عندما مات حسان بدأت حينها سيرته بالتوهج وأخرست اصوات نشاز، حين لفظ انفاسه الأخيرة، لم يدر انه كتب لنفسه خلودا يمتد إلى ما لانهاية له. لطالما حلم بهذه المنزلة، ان يصبح اسماً وتكون سيرته على كل لسان وتدرس حياته في المدارس، كان يرى شعيط ومعيط قد ذاع صيتهم ويتداول الشباب اخبارهم ويكونون محط اهتمام كبار السن وشاغل بال مرتادي المقاهي وزاد مجالس النساء، وكان جمهورهم الأكبر من الأطفال والمراهقين، وما هي إلا فورة ماء وصل حد سلخ جلد من يقترب منه. لكنه سرعان ما هفتت هذه الجذوة واغلقت صفحة أعمالهم لحين فتح أخرى جديدة لآخرين تشابه ما قبلها. حسان ذو الثلاثين عاما، الذي عمل لساعات وساعات في مختبر لم يتقبل ان يتصدر الطارئون المشهد، لم يدرك انه قد قدم خدمة للبشرية حين حصل على براءة اختراع من بحث قدّمه للجامعة، كان ناقما على كل شيء. مقهوراً حد العظم، لم يلق التقدير الكافي من الأوساط الأكاديمية ولا حتى المجتمعية. دار حسان في غرفته مثل المرصع، لعله يشعر بالدوار وينام لكن لا فائدة، خرج إلى الشارع. سار إلى اللا هداية أراد ان يسير حتى يشعر بالتعب والإعياء وينام، وحين عاد للبيت صاحت أمه أين كنت؟. تأخرت كثيرا تعال تعشى. لم يرد عليها سوى بإيماءة بانه بخير، دخل إلى فراشه منكبا على وجهه وفقد الوعي. في الصباح دخل أخوه الصغير ليوقظه مثل كل يوم، لم يرد حسان، كان شاحب اللون وجسمه باردا مثل قالب الثلج. مشى في جنازته زملاؤه وطلبته، ونعته الجامعة في لافتة على سورها الخارجي، حضر الاقارب والعشيرة في مجلس العزاء يتقدمهم محافظ المدينة. بعد شهور قدم شريكه بالمختبر براءة الاختراع إلى شركة اجنبية متعددة الجنسيات، حينها اعتمدت براءة الاختراع ونشر الخبر في وسائل الإعلام العالمية، لتسلط الضوء على حياته وأبحاثه وأجريت اللقاءات مع أهله وزملائه وطلبته، وادرج بحثه في المناهج الدراسية، وسنوياً يقام حفل استذكاراً بانجازاته.