تباينت ردود فعل المستثمرين وخبراء الاقتصاد بشأن قرار البنك المركزي تثبيت أسعار الفائدة المحلية برغم المطالب المتكررة لمجتمع الأعمال بخفضها لتنشيط الاستثمار ودفع معدلات النمو واحتواء الآثار السلبية للأزمة المالية العالمية.. وكان البنك المركزي قد أبقي علي أسعار الفائدة عند معدلاتها بسبب ارتفاع معدل التضخم الذي يتجاوز حالياً 20% وحماية للمودعين الذين باتوا يحصلون علي سعر فائدة سلبي يزيد علي 10%. كما يري المركزي أن تشجيع الاستثمار لا يتوقف فقط علي سعر الفائدة ولكن يتوقف علي عوامل أخري. وفيما انتقد بعض المستثمرين والخبراء تجاهل المركزي لمطالب بخفض سعر الفائدة وتثبيت سعري الإيداع والإقراض "الكوريدور" عند 11.5% للإيداع و13.5% للإقراض، أكدوا أن هذه الأسعار لا تتماشي مع الاتجاهات العالمية، أو مع زيادة معدلات السيولة في السوق المصري، وتؤدي إلي استمرار زيادة الأعباء علي المنتجين، كما يقلل من عمل أداة مثل الاستثمار في زيادة المعروض وخفض الأسعار. وفي المقابل رأي آخرون أن المركزي في قراره أشار إلي أن خفض سعر الفائدة قائم وسيتم في التوقيت المناسب الذي يراه صناع السياسة النقدية في إطار التوظيف المتزن لسعر الفائدة من أجل كبح التضخم. ويصف محمد المنوفي رئيس جمعية مستثمري السادس من أكتوبر قرار المركزي بأنه ضربة للاستثمار وغير متوقع خصوصا في ظل المستجدات التي تشهدها الساحة العالمية.. مشيرا إلي معاناة المنتجين من ارتفاع التكاليف التي تتم علي أساس اسعار الفائدة السارية، وشدد المنوفي علي أنه لا يمكن حل مشكلة التضخم بأسعار الفائدة فقط.. مشيرا إلي ضرورة استخدام الأداة الأكثر تأثيرا وهي زيادة الاستثمار وبالتالي زيادة المعروض وانخفاض الأسعار في ظل انخفاض أسعار الخامات عالميا.. كما أشار إلي أن البنوك لا يمكن أن تتحمل المزيد من الودائع في ظل حجم السيولة المرتفع لديها وكان من الأحري تقليل أسعار الفائدة لمساعدتها في استثمار ودائعها خاصة أن التوظيف لا يتم سوي لنصف حجم الودائع وهو رقم ضئيل ولا يمكن زيادته إلا من خلال خفض أسعار الفائدة. أما إلهامي الزيات رئيس غرفة السياحة السابق فقد اعتبر أن عدم خفض أسعار الفائدة يحمل المزيد من الأعباء علي شركات السياحة وفي وقت يعتبر القطاع في أمس الحاجة لتنشيطه في ظل الركود العالمي معتبرا أن القرار له تأثيرات سلبية علي القروض قصيرة ومتوسطة الأجل التي تحتاجها شركات السياحة في العادة.. ولكنه في الوقت ذاته استبعد أن تقوم الشركات بتسريح العمالة بسبب ارتفاع التكاليف في الفترة الأخيرة وتوقع أن تظهر أثار ذلك خلال الفترة القادمة من خلال تقليص نسب التوظيف في القطاع. وفي نفس الاتجاه يؤكد فتحي كامل عضو جمعية مستثمري العاشر من رمضان أن قرار المركزي بعدم خفض أسعار الفائدة سيمثل مزيدا من الأعباء التي تتكبدها شركات الصناعات الغذائية خصوصا بعد الآمال المعقودة علي انخفاض المواد الخام في تعويض خسائر الشركات خلال الفترة الماضية.. ويري كامل أن الإبقاء علي هذه المعدلات يشجع علي بيع الأصول واستثمارها في البنوك وهو أمر يسبب مزيدا من التضخم لأن عدم استثمار الودائع والأموال في قنوات استثمارية يصيب البنوك بالتخمة ولا يحفز الاستثمار.. مطالبا المركزي بضرورة الإسراع في خفض معدلات الفائدة تمشيا مع المستجدات علي الساحة العالمية. ويصف فؤاد حدرج رئيس مجلس إدارة شركة بلادونا للملابس الجاهزة تأثيرات القرار بأنها غير جيدة علي الصناعة في مصر باعتبار أن الركود العالمي الذي يجتاح العالم لا يمكن مواجهته إلا بتحفيز الاستثمار معتبرا أن أسعار الفائدة قد لا تكون العائق الوحيد أمام تشجيع الاستثمار حيث لابد أن تقترن بمرونة في ميكانيكية منح الائتمان أيضا معتبرا أن البنوك مازالت تتشدد في منح الائتمان للصناعة وبما يقيد مناخ الاستثمار، وطالب حدرج "المركزي" بتقليص الفجوة واحتواء الخلل بين أسعار الفائدة علي القروض والودائع والتعامل معها بنوع من الاحترافية. وفي المقابل يري وليد توفيق المستثمر في مجال السيارات أن القرار الأخير للمركزي جاء في إطار استخدام متزن للسياسة النقدية لكبح جماح التضخم في الوقت الراهن.. كما أوضح في بيانه فهو يدرس تخفيض سعر الفائدة ولكن يبقي التوقيت الأنسب من اختصاص المركزي، ويقول وليد: إن رجال الأعمال في انتظار هذا التوقيت وصدور قرار التخفيض لأن من شأنه تنشيط الاستثمار في مصر خلال الفترة المقبلة لدفع معدلات النمو الاقتصادي وتقويض فرص تراجعها. أما خبراء الاقتصاد فقد أوضحوا أن السياسة النقدية في مصر تسير علي نسق ثابت وواضح.. مشيرين إلي أن الظروف المحلية مختلفة عن الخارج حيث إن كثيراً من الظروف المسيطرة علي الأجواء الاقتصادية في مصر قد تكون مختلفة عن تلك المسببة للأزمة المالية العالمية، ويرصد من جانبه الدكتور رشاد عبده الخبير المصرفي بالأكاديمية العربية للعلوم المصرفية اتجاهين في الاقتصاد المصري.. يري أولهما أن الوقت ملائم لرفع أسعار الفائدة لخفض التضخم الذي وصل إلي معدلات غير مقبولة في حين يشدد الاتجاه الثاني علي ضرورة خفض معدلات الفائدة لتشجيع الاستثمار والتخلص من الركود المتوقع جراء الأزمة المالية العالمية.. ويقول عبده إن الحالة المصرية والتطورات الأخيرة جعلت الغلبة للمدرسة الأولي في ضوء توافر سيولة في البنوك وارتفاع معدلات التضخم وذلك لكبح جماحه علي الأقل خلال الفترة الحالية. ومن جانبه يلفت الدكتور عبد الرحمن جاب الله أستاذ الاقتصاد بجامعة حلوان إلي أن ظروف الأزمة المالية العالمية تعني شح السيولة بالأساس وهذا غير متوافر في السوق المحلي، كما أن نسب توظيف الودائع لاتزال قليلة وهو ما يدعو إلي ضرورة خفض أسعار الفائدة لتشجيع التمويل البنكي للمشروعات ويتزامن مع ذلك أن التضخم علي الرغم من تراجعه مازال مرتفعا وخارج الحدود المقبولة ويستدعي استمرار أسعار الفائدة مرتفعة إلي حين انخفاضه، ويتوقع جاب الله خفض أسعار الفائدة مطلع العام الجديد مع تراجع التضخم والذي وصف بالآفة التي يجب السيطرة عليها.