جال بخلدى أيام مرت عاصرنا أواخرها وما زالت محفوره اثارها بعمق ذاكرتى ويومها كنا اطفالا لا نعى ما يحدث سوى اننا في مأساة حرب وسمعت آبائي واقربائي وجيرانى رجالا ونساءا يتحدثون ويقسمون بأغلظ الأيمان أن دمائهم وأرواحهم وأموالهم وأولادهم حرام عليهم إن اصاب البلد اى مكروه. أى ترابط عشته وأى تضحية لمستها وهم لاينعمون ايامهم بنصف ما ننعم الآن من ملبس ومأكل ومشرب فما كان منا لا يرتدى إلا الكستور وهو اللبس المقدس والوحيد لمعظم ابناء فئتنا الضعيفة الفقيرة وكان معظمنا كبيرنا وصغيرنا يرتديه مرقع ومخيط بألوان مختلفة حتى يكاد من يراه من بعيد يظن انه ثوب واحد ملون . كل منا ومن يكبرنا الآن عاش وعاصر وشاهد اكل اللحم مرة فى السنه والطيور مرتين فى العام ومعظمها فى المواسم وكنا جميعا نحمد فضل الله علينا ونستكثر نعمه رغم القحط الذى نعانيه…كانت بيوتنا خاوية على عروشها من سقف يحمينا من حر الصيف وبرد الشتاء حتى كان المطر يطول اماكن نومنا رغما عنا. فالعين بصيره واليد قصيره كى تطال زعف النخل وفروع الاشجار لنصطنع سقفا يحمينا ويظلنا ورغم كل الظروف كانت عيشة هنية ونفوس مطمئنة وراضية مرضية ايمانها بالله لا يهتز وولائها لبلدها لا ينفذ وانتمائها لطينة ارضها صلبة صلدة كالفولاذ..كان الجيران اهل وعشيرة وكانت معظم البيوت اكلها واحد قليلا ما اختلف الطبخ ان كان. لكن كانت هناك روح غريبة وتالف ظاهر وود متبادل يجعل الكل يأكل من طبق واحد دون فرق أو تمييز..أصول ثابتة واجتماعيات مؤثرة وعلاقات ثابتة صنعت مجتمعا رغم فقره الا انه مميز ونادر الوجود تعمه روح الود والاخوة والتراحم رغما ما يعانيه من ألم الفقر المدقع لكن علته سمة الرضا والتسامح صانعه بسمة الولاء والانتماء على وجوه الاشهاد للأرض والطين أولا وأصول اجتماعية منبثقة من عقيدة دينية لا يستطيع احد العبث بها. هكذا كانت أحوالنا التى عاشها من بسننا أو يكبرنا بقليل مع اختلاف مناصبهم حاليا فمن هذا الجيل الطبيب والمهندس والعالم والمدرس كلهم تجرى دمائهم بما تربوا عليه.. لذا كان غريبا علينا الآن ما نشاهده من ايادى هدامة وسهام مسمومة دخلت مجتمعنا عنوة ففككت اصولنا وزرعت الحقد فينا ونزعت الدسائس بيننا فاختلف القوم على هدف نشأوا عليه ووطن ترعرعوا خيره. واصبح مايهم معظمنا نفسي نفسي..فلا اصول تهمنا ولا ارض تعنينا باسم الحضاره وثورات مستورده من نادى بها لم يناد بها في بلاده التى تأوى الفسق والضلال ولا تؤمن بدين أو شريعة.. فكان سهل جدا هدم موروثاتنا واصولنا كى لا نعود اليها رغبة منهم في طمس تاريخنا الناصع البياض وتظل أمتنا في ظلمات التيه كى يستغلوا ثرواتنا ونحن مشغولون باغراض بالية وآمال واهية زرعوها بيننا ويزيدون نارها اشتعالا. دخلت ثورات الربيع العربي لتهدم امم بقيمها وتفنى شعوب بتاريخها وقد حدث الا ان اللبنة الاخيرة نسوا او تناسوا ان لابنائها الولاء والانتماء لطينة ارضها وهم يحاولون جاهدين هدمها بشتى انواع الطرق والحروب التقليدية والغير تقليدية وهم جالسون عن بعد يراقبون فان فشلت حرب استحدثوا غيرها . تلك اللبنه هى اللبنه الأم التى تتجمع حولها الامة فمن سقط انتهى وتمزق لاشلاء ومن بقي متعلق بها خوفا ورعبا من مصير مجهول ومدى مظلم لا يعرف نهايته….فأبنائها يقتلون وشعبها يحاربون بالغلاء والاشاعات والامراض لكن تلك اللبنة ما زالت صامده تقاوم وهى تنزف وما يؤلمها ليس تداعى الأمم لكن تداعى الخونة من ابنائها الذين فقدوا الولاء والانتماء متمسكين بشعارت زائفة وقيم هدامة صدرتها إليهم أمم افتقدت لقيمنا وثرواتنا ولذا طمعت أن تكون مثلنا فاستغلت ضعف انتمائهم وموت حب بلادهم في دمائهم. صنعوا الخلافات بين طوائفها كما فعلوا في أمم ق خلت وانهارت لكنها فشلت..يحاربوها من الداخل بإعلام ممول وموجه لصنع فتنة واختلاق ثورة اخرى لكن هيهات ان يكون واحرارها يستشهدون ولاءا وانتماءا لها ولشعبها الأبي الذى عاش ماحكينا أول الكلام ورغم فقره انتصر ومرت فترة من اصعب فترات التاريخ. فهيهات ان تطال اي يد تلك اللبنة مهما كان..تنزف وهى واقفة صامدة..تمرض ولا تموت..يصطنعون الاشاعات ويروجونها ويختلقون الازمات ويستغلون ضعفاء النفوس لاثارتهم لاحداث بلبلة واظهار الدولة بانها مهلهلة وعلى وشك الافلاس والسقوط…لكن هيهات فكم من امم نامت ثم استيقظت كالنمور لم يؤثر فيها احداث جرت ولا اشاعات تفشت ولا ازمات صدرت نظرا لأن ابنائها لم يفقدوا انتمائهم ولم ينسوا ولائهم ووقفوا صامدين رغم المحن يصلحون كل قطعه تسقط من لبنة وطنهم حتى لا تسقط اخرى . لا ننفي سلبيات موجوده لكن ايجابيات لاينظر اليها كانت سببا في نهضة كثيرا من الامم وكم من امة تأزمت كى تنهض وما من نهضه الا وكالسهم في غمده وقت خروجه يعود للخلف سهما ينطلق للامام. واولا واخير يكون انتماء السهم لغمده مهما بعد فليكن وطن نلتحف سماءه ونفترش ارضه وتلتف ايدى ابنائه لبنائه يا أمة ضحكت من تفرقها الامم..وليكن انتماؤنا وولاؤنا لوطن ارضه طيبة كأرضنا وانتمائنا لأرض آمنة كأرض وطننا ولكم ان تنظروا حولنا وتتحسروا على أمم مثلنا وتحمدوا الله على وطن كوطننا آوى وضم الامم التى نظرتم اليها..واخيرا ليفهم اولو الالباب.