارتفاع معدل التضخم في أسعار المستهلكين في البرازيل إلى 7.3 %خلال شهر سبتمبر الماضي فإن جميع أعضاء لجنة السياسة النقدية السبعة صوتوا لصالح خفض أسعار الفائدة، وهو الأمر الذي يكشف القلق من تباطؤ نمو الاقتصاد. وفي أستراليا، واصل البنك الاحتياطي تثبيت سعر الفائدة عند مستواه الحالي البالغ 4.75 % وهى السياسة المالية التي استمرت لمدة عام، فيما أشار البنك خلال الأسبوع الماضي إلى إمكانية خفض الفائدة خلال اجتماعه في أوائل نوفمبر المقبل. ومن جانبه، قرر البنك المركزي الكندي هذا الأسبوع تثبيت سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير عند مستوى 1%، وهو ما جاء متطابقا مع التوقعات لدعم الأنشطة الاقتصادية، فيما خفض البنك تكهناته لمعدلات النمو الاقتصادي إلى 1.2 %خلال العام الحالي و1.9 %خلال عام 2012. وأكد المركزي الكندي أن اقتصاد البلاد لن يتمكن من النمو على المدى البعيد إلا بحلول نهاية عام 2013، في حين توقع البنك انخفاض معدلات التضخم في كندا إلى واحد في المائة، وذلك خلال النصف الثاني من العام المقبل 2012. وفي المجر، قرر البنك المركزي في بداية الأسبوع الحالي الإبقاء على أسعار الفائدة الرئيسية دون تغيير عند مستوى 6 %وذلك للمرة التاسعة على التوالي، ليكون القرار بذلك متوافقا مع توقعات المحللين. ويأتي هذا في الوقت الذي ظل فيه معدل التضخم السنوي في أسعار المستهلكين عند3.6 خلال شهر سبتمبر الماضي، فيما انخفض معدل نمو الناتج الإجمالي المحلي إلى 1.5 %خلال الربع الثاني من العام الحالي مقابل 5.2%خلال الربع الأول السابق له. وفي الأسواق الناشئة، التي كانت تتبع سياسات مالية أكثر تشددا، انضمت مؤخرا إلى معسكر السياسات المالية الأكثر لطفا، حيث خفض البنك المركزي الهندي توقعاته لنمو الناتج الإجمالي المحلي خلال العام المالي الحالي الذي ينتهي في مارس المقبل من 8 إلى 7.6 % فيما توقع انخفاض معدلات التضخم اعتبارا من شهر ديسمبر القادم وبخطى ثابته لتصل إلى 7 %مع حلول شهر مارس 2012. ومن جهته، قرر المركزي الهندي مؤخرا رفع أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية فقط إلى 8.5%من أجل السيطرة على ارتفاع أسعار المستهلكين المتواصل.. وهو ما كان متوقعا على نطاق واسع من الخبراء.