أراضي الدولة تستغيث وتطلب الحماية.. هذا هو الواقع الذي يتأكد يوما بعد يوم بعد أن أصبحت التعديات عليها واقعا مريرا. وأخيرا ترددت أقاويل عديدة حول احتمالات إنشاء جهاز لحماية أراضي الدولة وهنا لابد أن يطرح التساؤل نفسه حول ماهية عمل هذا الجهاز ومايمكن أن يقدم في ظل وجود جهاز قائم يباشر عملا يقترب من أداء هذه المهمة لكنه لا يملك السلطة التنفيذية.. فلماذا هذا الخلط ولماذا تتعدد الأجهزة والمهمة واحدة ؟ وفقا لجربدة الاهرام حول قضية الحماية تدور السطور التالية مع المسئولين والخبراء والمهتمين بالقضية المهندس عمر الشوادفي رئيس المركز الوطني لتخطيط استخدامات أراضي الدولة يشير بداية الي أن العشوائية في استخدامات الأراضي هي أكبر معدل هدم لأراضي الدولة حيث إنها تضعنا في مأزق شديد الخطورة وهو أن تتم إزالة جميع المخالفات وما أنفق عليها من مليارات الجنيهات أو الحفاظ علي ماتم انفاقه وتحصيل مستحقات الدولة عن هذه المخالفات.. فما تم بناؤه علي أرض لا يمكن أن تتم الزراعة عليها مرة أخري.. وقد انشيء جهاز استخدامات أراضي الدولة من أجل أهداف معينة أهمها حصر وتقويم هذه الأراضي خارج الزمام واعداد التخطيط العام لتنميتها واستخدامها في إطار السياسة العامة للدولة وإعداد خرائط لهذا الشأن في جميع الأغراض وبالفعل فقد صدر قرار جمهوري رقم(153) بإنشاء الجهاز في23 مايو سنة2001 وفي نفس اليوم صدر قرار بالأراضي الاستراتيجية اللازمة للدفاع عن الدولة كما صدر قرار آخر رقم154 بخريطة فرص الاستثمار حتي عام2017 تم اعدادها بواسطة أجهزة وزارة الدفاع بناء علي مطالب جميع الوزارات والجهات الحكومية.. وقبل هذا التاريخ كان الوزير يصدر قرارا بتخصيص الأراضي اللازمة لخطط استثمارات وزارته دون أن يعلم بقرار وزارة أخري بتخصيص نفس الأراضي لها فكانت إحدي الوزارات تبيع للمواطنين والمستثمرين أرضا وتعتبرها وزارة أخري تعديا علي أراضيها.. ومنذ بدء تفعيل دور الجهاز في سنة2004 استطاع إلقاء الضوء علي جميع مشاكل الأراضي في مصر ومنع التداخل بين الجهات المعنية.. بل إننا لا نبالغ إذا قلنا أن نسبة المخالفات الجديدة قد توقفت بنسبة90%!! وأخيرا تم رصد35 مخالفة تغيير نشاط في طريق القاهرةالاسكندرية الصحراوي وبناء علي توجيهات د. أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء فقد استعرض مجلس ادارة المركز الوطني لاستخدامات الأراضي العديد من المشروعات بالنسبة للأراضي المطلوبة لاضافة بعض التوسعات بالمشروعات السكنية والصناعية والزراعية بالمحافظات المختلفة لتنفيذ خطة الحكومة في زيادة معدلات النمو الاقتصادي لتوفير فرص عمل جديدة تنفيذا للبرنامج الانتخابي للسيد رئيس الجمهورية والتصديق علي اتخاذ الاجراءات التنفيذية والقانونية لها ومنها مشروعات بمحافظات قنا والبحيرة وأسيوط وأسوان والأقصر. إهدار لثروة الدولة وهنا لابد أن يثار التساؤل عن مدي مطابقة ذلك لما نراه ونسمع عنه من حجم المخالفات والتعديات المستمرة علي الأراضي خاصة في طريق القاهرةالاسكندرية الصحراوي؟ الاجابة تأتي علي لسان المهندس عمر الشوادفي قائلا إنه بالفعل مهمة المركز هي الحماية لكن واقع الأمر يؤكد أنه ليس لدينا سلطة حقيقية لتحقيق هذه الحماية وبالتالي فان مهمتنا هي إبلاغ جهة الولاية بأية مخالفات يقوم المركز برصدها.. وهذه الجهة بما لديها من أجهزة وآليات يمكنها أن تقوم بإزالة التعدي والمخالفة كما أن من واجبها متابعة العقود ومدي الالتزام بها واتخاذ الإجراءات ضد المخالفين.. حيث جهة الولاية هي التي تبيع الأراضي للمستثمرين وهي المسئولة عن متابعة استخدامات الأراضي في النشاط الذي بيعت من أجله.. ولكن الغريب في الأمر أن هذه الجهة( التي لديها أجهزة لحماية أراضي الدولة) هي الجهة الوحيدة التي تقنن أوضاع اليد.. ومركز استخدامات الأراضي يضم مجلس ادارته ممثلي18 وزارة ويقوم بعمل الدراسات اللازمة للتنسيق مع جميع مراكز البحوث الجهات الحكومية كما يقوم بعمل مشروعات تجريبية( بالأقمار الصناعية) بالتعاون مع كلية الهندسة جامعة القاهرة ومركز بحوث الصحراء وهيئة التنمية الزراعية.. وتأكد بالفعل أن هناك أراضي تم تخصيصها لأنشطة لا تصلح لها مما يعد إهدارا لثروات الدولة.. كما أنه يصدر قراراته بالعرض علي مجلس الادارة في رؤية ممثلي الوزارات وان كانت قرارات المركز ليست ملزمة.. لذلك فإن أهم مانطالب به هو أن يقوم رئيس الوزراء باعتماد هذه القرارات لكي تكون لها صفة الإلزام فالقصور في أي تطبيق وماينتج عنه من حجم المخالفات الحالي لا يعني علي الاطلاق الحاجة الي هياكل وأجهزة جديدة تحتاج الي سنوات حتي يبدأ تفعيل دورها في حين أن هناك جهازا قائما بالفعل يحتاج فقط الي تدعيم دوره ونشاطه دون أن يكون مكبل الأيدي.. ولاسيما أنه يقوم بدوره بالفعل في الكشف عن أية مخالفات والابلاغ عنها وهي كثيرة ومتعددة ومنها علي سبيل المثال قيام أحد الأشخاص بادعاء أنه قام بزراعة مساحة من الأراضي منذ سنة1994 وحصل علي شهادة من مديرية الزراعة في المحافظة التي تدخل هذه الأراضي في نطاقها تفيد ذلك وأنه يرغب في تقنين وضع يده علي الأرض طبقا لقانون رقم148 الذي أجاز لمن قام بالزراعة قبل سنة2006 أن يقنن وضع يده.. وقام المركز بالرجوع الي صور الأقمار الصناعية التي أكدت أنه قام بالزراعة في أواخر سنة2007 وأحيل الأمر الي الرقابة الادارية واتخذت إجراءاتها ضد مدير مديرية الزراعة الذي منحته هذه الشهادة.. ومن هنا فنحن نقترح مجموعة من الحلول والكلام لايزال علي لسان رئيس جهاز استخدامات أراضي الدولة تتمثل في وجوب الاسراع بتفعيل قرارات مركز استخدامات الأراضي وأن يتم تغليظ العقاب للمخالفين والمقصرين عن أداء مهامهم في هذا الصدد ولو استدعي الأمر إصدار قانون بهذا الغرض وكذلك تحفيز العاملين بأجهزة الحماية الموجودة في جهة الولاية والمحافظات.. كذلك هناك ضرورة لعمل رخص أنشطة للأراضي يتم تجديدها كل سنتين علي سبيل المثال.. وهذه الرخص تتضمن تحديد نوع النشاط والتركيب المحصولي للأرض والمقننات المائية لها ويتم سداد رسوم لضمان استمرار المتابعة للأنشطة وسرعة التصدي لأية مخالفات وفسخ التعاقد مع المخالفين.. وهناك أيضا ضرورة قصوي أن تكون جهة البيع في قبضة واحدة إما بواسطة ممثلي هيئات الولاية في مركز استخدامات أراضي الدولة أو في هيئة الاستثمار بحيث يتم تحرير العقود مع التأكد من عدم مخالفتها وعدم تعارضها مع أنشطة أخري وكذلك ضمان قانونية الاجراءات وتسهيلا للمستثمر وتعريفه بالأراضي المعروضة فقط هي المتاحة للبيع وبذلك يتوقف مسلسل التلاعب.. وفي هذا الصدد فإنه يجب تسليح جهاز استخدامات الأراضي بسلطة الضبطية القضائية لكي يتمكن من أداء دوره بفاعلية مؤكدة.. وفي النهاية فإنه لابد أن يشترك الجميع ويتعاونوا في حماية أراضي الدولة كل في اختصاصه لكي نتمكن من التصدي المبكر لأية مخالفات في بدايتها وإزالتها لان مافيا الأراضي يقومون بتوريط الكثيرين من أفراد الشعب بالاعلانات البراقة ليكونوا دروعا بشرية لحمايتهم من الإزالة. وأخيرا قام المركز بتوقيع عقد مع هيئة المساحة المدنية لحصر الأراضي الواقعة علي جانبي الطرق الرئيسية حيث أن كل التعديات تقع علي هذه الطرق.. فلم نسمع إلا نادرا عن تعديات في توشكي أو شرق العوينات علي سبيل المثال لأن احتمالات التسقيع وإعادة البيع منعدمة في المناطق النائية.. جهاز معاون د. مصطفي مدبولي رئيس هيئة التخطيط العمراني بوزارة الاسكان يوضح من جانبه أن حماية أراضي الدولة هدف لا خلاف حوله حيث تم أخيرا بالفعل استعراض أهم ملامح قانون ادارة أراضي الدولة المزمع صدوره خلال العام المقبل2011 بعد مروره علي كل المراحل اللازمة لاقراره.. وأهم مايرد فيه هو التفعيل الكامل لدور جهاز استخدامات أراضي الدولة من حيث مراقبة وادارة أراضي الدولة بالكامل وتوسيع نطاق مهامه الحالية من خلال قيامه بحصر وجمع المعلومات الدقيقة حول كافة الأراضي والحرص علي أن تكون له فروع منتشرة في كافة محافظات الجمهورية لتحقيق المراقبة الفعلية لأية تعديات.. ومن ملامح القانون أيضا أنه يؤكد أن يكون جهاز آخر معاون لجهاز استخدامات أراضي الدولة في كل محافظة يقوم بدور تنفيذي ويتخذ الاجراءات القانونية حيال اعمال التعديات فيقوم علي الفور بإزالتها فتلك هي بالفعل المشكلة التي نعاني منها وهي عدم وجود جهة لها صفة الضبطية القضائية وتقوم باعمال الازالة دون أن تتعرض لمشكلات أثناء قيامها بعملها.. فمن المفترض أن تقوم المحافطات بهذه المهمة ولكن واقع الحال يؤكد أنها تفتقر الي المعدات والي الامكانيات اللازمة لذلك.. وذلك هو المقصود بالجهاز الجديد لحماية اراضي الدولة فالمنوط به هو تنفيذ اي اوامر إزالة تصدر عن جهاز استخدامات الاراضي وبالقطع ليس هناك تعارض بين اختصاصات كل من الجهازين وهو ما ينص عليه قانون اراضي الدولة. سامر المفتي امين عام مركز بحوث الصحراء سابقا يؤكد بالفعل أن أسوأ مافيا في مصر الآن هي مافيا الاراضي ففرص التلاعب فيها قائمة بالشكل الذي يحقق مصالح الكثيرين من ذوي النفوس الضعيفة.. والمشكلة تكمن في وجود اكثر من جهة تختص ببيع الاراضي منها وزارة الاسكان وهيئة التنمية السياحية وهيئة التنمية الزراعية. وقد صنفت معظم اراضي الدولة منذ البداية علي انها اراض زراعية وبالتالي فقد تبعت الهيئة العامة للتنمية الزراعية وان كان الخلاف الآن لايزال قائما بسبب حصول العديد من المواطنين علي اراض وبالتحديد في طريق القاهرة/ الاسكندرية الصحراوي بهدف الاستثمار الزراعي إلا انهم قاموا بتحويلها الي منتجعات ومناطق سكنية مخالفين بذلك شروط التعاقد.. ناهيك عن مافيا الاستيلاء علي الاراضي وبالذات حول المدن الرئيسية.. لذلك فان تدعيم الجهاز الحالي ضرورة ملحة وان كان الالتفاف الي اهمية حماية اراضي الدولة بشكل فعال وملموس قد جاء من وجهة نظرنا كخطوة متأخرة بعض الشيء ولتكن البداية بازالة المخالفات القائمة بالفعل واتخاذ كل الاجراءت الوقائية لوأد الجديد منها في مهده.