أكتب إليك اليوم بكلمة محترقة من النار، لا تميل إلى المجاملة، ولا تسمح بدِفن الحقيقة في التراب. في وقت نرى فيه من يدعون السيادة والرئاسة في سوريا، يظهر إلى العلن هذا الكائن الغامض الملثم، الجاثم على صدر الوطن كصدمة لا تعد، هو أبو محمد الجولاني. لقد ارتقى من منحدرات التطرف، من رحم جماعات تصنفها معظم دول العالم إرهابية، إلى مواقع القرار. إنه من ورث الإرهاب بالدم والحرب، فتصدر المشهد السوري باسم (الحرية) والتحرر، وهو بذلك يبني حجرا على دماء السوريين، ويطوع كلمات الاستقلال والمصلحة الوطنية ليضفي عليها لبوسا سياسيا. #والسؤال؛ من هو هذا الذي يدير اليوم شؤون سوريا؟ واليكم سيرته القذرة ؛هذا الجولاني كان زعيما لهيئة تحرير الشام ، وهي جماعة جهادية نشأت من انشقاقات عن جبهة النصرة المرتبطة بدورها بالقاعدة. في الأيام الأخيرة تغيرت تسمياته، واكتسب مقعدا محسوبا على الدولة السورية، بقدرة خارقة وكأنه نبت من لاشيءِ. لم يكن مساره يوما طريقا للاصلاح أو للخدمة الوطنية؛ بل كان مسارا مسلحا، ودمه امتدت جذوره في أتون الصراع، ليس ليفتح صفحة وطنية، بل ليقايض الدم والقوة بمقعد للشرعية. وها هو يطل من خلف ستار باهت، يدعي أن ما يقوم به هو من أجل التحرر والنهوض، ولكن إن فكّكنا الكلمات لرأينا أنها لا تغطي إلا حمولات ما قبل الدولة..جماعة مسلحة، طغيان باسم الثورة، امتزاج بين الدين والسياسة، بين القتال والبقاء في السلطة. في حين أن الوطن – وهو وطن نبنيه نحن المصريون غير السوريين – لا يبنى بهذا الأسلوب، ولا يدفع ثمنه بهكذا دماء ولا يمارس بهكذا ادعاء. فمصرنا – وقيمها التي لا تشترى أنت تقف في مصر، ذلك البلد الذي كان في أوج مجده رائدا في كل المجالات، في حضارته، جيشه، ثقافته، دوره الإقليمي. وعندما يقول الجولانى الارهابى رئيس سوريا إن السعودية وتركيا وقطر والإمارات (ناجحة ومواكبة) ومقابلها مصر والعراق (ليسا كذلك)، فإن هذا الكلام يجعلنا نجدد عهدنا مع الحقيقة مصر ليست بحاجة لأن تذكر بأنها رائدة، فهي العَلم الذي رفعه الزعيم الخالد جمال عبد الناصر في وحدة عظيمة مع سوريا ذات يوم، حينما قدمت مصر نفسها كأول جيش عربي يسعى للكرامة والقضاء على الاستعمار. فإذا كان لدينا في مصر الجيش الثاني والثالث فالسؤال لهذا الجولانى الإرهابى أين الجيش الأول؟ تساؤلى سياسي وجزء من ذاكرة لا تمحى؛ حينما كانت مصر في الطليعة، لقد كانت هي الجيش العربي الذي امتد إلى سوريا، وأعلن العهد الكبير في الوحدة بين مصر وسوريا. إن الجولاني، هذا الفسل الذي يحمل في ماضيه دماءا ومسلحين، لا يمكن أن يغير حقيقته بتسمية جديدة، أو بجلابة سياسية. الوطن الذي يفترض أن يدار باسم الشعب يجب أن يبنى على العدالة، والمساواة، وسيادة القانون، لا على القوة المفرطة، أو تبني الإرهاب بنمط طائفي أو أيديولوجي يخون وطنه قبل أن يخون ذاته. وهنا أوجه كلامى لمصرنا الحبيبة؛يا مصر، يا وطن العز والكرامة، لا تسمحي أن يخدعك من يتحدث باسم النجاح والمواكبة وهو في الأصل يسعى للسيطرة، ولا تسمحي أن تقارن ببلاد ترى فيها القوة بلا مشروع، والسيادة بلا رؤية، والمستقبل بلا وطن. أنت، يا مصر، لست بحاجة لمن يذكرك بمكانتك؛ فأنت من قدمته، أنت من أرست مبادئه، أنت من رفعت الصوت ليس فقط في الساحة العربية بل في العالم. يا مصر..نجد فيك أنت، الشعب المصري، وقواه المؤسسية، روح المبادرة والشجاعة التي لا تنكسر. لنكن واضحين.. الوطن لا يكون عظيما لأن يشاد به في خطاب سوري أو تركي أو خليجي، بل لأن يتعامل مع ذاته بصدق، ويحتفظ بمساره، ويعلن حضوره في قضايا الإنسانية، العدل، التقدم. إن مقالى هذا ؛ هو كلمة إنذار لا تسترضي، تحتمها علي آفة الزمان، وظلم من يدعون الخراب باسم البناء. إن أبو محمد الجولاني ليس رمزا للنهضة أو للنجاح أو للقيادة، بل هو تجسيد لمعنى الصراع المظلم، لمنطق القوة بلا وقع، للدولة بلا مشروع، للإرهاب الذي يلبس ثوب الصلاة، والتطرف الذي يغلفه بوعود زائفة. فيا مصر، يا أرض القيم التي لا تباع، تمسكي بذاك التاريخ، واستمري في أن تكوني الجيش الأول – ليس بالأسلحة فحسب – بل بالروح، بالثقافة، بالعطاء، بالإنسانية. لا تدعي أحدا يقلب الموازين باسم النجاح ويعبث بمكانتك باسم المواكبة. فالوطن لا يكتب له الامتياز إلا من الداخل، لا من خارج يستخف بتاريخك، ولا يشكك في فاعليتك. فالله لا يحب الظالمين، وإنما يستوي في ظلهما يومئذ الظالم والمظلوم.