في مسرح الطفل لا تقاس التجربة بجمال النص أو روعة الأداء وحدهما بل بجودة الفضاء الذي يحتضن مخيلة الطفل ويحرص على انطلاقها فالفضاء المسرحي ليس خشبة عرض صامتة بل هو كيان نابض يهمس في أذن الطفل تحرر تخيل وكن ما تشاء إنه الامتداد الأول للخيال والمجال الذي تولد فيه أول بذرة للحرية الفضاء ككيان حي في تجربة الطفل المسرحية حين يدخل الطفل إلى فضاء العرض فإنه لا يدخل إلى قاعة أو مسرح بل يدخل إلى عالم بديل يختلف عن غرفته المنزلية أو صفه الدراسي يدخل إلى مكان يسمح له فيه بالصراخ بالضحك بالركض بالتساؤل وربما بالبكاء دون خجل هذا الفضاء لا يجب أن يكون محايدا بل حميما يعكس احتياجاته النفسية والعاطفية ويحتضن جنونه الطفولي الجميل فضاءات مسرحية ضيقة وخيال مقموع للأسف ما زالت الكثير من العروض المحلية تقدم في مساحات مسرحية مغلقة ضيقة وباردة ديكورات جامدة أضواء تقليدية حركة محسوبة وتعليمات صارمة من الكبار في هذه الحالة يتحول المسرح من فسحة تعبير إلى منصة أداء مغلقة تفرض على الطفل أدوار لا تعبر عنه وهكذا يكبح الخيال ويعاق الإبداع وتجزأ حرية التعبير لصالح الشكل والنظام والانضباط الفضاء المفتوح بوابة الروح الطفولية إن الفضاء المسرحي المفتوح لا يلغي التنظيم لكنه يعيد تعريفه فالمسرح في الحديقة في الساحة أو حتى في باحة المدرسة يتيح للطفل أن يتنفس الأداء أن يشعر بالشمس وهو يمثل بالهواء وهو يركض بصوت الجمهور وهو يضحك بالقرب منه مسرح الشارع مثلا لا يضع الطفل في قفص العرض بل يجعله طائرا وسط الناس يخلق تجربة حية تلقائية مليئة بالتفاعل والارتجال وهي تجربة تعلم الطفل أن المسرح ليس فقط للعرض بل للحياة وسائل تجديد الفضاء المسرحي للأطفال لكي يصبح الفضاء المسرحي صديقا للطفل لا بد من إعادة النظر في بنيته وتجهيزه ومن ذلك التكنولوجيا التفاعلية يمكن أن يصبح الضوء لعبة والصوت مغامرة والفيديو نافذة خيال إذا استخدمت بأدوات تناسب وعي الطفل واهتماماته الرقمية الديكور الحي الديكور يجب ألا يكون ثابتا ليكن متغيرا تفاعليا يسمح للطفل بلمسه تغييره وحتى المشاركة في صناعته المواد الحسية استخدام خامات طبيعية كالخشب الأقمشة الرمل الورق يخلق علاقة ملموسة بين الطفل وفضائه المسرحي ويحول التجربة إلى إحساس لا ينسى المساحات غير التقليدية ما المانع من تقديم عرض في ملعب أو على سطح مبنى أو حتى في سوق كلما كان الفضاء غير متوقع كان أكثر إثارة لعقل الطفل حرية التعبير الحق الذي لا يساوم علية في المسرح يجب أن يشعر الطفل أن صوته مسموع وأن جسده مقبول وأن أفكاره موضع ترحيب لا يجب أن يحاسب على الضحك بصوت عال أو على تساؤل مفاجئ أو على رغبة في تغيير نهاية القصة لكن حرية التعبير لا تعني الفوضى بل تعني بناء بيئة تفاعلية يكون فيها الطفل طرفا حقيقيا لا مجرد منفذ لتعليمات الكبار العوائق التي تحد من حرية الطفل المسرحية الرقابة الاجتماعية في مجتمعات تحاط فيها الطفولة بأسلاك ما يجوز وما يصح تصبح حرية الطفل رهينة المنظومة الأخلاقية للكبار تسلط البالغين حين يمارس المخرج أو المدرب سلطته على الطفل بشكل قهري يتحول المسرح إلى فصل دراسي جامد لا إلى تجربة إبداعية ضعف الكفاءة المسرحية الطفولية كثير من العاملين في مسرح الطفل يفتقرون لفهم سيكولوجيا الطفولة فلا يتقنون تصميم الفضاء ولا إدارة التفاعل نحو فضاء مسرحي إنساني ومبدع إذا أردنا أن نمنح الطفل مسرحا يشبهه ويحرره فعلينا بناء مسارح مخصصة بمقاييس الطفولة من حيث الارتفاع الألوان المقاعد والإضاءة لتصبح البيئة شبيهة بعوالم الطفل استغلال الفضاءات العامة الحدائق الشوارع المدارس ليست أماكن عابرة بل فضاءات قابلة للاشتغال المسرحي إشراك الطفل في تصميم الفضاء أن يختار الديكور أو يرسم خلفية العرض أو يرتب المقاعد يجعل التجربة أكثر إنسانية وتملكا تدريب الكوادر على الحساسية الطفولية فالمخرج والمصمم والممثل يجب أن يدركوا أن العمل مع الطفل ليس كما مع الكبار بل يحتاج قلبا مفتوحا وفكرا مرنا الابتعاد عن التلقين والنسخ وفتح المجال للارتجال الفضاء المسرحي في تجربة الطفل ليس مجرد مكان بل هو شريك في التكوين والتعبير هو الحاضنة الأولى للحرية والخيال واللعب إذا صمم بوعي وانفتح على احتياجات الطفل فتح الباب لأجيال ترى في المسرح بيتا للحلم ومرآة للذات ومختبرا للحياة.