عندما لا تجد الودائع قنوات استثمارية تُغطي تكلفتها تُصبح عبئاً علي البنك.. فخلال الثلاث سنوات الماضية اتجهت البنوك إلى الاستثمار بأدوات الدين الحكومية نتيجة ثلاث أسباب رئيسية اولها نظرة المستثمر الاجنبي للسوق المصرية غير المستقرة وترقب المستثمر المحلي لما ستؤول اليه الاوضاع الداخلية للبلاد وهو ما أدي إلى إرجاء توسعاته أو قراره بدخول السوق لحين تحقُق الاستقرار السياسي وبالتالي قل حجم تعامله مع الجهاز المصرفي. ومثل اتجاه الحكومة لتوفير السيولة اللازمة لسد عجز الموازنة من الداخل العامل الثاني وذلك في ظل احجام المؤسسات الدولية عن التمويل نتيجة طول المرحلة الانتقالية وهو ما قابلة دور وطني من البنوك للمساهمة في سد عجز الموازنة ، إلى جانب ارتفاع اسعار الفائدة علي أدوات الدين الحكومية لمستويات قياسية لم تشهدها من قبل ويصل متوسطها إلى 16% ، الامر الذي دفع البنوك إلى توجيه فائض السيولة لديها للاستثمار بادوات الدين الحكومية مما حافظ علي معدلات النمو المحققة بالقطاع. ومع تراجع القنوات الاستثمارية المُتاحة أمام البنوك اتجه "المركزي" إلى تفعيل آلية ربط الودائع أبريل 2013 والتي تتيح استثمار البنوك للاموال الفائضة بالعملة المحلية لآجل أسبوع بعائد سنوى يبلغ 10.25% في تلك الفترة ، وفى المقابل قرر تجميد عمليات إعادة الشراء "ريبو" بهدف ضخ سيولة قصيرة الأجل داخل البنوك بضمان ما فى حوزتها من أوراق مالية. وقررت لجنة السياسات النقدية تخفيض اسعار الفائدة ثلاث مرات خلال أشهر اغسطس وسبتمبر وديسمبر ليصل العائد علي آلية ربط الودائع إلى 8.75% خلال ديسمبر 2013 مع تثبيتها خلال باقي الاجتماعات ، كما ساهم تراجع أسعار الفائدة في انخفاض العائد علي أدوات الدين الحكومية بنسبة تزيد عن 4% ، لتشير دراسات اقتصادية إن تراجع العائد 1% علي الفائدة يوفر 10 مليارات جنيه عبئًا علي خدمة الدين المحلي. وبنهاية ال 9 أشهر الأولي من العام المالي الجاري 13-2014 تراجعت نسب توظيف القروض إلى الودائع ل 41.1% علي الرغم من زيادة حجم القروض الممنوحة إلى العملاء خلال نفس الفترة والتي لم تتناسب مع وتيرة الارتفاعات بالودائع حيث سجلت ودائع عملاء الجهاز المصرفي ارتفاعاً نسبته 14.3% والمُقدر ب 170,3 مليار جنيه خلال ال 9 أشهر الاولي من العام المالي 13-2014 لتصل إلى 1,361 تريليون جنيه بنهاية مارس مقابل 1,190 ترليون جنيه بنهاية يونيو 2013 ، بينما شهدت القروض الممنوحة للعملاء حالة من التذبذب مالت إلى الارتفاع لتصل إلى 559,4 بنهاية مارس مرتفعة بقيمة 14.6 مليار جنيه فقط. وعلي الصعيد المصرفي أكد عدد من رؤساء البنوك أن استراتيجياتهم لا تعتمد علي تحقيق ربحية من خلال الاستثمار بادوات الدين الحكومية بالرغم من تمتعها بعدد من المُييزات أهمها العائد الجيد وضمانتها من قبل الحكومة إلا أن منح الائتمان للعميل وتقديم الخدمات المصرفية المتنوعة يعود برحية أكبر علي البنك كما يُمثل الدور الرئيسي للبنك. وخلال الفترة المُقبلة تتبني الدولة عدد من المشروعات القومية ومشروعات البنية التحتية التي من المتوقع لها أن تُنعش سوق الائتمان المصرفي خاصة مع تراجع حجم المنح الائتماني الجديد نظرًا لحالة عدم الاستقرار السياسي وتبعاتها علي الوضع الاقتصادي بالسوق المصرية علي مدار أكثر من ثلاث سنوات متتالية ، ولعل أهم تلك المشروعات محور تنمية قناة السويس الذي يمثل أهمية كبري للدولة وتعول عليه لجذب الاستثمارات خلال الفترة المقبلة ، بالاضافة إلى مشروعات البنية التحتية التي ستوفر المناخ الاستثماري المناسب بالسوق المصرية. وتُظهر معدلات توظيف القروض للودائع ، السيولة الجيدة التي يتمتع بها الجهاز المصرفي وقدرته علي تمويل المشروعات الكبري المرتقبة ، خاصة أن الاستثمارات في أذون الخزانة تتمتع بالآجل القصير الذي لا يتعدي العام ، كما يُمكن توفير السيولة التي تستثمرها البنوك في أذون الخزانة والتي تزيد عن ربع محفظة ودائع الجهاز المصرفي ، مع التوقعات بدخول مستثمرين أجانب للاستثمار بادوات الدين الحكومية. وسجلت استثمارات القطاع المصرفى فى أذون الخزانة الحكومية 343,44 مليار جنيه من إجمالى أرصدة قائمة قدرها 467,28 مليار جنيه بنهاية مارس الماضى ، تستحوذ بنوك القطاع الخاص علي 148,55 مليار جنيه بنهاية نفس الفترة ، كما سجلت استثمارات بنوك القطاع العام 173,23 مليار جنيه ، واستثمارات فروع البنوك الأجنبية 15,96 مليار جنيه والبنوك المتخصصة 5,71 مليار جنيه ، والتي تسجل انخفاضاً باستثماراتها للشهر الخامس على التوالى. وترددت مؤخرًا شائعات عن وضع حدود قصوي للسحب اليومي لودائع العملاء من العملة المحلية وهذا ما نفاه هشام رامز محافظ البنك المركزي ، مؤكدًا إنه لا يوجد أية حدود قصوي علي السحب بالعملة المحلية ، بينما تعمل البنوك وفقاً للقواعد الموجودة من قبل فيما يتعلق بالسحب للعملة الأجنبية ، والتي تقضي بوجود حد أقصي للسحب "الكاش" بالعملة الاجنبية قدره 10 ألاف دولار يومياً للافراد و30 ألف دولار للشركات. وفي سياق أخر قال هشام رامز محافظ البنك المركزي في تصريحات إن فكرة فرض ضرائب علي ودائع العملاء بالبنوك غير مقبولة أو واردة خلال الفترة المُقبلة ، وذلك في ظل ما اُثير حول فرض ضريبة رأسمالية على أرباح البورصة والتوزيعات النقدية والأسهم المجانية ، وهو ما أثار حفيظة بعض عملاء القطاع المصرفي خشية تطبيقه علي الودائع البنكية. وتوقع مصرفيون ارتفاع حجم توظيف القروض إلى الودائع خلال العام المُقبل إلى مستويات جيدة مع عودة الثقة للمستثمرين والدخول إلى السوق المصرية مرة اخري سواء من خلال مشروعات استثمارية او ضخ سيولة بادوات الدين الحكومية تُسهم في التخارج التدريجي للبنوك منها.