الدوحة «القدس العربي» إسماعيل طلاي: طوت الأزمة التي سبّبها قطع ثلاث دول خليجية (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين) علاقاتها الدبلوماسية مع قطر أسبوعها الأول، على وقع «تخبط» في مواقف الولاياتالمتحدةالأمريكية، القوة العالمية العظمى، التي أدهشت العالم بسبب المواقف «المتقلبة» و«المتضاربة» للرئيس الأمريكي «المثير للجدل» دونالد ترامب. الرئيس ترامب الذي بالكاد طمأن العالم بنيته التدخل لحلّ الأزمة، وأعلن دعمه لدولة قطر، مشيدا بدورها في مكافحة الإرهاب، بعد فترة وجيزة من تصريحات لوزير خارجيته ريكس تيلرسون، دعا خلالها لفك الحصار عن قطر تدريجيا، فاجأ العالم بخطاب «ناري» دعا من خلاله دولة قطر إلى ما أسماه الكف عن تمويل الإرهاب، مطالبا في الوقت ذاته دولا لم يسمها إلى وقف دعم الإرهاب ونشر ثقافة القتل والكراهية وعدم التسامح، من دون أن يسمي تلك الدول، خلافاً لما فعله مع قطر! قمم الرياض وفتيل «الفتنة» نزيل البيت الأبيض الجديد، لا ينفك يثير الجدل بمواقفه داخل الولاياتالمتحدة، وفي زياراته إلى دول العالم، رغم مضي أقل من ستة أشهر فقط على استلامه الحكم. وسرعان ما بدأ ترامب بتنفيذ تهديداته الانتخابية لدول الخليج، باستنزاف أموالها! دونالد ترامب، الذي تسبّب في إثارة الفرقة بين الأمريكيين منذ انتخابه، «أشعل» منطقة الخليج منذ زيارته «التاريخية» للرياض خلال الفترة من 19-21 أيار/مايو الماضي، في أول زيارة، لرئيس أمريكي، اختار أن تكون المنطقة محطته الخارجية الأولى بعد انتخابه مباشرة. زيارة، استبشر بها الخليجيون، وهلّلوا لها، لكن سرعان ما تحولت إلى رحلة ل«جمع الغنائم» مخلّفة «حمما بركانية» من الخلافات الدبلوماسية بين الدول الخليجية، تفجّرت بعد رحيل ترامب مباشرة، وأوشكت أن «تفجّر» إلى الأبد، «مجلس التعاون الخليجي» الذي استمر بناؤه 20 عاماً. خرجت الدول الخليجية من قمم الرياض، مستبشرة بطي صفحة الماضي، وإطلاق عهد جديد للشراكة والتعاون مع الولاياتالمتحدةالأمريكية بقيادة دونالد ترامب الذي لم يتوان عن التهجم عليها خلال حملته الانتخابية للرئاسيات الأمريكية، على أمل أن تطوي الزيارة صفحة «الفتور» الذي ميّز العلاقات الخليجية الأمريكية في عهد الرئيس باراك أوباما. هكذا، «توهّم» الخليجيون أن قمم الرياض، ستكون بداية عهد جديد من التعاون الخليجي الأمريكي، قبل أن يستفيق العالم على وقع «أزمة حادة» قد تكون «الأعنف» في تاريخ الدول الخليجية، أعقبت زيارة ترامب مباشرة، وأشعلت فتيلها «حملة إعلامية شرسة» استهدفت دولة قطر، يومين فقط بعد إسدال الستار عن قمم الرياض التاريخية. نقطة الصفر لتنفيذ «الحملة المسعورة» فجر يوم الأربعاء 24 أيار/مايو الماضي، يومين فقط بعد اختتام قمم الرياض التاريخية، أفاق القطريون على وقع «حملة إعلامية منظمة» قادتها قنوات إعلامية وصحف إماراتية وسعودية، بدعم مصري، استهدفت دولة قطر بنشر تصريحات «كاذبة» على لسان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إثر تعرض موقع وكالة الأنباء القطرية«قنا» لعملية «قرصنة» بعد منتصف ليل الثلاثاء إلى الأربعاء 23 -24 أيار/مايو، حيث قام «مجهولون» بنشر تصريحات «ملفقة» تزعم أن أمير قطر أدلى بها في حفل تخرج الدفعة الثامنة، من منتسبي الخدمة الوطنية، يشيد فيها بعلاقات بلاده بإيران، ويعتبر «حماس الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني»، وتصريحات أخرى، سرعان ما كذبها المكتب الحكومي لدولة قطر. وتلتها تصريحات «كاذبة» على لسان وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، نفتها وزارة الخارجية جملة وتفصيلا. وعلى الرغم من النّفي الرسمي لدولة قطر، تفاجأ القطريون والعالم بحملة «ممنهجة» لقنوات إعلامية سعودية وإماراتية ومصرية، بدت جاهزة منذ الدقائق الأولى التي تلت نشر «التصريحات الكاذبة» لشن هجوم لاذع على دولة قطر، مدعومة بمحللين وكتاب وصحافيين. وسبقتها تصريحات لكتاب رأي أمريكيين في صحف أمريكية، وندوة نقاشية في أبو ظبي، موجهة ل «التحامل» على قطر، في ما بدا مخططاً محكماً. وواصلت وسائل الإعلام الإماراتية والسعودية «تهجمها» على قطر وسياستها، متجاهلة تماما، بيانات التكذيب الرسمية. ولم تستثن الحملة الإعلامية العائلة الحاكمة القطرية بالنقد والتجريح. في المقابل، فضلت دولة قطر التزام «خطاب هادئ» دونما أن توجه اتهامات لدول معينة، مكتفية بتأكيد تعرضها ل «جريمة الكترونية» وفتح تحقيق قضائي، بدعم عناصر من مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي «FBI». ووعدت بنشر نتائج التحقيق بكل شفافية، ومتابعة المتورطين قضائياً. تحرك الآلة النظامية صباح الأربعاء الخامس من حزيران/يونيو الجاري، وفي ذكرى النكسة، والعاشر من رمضان، بدا واضحا أن «خصوم قطر» لن ينتظروا ظهور نتائج التحقيقات في «قرصنة» وكالة الأنباء القطرية الرسمية، وقرروا إعطاء الضور الأخضر لبدء تنفيذ المرحلة الثانية من حملة الهجوم المنظمة على دولة قطر. لتتولىّ الأنظمة هذه المرة قيادة الحملة رسميا، بإعلان كل من السعودية والإمارات والبحرين، مدعومة بمصر، قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع قطر، وإغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية معها، ومنع العبور في أراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية، ومنع مواطنيها من السفر إلى قطر، وإمهال المقيمين والزائرين من مواطنيها فترة محددة لمغادرتها، ومنع المواطنين القطريين من دخول أراضيها وإعطاء المقيمين والزائرين منهم مهلة أسبوعين للخروج. الحصار «الأعنف» بين الأشقاء سريعا، بدأت الدول الخليجية الثلاث، ومعها مصر، تنفيذ قرار قطع العلاقات الدبلوماسية. وأعطت الأوامر لموطنيها المقيمين في قطر بالمغادرة فوراً، موازاة مع طرد المواطنين القطريين المقيمين أو الزائرين لتلك الدول، دونما احترام لمهلة ال 14 يوما التي حدّدها البيان الرسمي الصادر من الدول الخليجية الثلاث. وفي اليوم نفسه لصدور القرار، نزلت التعليمات الفورية بإغلاق، وشنّ حصار محكم للحدود، يمنع انتقال الأشخاص والسلع والبضائع والمواد الاستهلاكية إلى قطر، في «أبشع» حصار ينفذه أشقاء مسلمون ضد أشقائهم المسلمين في عز رمضان! بدأت نتائج «الحصار الإنساني» تجد صدا مدويا في دول العالم، فانطلقت صرخات الاستهجان، والمسيرات التضامنية في دول عربية وإسلامية، وتصريحات من قادة دول غير مسلمة، تستنكر تحول خلافات سياسية بين دول شقيقة، تجمعها علاقات المصاهرة والنسب، إلى «حصار إنساني». وإزاء تلك التطورات، تحركت اللجنة الوطنية القطرية لحقوق الإنسان، لتدقّ ناقوس الخطر، وتراسل المنظمات الدولية، والأممالمتحدة، لاستنفارها، ودعوتها للتحرك، لوضع حد لما وصفها رئيس اللجنة الدكتور علي بن صميخ المري «انتهاكات وجرائم إنسانية خطيرة»، تسببت في انتهاك حق مواطنين قطريين وسعوديين وإماراتيين وبحرينيين، وحرمانهم من حق التجمع الأسري، وحق التنقل، والتملك، والتعليم، والصحة. وبين المتضررين، أطفال ورضع حرموا من التنقل رفقة أمهاتهم وآبائهم، بسبب جنسيتهم القطرية، ومعوقون ومرضى لم تشفع لهم حالتهم الإنسانية في الترخيص لهم بالتنقل بين قطر والدول الخليجية الثلاث، على حد قول المري. وساطة كويتية مكبلة ب «الإملاءات» لم ينتظر أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر المبارك الصباح طويلا، ليستأنف كعادته جهوده، و«جولاته المكوكية» بين العواصم الخليجية، محل النزاع، في محاولة لرأب الصدع، كما فعلها في أزمة 2014. وبدا واضحا من تصريحات المسؤولين السعوديين والإماراتيين والبحرينيين أنهم جهزوا «إملاءات» وشروطا «تعجيزية» من الوهلة الأولى، لتتحول تنقلات أمير الكويت من جلسات لمحاولة حلحلة الأزمة، إلى لقاءات لتبليغ «الشروط» و«الإملاءات» السعودية والإماراتية والبحرينية لدولة قطر، مقابل «تطبيع» العلاقات الدبلوماسية والقنصلية. إصرار قطري على رفض الوصاية في المقابل، كان موقف قطر «صارما» منذ الوهلة الأولى، أنه يرفض «الوصاية» و«التدخل في سياسته الخارجية»، معلنا على لسان وزير الخارجية رفض بلاده المطلق ل «الاستسلام» للإملاءات التي تفرضها الدول المقاطعة، ومجدّدا في الوقت ذاته الدعوة ل «المكاشفة» و«الحوار الصريح». جهود دبلوماسية وعلى الرغم من تباعد وجهات النظر بين «الإخوة الفرقاء» في «البيت الخليجي» سارعت العديد من الأطراف لإبداء استعدادها للتدخل والوساطة، وسط ترحيب قطري صريح. وكان موقف ألمانيا لافتا بين مواقف دول العالم، حيث أعلنت برلين رفضها العلني للحصار الإنساني الذي تتعرض له قطر، داعية إلى وقف قرار إغلاق الحدود وقطع العلاقات فوراً. إلى جانب الموقف التركي «المبدئي» بدعم قطر، حيث طالب الرئيس رجب طيب أردوغان برفع تام للحصار الذي تفرضه دول خليجية على قطر، مشددا على أن بلاده ستستمر في دعم القطريين. كما دعت مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني الأطراف المعنية بالأزمة الخليجية لإنهاء التصعيد واعتماد الحوار لحل الأزمة. وعلى الجانب الآخر، كانت الدول الخليجية الثلاث المقاطعة للدوحة، ومعها مصر، مستمرة في محاولة حشد دعم دولي لقرار قطع العلاقات، تبين في الأخير أن تلك المساعي لم تثمر، سوى استمالة دول ليس لها وزن في الساحة الدولية، ولا تضرّ بمصالح قطر ومكانتها في العالم. ومضى «خصوم قطر» أبعد من ذلك، بإعلانهم عن قائمة تضم 95 شخصية ومنظمة، بزعم دعمها للإرهاب. وسرعان ما لقيت القائمة استهجان دولة قطر، كونها تضم أسماء منظمات معترف بها من قبل الأممالمتحدة، وشخصيات لا تمت بصلة لدولة قطر، إلى جانب صحافيين وشخصيات لها مكانتها في العالم. ولقي موقف قطر دعما واضحا من الأممالمتحدة، على لسان المتحدث باسم أمينها العام، ستيفان دوجاريك، قائلاً: «إن المنظمة الدولية تلتزم بالتصنيفات التي تصدرها مؤسسات معنية بموضوع الإرهاب، وليس أي جهة أخرى». وبدا واضحا، أن «خصوم قطر» راهنوا على ورقة «مكافحة الإرهاب» لاستمالة البيت الأبيض، ورئيسه دونالد ترامب الذي جعل من مكافحة الإرهاب، وجمع الأموال من دول الخليج لدعم خزينة بلاده، وانقاذ اقتصاد بلاده، هاجسه الأول، وأهم أهدافه وطموحاته من منطقة الخليج والشرق الأوسط. ترامب من «الصمت» إلى «التخبط» بعد مرور أسبوع كامل على قرار الدول الخليجية الثلاث قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، بقي العالم يترقب موقفاً «مفصلياً» من دونالد ترامب، رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية، بوصفها القوى العظمى في العالم، وما سيقوله «رجل العالم الأول» لحلّ «النزاع» المتفاقم، ووضع حدّ للتصعيد، في ظل إصرار طرفي النزاع على مواقفهما. كانت الآمال معلقة لتدخل أمريكي، يجبر أطراف الصراع للجلوس إلى طاولة الحوار، بما يضمن تهدئة الصراع، وتجنيب المنطقة توتراً ونزاعات، لا تنقصها. وساهم حديث ترامب والمسؤولين الأمريكيين عن أهمية دولة قطر، كحليف للولايات المتحدة، ودورها في مكافحة الإرهاب، وتأكيد أكثر من مسؤول أمريكي على تمسك بلادهم باستمرار التحالف الاستراتيجي مع قطر، ساهمت كل تلك التصريحات في إشاعة مناخ التفاؤل، بصدور موقف أمريكي يعيد الهدوء للمنطقة، ويبعد شبح الحرب والتوتر، وينهي الحصار الإنساني الذي فرضته الدول الخليجية الثلاث. وفي مساء الخميس 9 حزيران/يونيو، استقبل القطريون بترحيب كبير تصريح وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الذي قال إن «الحصار الذي تفرضه دول خليجية على قطر غير مقبول» داعيا لوقف التصعيد في الأزمة الخليجية. وأضاف تيلرسون أن «الحصار الذي فرضته دول خليجية على قطر يؤثر على المعركة التي يقودها الجيش الأمريكي ضد تنظيم الدولة الإسلامية» ويضرّ بالعمليات العسكرية ضد من سماهم ب«الجهاديين». وتابع قائلاً: «الحصار يسبب تداعيات إنسانية غير مقصودة خصوصا خلال شهر رمضان الكريم، منها نقص الغذاء وتفكيك عائلات بشكل قسري وسحب أطفال من المدارس». وأكد أيضا أن «الحصار يضر بنشاط الشركات الأمريكية في المنطقة» داعيا السعودية والإمارات والبحرين إلى تخفيف الحصار عن قطر. وقال تيلرسون إن الولاياتالمتحدة تتوقع أن تتخذ دول الخليج خطوات فورية لتهدئة الوضع في المنطقة، مؤكدا أن واشنطن تدعم جهود أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح لحل الأزمة. وأشار إلى أنه على قطر «القيام بالمزيد وبشكل أسرع» في مجال مكافحة الإرهاب. ولم تمض سوى فترة وجيزة على تصريحات تيلرسون، حتى نزلت تصريحات دونالد ترامب «صادمة» ومناقضة تماما لتصريحاته السابقة، ولما جاء على لسان وزير خارجيته، حيث دعا الرئيس الأمريكي قطر ودولا أخرى لم يسمها لفعل المزيد من أجل وقف تمويل ما سماه الإرهاب ومكافحته. وطالب ترامب في مؤتمر صحافي في البيت الأبيض مع الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس، دولا أخرى في المنطقة لم يسمها بوقف دعم الإرهاب ونشر ثقافة القتل والكراهية وعدم التسامح. وخرج البيت الأبيض بعد وقت وجيز أيضا، ليعقب على تصريحات ترامب قائلاً: «رسالتنا بوقف تمويل الإرهاب موجهة لكل الدول ولم تحدّد دولة بعينها». وعاد البيت الأبيض ليثني على اتصال ترامب الأخير بأمير قطر، ويصفه بالدافئ والودي. وتبقى الأزمة التي تعيشها منطقة الخليج، وحلها، رهينة «تخبط» الإدارة الأمريكية، وشخصية الرئيس ترامب الذي يتعاطى مع دول الخليج، بمنطق «التاجر» الذي يبع المواقف لمن يدفع أكثر!