هكذا نجد مؤامرات الولاياتالمتحدةالأمريكية المسنودة بدوائر الصهيونية والكنيسة المتطرفة تأخذ بعُداً جديداً بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، مرتكزة على الأحادية القطبية ومستغلة معطيات العولمة في إزالة الحدود الجغرافية بين الدول و الحضارات لصالح الرأسمالية الغربية والدوائر الصهيونية وأفكارها.وليسهُل اكتمال سيطرة الرأسمالية الغربية الكاملة على كل مناح الحياة البشرية الاقتصادية والدينية والثقافية والاجتماعية استخدمت معايير مزدوجة وشعارات فضفاضة مختلفة مثل الديمقراطية، حقوق الإنسان, الشفافية و محاربة الإرهاب …الخ. ويتم تنفيذ هذه الخطط عن طريق استغلال المؤسسات والمنظمات التابعة للأمم المتحدة مثل لجان حقوق الإنسان ومجلس الأمن و المؤسسات المالية مثل صندوق النقد، ومنظمة التجارة العالمية و التي أصبحت مطية للدول الغربية لتمارس من خلالها استراتيجياتها في إخضاع دول العالم الثالث عامةً و الدول الإسلامية بصفة خاصة حيث تمارس قوى الامبريالية من خلال هذه المؤسسات ضغوطاً هائلة على الأمة الإسلامية. و ذلك إلى جانب التدخل المباشر في شئونها الداخلية لتدمير بنياتها الأساسية بأبشع صورة الوحشية المنافية للإنسانية، كما هو الحال في فلسطين, أفغانستان و العراق. وهنالك عدة دول إسلامية تتعرض للضغوط الهائلة، بل وللتهديد بالتدخل المسلح، ومثال ذلك ما يتعرض له السودان وإيران وسوريا. وكل ذلك في إطار المؤامرات الغربية المسنودة بالدوائر الكنسية والصهيونية. وتستغل الولاياتالمتحدة في ذلك كل قدراتها الاقتصادية والعسكرية ونفوذها السياسي في التعدي على هوية الأمة الإسلامية و مقوماتها و تهميش دور الدين الإسلامي في حياة المسلمين عن طريق مطالبة الدول الإسلامية بتعديل المناهج الإسلامية في مؤسساتها التعليمية، كما حاصرت حركة أموال المسلمين الموجهة إلى الأعمال الخيرية لإفساح المجال للمنظمات الطوعية الغربية المشبوهة والجاهدة في تنصير المسلمين وإشعال الفتن في البلاد الإسلامية. و يحدث كل ذلك تحت ستار محاربة الإرهاب و إصلاح نظم الحكم في البلاد الإسلامية. ويستخدم في تحقيق ذلك المعايير المزدوجة و أبشع المجازر البشرية في فلسطينوأفغانستان و العراق. وابرز الأمثلة لازدواجية المعايير التي تستخدمها الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية أنها تحرم على إيرانوالعراق تطوير السلاح بينما يسمحون في الوقت ذاته لإسرائيل بامتلاك ترسانات الأسلحة النووية والبيولوجية. واعتقد أن ما تم وما يدور الآن من مؤامرات و تكتلات ضد الأمة الإسلامية لا يعدو أن يكون حلقة من حلقات الحرب الصليبية وصراعاتها ضد الأمة الإسلامية والتي بدأت منذ العصور الوسطى. و تتخذ هذه الصراعات في كل مرحلة من مراحلها أساليب وتدابير مختلفة تتواءم و تتفق مع الظروف و المعطيات الدولية الماثلة. لقد افقد هذا التحول الإستراتيجي في العلاقات الأوروبية الدول الإسلامية النامية الأهمية الإستراتيجية التي تمتعت بها طيلة فترة الحرب الباردة، من خلال التوجه العام لعلاقات القطبين الكبيرين مع دول العالم الثالث وكتلة دول عدم الانحياز. فقد اتسمت فترة الحرب الباردة بالسباق والمنافسة بين القطبين لاستقطاب تلك الدول. وكانت بعض الدول الإسلامية مثل مصر والجزائر والعراق وباكستان ونيجيريا, قد تميزت بعلاقات إستراتيجية مع القطبين شملت المجالات السياسية والاقتصادية. وبانتهاء الحرب الباردة وتغيّر خريطة أوروبا فقدت الدول الإسلامية تلك الأهمية الإستراتيجية. وبعد التقارب بين الشرق والغرب لم تعد دول الكتلتين في حاجة إلى استقطاب دول العالم الثالث. ومن ناحية أخرى وفي إطار التعاون بين شطري أوروبا الموحدة تحول اهتمام دول أوروبا الغربية، الذي كان يمثل ثقل التعاون الاقتصادي التاريخي مع كثير من الدول الإسلامية إلى أوروبا الشرقية. ولم تعد كثير من الدول الإسلامية النامية قادرة على منافسة دول أوروبا الشرقية في جذب الاستثمارات الغربية، نسبة للفجوة الكبرى القائمة بين الإقليميين في البنيات التحتية الجاذبة للاستثمار الخاص وفى مناخ الاستقرار السياسي والفجوة الواسعة بينهما في توطين التكنولوجيا والعمالة الفنية والماهرة. لقد عمقت هذه التحولات حالة العزلة و التهميش لكثير من الدول الإسلامية غير البترولية اقتصاديا وسياسياً، بعد أن أضيفت العزلة الجغرافية والسياسية إلى العزلة الاقتصادية وفجوة التكنولوجيا، التي تميزت بها العلاقات الدولية في أعقاب أزمة الديون، وتدهور شروط تبادل التجارة الدولية والتي أوضحتاها من قبل. تجدر الإشارة هنا إلي أن هذه التحولات تمت في ذات الوقت الذي التزمت فيه عدة دول إسلامية بتنفيذ برامج اقتصادية قاسية فرضتها عليها الدول الغربية في إطار التعاون الاقتصادي وتقديم المساعدات المالية. وبتراجع مسار التعاون الاقتصادي وضمور المساعدات الاقتصادية المقدمة من الدول الغربية، لم تعد برامج الإصلاح التي تقوم بتنفيذها بعض الدول الإسلامية، قادرة على تحقيق أهدافها مما عرّض كثيراً من الحكومات الإسلامية الفقيرة إلى حرج سياسي مع الدول والمؤسسات المالية المانحة. تعتبر حالة إيران والعلاقات معها أبرز مثال علي نفوذ السلطة التشريعية والكونجرس في التأثير علي السلطة التنفيذية، في رسم السياسة الخارجية والمشاركة فيها، ففي الوقت الذي ظهر فيه اتجاه داخل مؤسسة الرئاسة ووزارة الخارجية لتحسين العلاقات مع إيران، قام الكونجرس من خلال نوابه، وخاصة الجمهوريين بشن حملة عنيفة ضد إيران متهمًا إياها بالإرهاب وزعامة الإسلام الثوري في منطقة الشرق الأوسط والعالم، والأكثر من هذا مطالبة رئيس مجلس النواب الأمريكي نيوت غنغريش الإدارة الأمريكية بتمويل عمليات سرية لتغيير الحكومة الإيرانية، وقد وافقت الإدارة ووكالة الاستخبارات الأمريكية علي ذلك في ديسمبر عام ،1995 بالرغم من إيمانها بعدم جدوى ذلك لعدم وجود معارضة إيرانية قوية. وفي صيف 1996 اضطر الرئيس كلينتون تحت ضغط الكونجرس إلي الموافقة علي تشريع أصدره الكونجرس يعاقب أي شركة أجنبية تستثمر أكثر من 40 مليون دولار في القطاعين الصناعي والنفطي في إيران وهو القانون الذي لقي معارضة من الدول الأوروبية واليابان. مع انتهاء الحرب الباردة وانقسام وتفكك الاتحاد السوفيتي والانتصار العسكري الأمريكي علي العراق في حرب الخليج الثانية، وتدمير العراق عسكريا واقتصاديا – أصبحت الولاياتالمتحدة هي القوة المهيمنة علي العالم، وفي المنطقة العربية ومنطقة الخليج، وأصبح حصول واشنطن علي نفط الخليج آمنًا نسبيا من التهديدات الخارجية، وكل هذا جعل النخبة الحاكمة في مجال السياسة الخارجية الأمريكية لم تعد تشعر بضرورة استثمار الكثير من رأس المال السياسي والاقتصادي لحل الصراع الإسرائيلي، وهو ما يعني نجاح الولاياتالمتحدة في فصل القضية الفلسطينية عن اعتبارات النفط بفضل انتصارها في حرب الخليج، وهذا ما يفسر الموقف الأمريكي المتراخي من عملية السلام العربية – الإسرائيلية في ظل حكومة الليكود بزعامة نتنياهو، وعدم لجوء الحكومة الأمريكية للضغط علي نتنياهو لتغيير مواقفه المتشددة حيال الفلسطينيين والسوريين. وفي الحقيقة ان مفهوم المصالح الحيوية الأمريكية يرتبط وثيقا بالرؤية الامريكية لمسألة الآمن القومي الأمريكي وبالتالي فهو يرتبط بالعقيدة الامنية للولايات المتحدة , وعلى الرغم من الصعوبة الواضحة في تحديد ماهية المصالح الحيوية الامريكية المرتبطة بالامن القومي الامريكي الا اذا كانت هذه المصالح الحيوية الامريكية تنطوي على امتدادات عالمية . وفي الواقع فان غياب الاتحاد السوفيتي ومحدودية الروادع النووية الولية ( كالصينوروسيا الاتحادية ) اصبح من الضروري بالنسبة للكثير من منظري سياسة الامن القومي الامريكي من احل اعادة التفكير فيما يتعرض له الامن القومي الامريكي من مخاطر . ومن الناحية الفكرية التنظيمية يمكن ترتيب المخاطر التي يتعرض لها الامن القومي الامريكي الى ثلاثة مستويات مرتبة ترتيباً تنازلياً من اكثرها خطورة الى اقلها خطرا. واول هذه المستويات تشمل المخاطر التي تهدد وجود الولاياتالمتحدة والتي كانت متمثلة بالاتحاد السوفيتي والقوى المرشحة كبدائل له كالصينوروسيا الاتحادية . اما المستوى الثاني يشمل المخاطر التي تهدد المصالح الامريكية وهو المستوى الاكثر احتمالا وفق المنظور الاستراتيجي الامريكي وميدانها العملياتي والحالات الرئيسية التي تمثل هذه المخاطر هي الصين ,روسيا الاتحادية , شبه الجزيرة الكورية , منطقة اسيا الوسطى , منطقة الشرق الاوسط وفي مقدمتها منطقة الخليج العربي . ** كاتب المقال دكتور في الحقوق وخبيرالقانون العام مستشار تحكيم دولي وخبير في جرائم امن المعلومات مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية