وتبقى مسألة التغيير , أكبر من أن تكون مسألة تغيير أشخاص , أن التغيير الحقيقي ضرورة وطنية و أقول أن التغيير في الأشخاص دون النظام الذي شاخ و ترهل و ثبت فساده , و أنه غير جدير بالاحترام , هذا لا يسمى تغيير , أن التغيير الحقيقي بعيد عنه بعد السماء عن الأرض , و تغيير الأشخاص دون النظام هذا معناه أن الأشخاص سوف يسيرون على نفس المنهج الذي ثبت فساده و انتهت صلاحياته و هذا لا يسمي تغيير بل يسمى فساد التغيير . و في ذالك يقول المفكر السياسي برتراند راسل " و إذا تظاهروا على الأخذ بسياسات أو اتجاهات جديدة فأنهم لن يكونوا مخلصين في تنفيذها أو مخلصين في تنفيذها أو متحمسين لإنجاحها بل على العكس من ذلك, سوف يحاولون أن يثبتوا أنهم كانوا على حق فيما كانوا ينتهجون من أساليب و أن السياسات الجديدة غير صالحه عملياً , و أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان . و قال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ضمن بيان 30 مارس مشيراً إلى التغيير و الإصلاح " أن الكثيرين ممن يشتغلون بهذه المناصب أدوا مسؤولياتهم بجدارة و استحقاق , و لكن بعضهم لم يكن على مستوى المسئولية سياسياً و تنفيذياً , ومن الضروري عليهم و علينا إفساح المجال للأقدر و الأجدر , و لكن التغيير يبقى بعد ذلك أكبر من أن يكون مسألة أشخاص, أن التغيير المطلوب لابد له أن يكون تغييراً من الظروف و المناخ , و إلا فإن أي أشخاص جدد في نفس الظروف و في نفس المناخ سوف يسيرون في نفس الطريق الذي سبقهم إليه غيرهم "ومن ضروريات التغيير التخلى عن حب الذات و مصادرة الآراء الأخرى , لن هذا يؤدى إلى كارثة كبرى و على الرغم مما يأخذ عليه فأنه أفضل من غيره , و لكن المسئولين اليوم الذين يشغلون المناصب الحساسة في البلاد لم تصل إليهم الجدارة و الاستحقاق , لأنهم لم يسمعوا بها , و كانوا أدني من ذلك بكثير , و لم ينالوا الثقة و الاحترام من الشعب , و قد أشارا رحمه إلى أن التغيير الحقيقي المطلوب يحتاج إلى تغيير في الأشخاص و النظام و المناخ, و قد أصاب كبد الحقيقة ,و لمس الوتر الحساس لهذه القضية, , و إذا كان الإصلاح المنتظر بعد البيان لم يتحقق منه شيء , و يرجع ذلك لعدم تنفيذ ما جاء في البيان تنفيذاً كاملاً و بالسرعة الواجبة لتغيير المناخ و الأسلوب من ناحية , و إلى عدم أجراء التغيير الذي كان ينبغي أن يتم في الأشخاص الذين تطبعوا بالأساليب و المفاهيم التي ثبت فشالها من ناحية أخري و استمروا يحتلون الكثير من المراكز القيادية و الحساسة في البلاد , و منذ عصر الرئيس الراحل جمال و إلى الآن لم يتغير النظام الفاسد بل تغير الأشخاص و ساروا على نفس المنهج الذي ثبت فساده ببراهين و أدله ,أن التغيير المطلوب ليس تغيير جزئي فقط , و لكن التغيير المطلوب تغيير كلي في المناهج و الأفكار و الأساليب و الأشخاص و أن أصرا البعض على تجميد الأوضاع على ما هي عليه تحت ما يسمي الاستقرار , فإن هذا الإصرار هو الذي يمكن أن يؤدي بالبلاد إلى قارعه أكبر ندعو الله أن يقينا شر حدوثها , و من آفات بعض الأحزاب السياسية في مصر رفع راية الاستقرار و أقول في هؤلاء " كأن المستبدين الذين كانوا في تاريخنا قد انتقلوا إلي طباع هؤلاء , و إرتدوا ثوب الاستبداد و الطغيان و الطعن و التجريح و العنف و التحامل على من يخالفهم في الرأي , و هم بهذا شر الفساد " أن الجدال بين أصحاب الرأي و الرأي الأخر شرط أن يكونوا عقلاء يبعث الفكر فينتهي بهم هذا الخلاف إلي طريق يوصل إلى الحق , و أصحاب الاستقرار و جمهور أصحاب الاستقرار , يقبلون الرأي ثم يرفضون نفس الرأي في نفس اليوم , ثم يقولون حرية الرأي و هم بهذا يتهربون من فساد عقولهم , إن كل رأي صحيح يكون رأي فاسد إذا كان الجمهور غير صحيح , و هذا ما يبدوا علي أصحاب جمهور دُعاة الاستقرار , فإن الخلاف ضرورة من ضروريات الوطنية , و لكن دُعاة الاستقرار لا يفقهون ذالك , فإن الخلاف بين دُعاة الاستقرار " هذا رأي فاسد " دُعاة التغيير و الإصلاح أو الاستقرار و الضياع , كخلافهم على أيُهما أطول العصا الذي يحملها شيخ كبير كي يتوكأ عليها أو المئذنة في الجامع الكبير , فهذا جدال محسوم من نفسه بلا جدال . قال الأديب العظيم مصطفي صادق الرافعي " لستم أحرار في أن تجعلوا غيركم غير حر , فإن يكن الرأي الذي يُعارضكم رأياً حقاً و تركتم مُنابذته فقد نصرتم الحق إن يكن باطلاً فإظهاره باطلاً , هو بر الحق الذي أنتم عليه , و لن تجردوا أحداً من اختيار الرأي إلا إذا تجردتم أنتم من اختيار العدل , فإن فعلتم فهذه كبرياء طالمة , تدعي أنها الحق , ثم تدعي لنفسها الحكمة " . أقول أن محاولة أكراه أصحاب الرأي المُعارض , نقض للدستور و اختراق للقوانين , فسبيل الإصلاح أن ينهض و يتحرك أصحاب الرأي فينا . و هناك بعض الأحزاب تدعوا إلى التغيير و الإصلاح , فمنهم من تم حبسه و منهم من تحت المراقبة الشديدة , إن أعداء التغيير أخذهم الله يتهمون المطالبين به بأنهم يهدفون إلى زعزعة عدم استقرار البلاد , إنهم يقولون ذالك من منطلق أنه قد يؤدي إلي عدم استقرارهم في مناصبهم و ليس خوفاً على البلاد كما يدعون , في حين أن المناصب بطبيعتها مؤقتة , و كما يُقال عنها تقليد و ليس بتخليد , أن التغيير المرجو المنتظر , هو التغيير الشامل في السياسات و الأشخاص , فهذا التغيير المطلوب سوف يؤدي إلى نتائج أفضل مما انتهت إليه السياسات القديمة التي قادة البلاد إلى كوارث لا يعلم مداها إلا الله , و أيضاً التغيير من الديمُقراطية الفاسدة إلى حكم مُعبر عن أرادة الشعب , و أن التغيير الحقيقي إلي شرعية قانون سليم , مفتاح لحل ما تُعاني منه بلادنا من مشاكل , أن التغيير المطلوب ضرورة حتمية , أذا أردنا للبلاد أصلاحاً , وهو ضرورة عاجلة أذا أردنا ألا نُغامر بمستقبل البلاد و أمنها بجعلها عُرضة لما قد يطرأ من أحداث أو مفاجأت . و قال الدكتور حلمي مُراد في كتاب التغير و الإصلاح " أنني أُحذر أصحاب الرأي و المسئولين فينا في كافة المواقع و المستويات , من مغبة التقاعس , أو التكاسل في مواجهة الموقف بما يستحقه من عمل سريع جاد لأحداث التغيير المطلوب بالأسلوب الشرعي الهادي حتى لا تتعرض البلاد لما لا تُحمد عُقباه و لا يعرف مداه إلا الله " أنني استعنت بكلمة الدكتور حلمي لأنني غير كامل الأهلية كي أُحذر أو أطلق من فمي كلمات مثل الذي قالها . في كل خطاب كُنا نسمعه من مبارك , منذ أن تولي المنصب و جلس على كُرسي العرش , كان يعد بالتغيير و الإصلاح و يعد و يعد و يعد .. الخ .. الخ .. , و لكن يتم نتف بسيط مما وعد , و لكن لا يفي بالغرض , و هذا هو عين الفساد , و ما يتم تغييره و إصلاحه تُفسده قرارات و تقارير أشخاص , فيصبح الإصلاح الذي تم فساده لا إصلاح ما فسد , فيسير الشيء كله فاسداً . هذا مقال كتُب قبل قيام الثورة الشبابية و لكن أنا اليوم أضفت إليه بعض التعديلات