"تفعيل سوق السندات".. جملة رددها المسئولون والقائمون على سوق المال كثيراً فى الأونة الأخيرة، وزاد الحديث عنها بعد عدول الحكومة عن تمويل مشروعها العملاق "قناة السويس" عبر السندات والإكتفاء بطرح شهادات استثمار فقط. يأتى ذلك متزامناً مع رغبة حكومية قوية منذ عدة سنوات إلى تنشيط سوق السندات كواحدة من الأدوات المهمة لسوق المال، فضلا عن كونها أداة رئيسية قد تساهم في تمويل عجز الموازنة، ومطالب القائمين علي سوق المال، بضرورة إدخال منتجات جديدة للبورصة تساعدها علي توفير السيولة الكافية للتوسع في الاستثمارات الحكومية وغير الحكومية، عبر تفعيل سوق السندات الحكومية وعرض جزء منها للتداول. ووفقاً خبراء سوق المال، استطلعت "أموال الغد" أراؤهم، فإن تفعيل التداول على السندات سيقلص من أرباح البنوك ويخلق حالة من التنافسية تساعد على خفض العائد علي أدوات الدين الحكومي، وهو ما يسهم في خفض تقديرات الدين المحلي الذي تجاوز 1.8 تريليون جنيه بنهاية يونيو الماضى . ويعتقد الخبراء، أن التنسيق الكامل مطلوب بين البنك المركزي ووزارة المالية وهيئة الرقابة والبورصة، لتحديد أولويات الاشراف واختصاص كل جهة، إلي جانب ضرورة التوعية بالآلية الجديدة وتقديم الحوافز الضريبية لها لتحقيق الانطلاق الجيدة التي تدعم نموها علي المدي المتوسط. البنية التكنولوجية أكد شريف سامى، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، على جاهزية وتوافر البنية التحتية والتكنولوجية لدى الهيئة والبورصة لتفعيل سوق السندات خلال الفترة القادمة، مشيراً إلى أن موعد بدء التداول على سوق السندات مرهوناً بقدرة البنك المركزى إقناع البنوك لطرح جزء من محافظها، وكذلك خلق سوق عرض وطلب على السندات. وأضاف رئيس هيئة الرقابة المالية، أن الإقدام على الإنتهاء من تلك الخطوة وإصدار الشركات للسندات سيسهم فى رفع كفاءة وقوة سوق المال، ولاسيما أن ما يزيد عن 90% من إصدارات السندات حكومية، لافتاً إلى أن توعية المستثمرين بأهمية السوق سيساهم فى مشاركة شركات السمسرة للتداول بهذا السوق. حلول عديدة ويرى خليل البواب، المدير التنفيذى بإدارة الأصول لأدوات الدخل الثابت بالمجموعة المالية هيرميس القابضة، أن فتح الباب أمام شركات السمسرة للترويج لسوق السندات لن ينعكس بصورة إيجابية كبيرة على سوق المال مقارنة بالدور الكبير للمتعاملين الرئيسين من البنوك الاستثمارية، مؤكداً أن تعامل شركات السمسرة عامل مكمل وليس رئيسي. أضاف أن هناك العديد من الحلول لتنشيط السوق، أبرزها وجود أوعية داخلية طويلة الأجل لدى البنوك الاستثمارية يساعدها على زيادة الاستثمار والشراء فى سوق السندات، بالإضافة إلى وجود منحنى عوائد واضح، مشدداً على ضرورة إلزام المتعاملين الرئيسين بشراء وبيع كميات معينة من السندات، ولاسيما الرئيسية 3، 5 ،7 ، 10 سنوات وهو ما يقره بالفعل قانون سوق المال. أشار إلى ضرورة زيادة الوعى الاستثمارى لجميع المستثمرين من قبل وزارة المالية والبورصة والبنك المركزي للمساهمة فى توسيع قاعدة السندات مع وجود عامل محفز يشجعهم علي دخول هذه السوق، حيث تتعدد مخاطرها الأمر الذي يدعو إلي وجود تحفيز معنوى أو مادى خلال التداولات الأولي ليحقق الانطلاق القوية المرجوة . أكد المدير التنفيذي بهيرميس، على أن تفعيل سوق السندات والسوق الثانوى ووجود عروض وطلبات للشراء والبيع من شانه تحفيز الشركات الموجودة بالسوق على إصدار سندات مقارنة بالاصدارات الحكومية، مشيراً إلى أن هناك محفزات اخرى ستساهم فى زيادة حجم المستثمرين ويسهل إصدار قانون الصكوك. المستفيد الأكبر من جانبه، كشف أحمد أبو السعد، العضو المنتدب لشركة "رسملة مصر" لإدارة الأصول، عن أن البنوك هي المستفيد الأكبر من تعطيل التداول علي سوق السندات الحكومية، مشيراً إلي الأرباح الطائلة التي تحقق جراء الاستثمار في سوق السندات كما أن طرحها بالبورصة لتعاملات الأفراد والمؤسسات يخلق حالة من التنافسية التي ستتقلص معها أرباح هذه البنوك. ويأمل أبو السعد أن تكون الحكومة جادة في بدء التداول علي السندات ، لافتا إلي أنه خلال الأعوام الماضية أٌطلقت دعوات لتفعيلها لم يقابلها أية تحركات علي أرض الواقع ولم تنعكس في خطوات تنفيدية جادة. وقال أن السوق الجديد سيساعد علي ظهور نوع جديد من المستثمرين بخلاف البنوك التي تستحوذ علي هذا السوق بالكامل وتوجه 70% من المحافظ لديها للاستثمار في أدوات الدين الحكومية، الأمر الذي يساعد علي خفض تكلفة الإصدار وتشجيع الشركات لإصدار سندات لتوفير السيولة الكافية لزيادة حجم اعمالها دون اللجوء للاقتراض من البنوك وما يصاحب ذلك من أعباء كبيرة لا تتحملها. وطالب أبو السعد، بضرورة تفعيل التداول الحر على السندات نظراً لآثرها الواسع علي تنشيط السوق بشكل عام، كاشفا عن جاهزية شركات السمسرة للتعامل علي هذه الآلية، فضلا عن الأثر الاقتصادي ودورها في تقليل مساهمة البنوك في الاستثمار في أدوت الدين المحلي وإتاحة السيولة للقطاع الخاص. ملاذ آمن أكد حسين عبد الحليم، نائب رئيس شركة "سيجما كابيتال" لإدارة الأصول، على أهمية تفعيل العديد من أدوات التمويل المختلفة لرفع كفاءة الاقتصاد وسوق المال، مشيراً إلى أهمية استغلال سوق السندات خلال الفترة المقبلة تزامناً مع قرار صندوق النقد الدولي بخفض توقعاته للاقتصاد العالمي مما يضفى حاجة سوق المال المصرى حال التداول بالسندات، ويجعله ملاذا آمناً للمستثمرين سواء العرب والاجانب. أضاف عبد الحليم، أن أبرز معوقات تفعيل سوق السندات خلال الفترة الماضية تتمثل فى صعوبة الطروحات حيث تحتاج إجراءتها إلى مدة زمنية كبيرة، بالاضافة إلى كبر حجم التداول وتكلفة الطرح بالاضافة إلى عدم وجود الحوافز الضريبية لمساندة ذلك السوق. أشار إلى أن تنشيط وبدء التداول خلال الفترة المقبلة بالسندات يفتح قنوات جديدة لتدوير السيولة المتراكمة لدى البنوك، ويتيح مجال تمويلى جديد أمام الشركات التى تبحث عن تمويلات لتوسعة أعمالها ومشروعاتها دون الاعتماد على أسواق الأسهم والاكتتابات . ونوه نائب رئيس شركة سيجما، إلي ضرورة الإطلاع على التجارب الدولية للاستفادة منها ونقلها بما يناسب السوق المصرية ، مشيرا إلي بروز السوق الأمريكية حيث يمثل سوق السندات بها ما يزيد عن 25% من حجم السوق بالعالم. تشريعات جديدة أكد الخبير المصرفى، محمود عبداللطيف، أن هذه الخطوة لن تحتاج الى تشريعات جديدة لأنها تتعلق بالعملية التنظيمية فقط ، نظرا لأن السوق موجود بالفعل ولكن بشكل ضئيل يقتصر فقط علي البنوك، ولكن بعد تفعيل السوق سيخلق حالة من التنافسية تساعد في خفض العائد عليها، مما يقلل توقعات إجمالي الدين العام الذي تجاوز90%من الناتج المحلي الإجمالي . وأشار إلي أن سوق السندات سيشجع علي رفع معدل الإدخار لدي الأفراد، إلي جانب استثمار مدخراتهم لدي البنوك للحصول علي العائد الأكبر الذي توفره السندات الحكومية منخفضة المخاطر مقابل عائد البنوك المنخفض، متوقعا أن يكون الإقبال عليها يماثل ما حدث مع شهادات قناة السويس، ولكن الأمر يحتاج إلي مزيد من التوعية للأفراد والفئات المستهدف دخولها. وقال الخبير المصرفى إن تنويع المستثمرين في أسواق السندات الحكومية يخلق الفرص أمام إدخال ابتكارات مالية جديدة لمقابلة الاحتياجات المختلفة لهولاء المستثمرين مما يسهم في زيادة عمق وكفاءة هذه الأسواق، فضلا عن الدور الأكبر في خلق محاور إصلاح وتطوير قطاعات التمويل المحلية وإحداث التوزان في السوق حتى لا نرى الهبوط الحاد الذي يتعرض له السوق من وقت لآخر.