«من ناحية الشريعة لا يوجد اي خلل في ادارة المفاوضات مع قوة الاحتلال. فثلما ندير مفاوضات بالسلاح، هكذا يمكن أن نديرها بالكلام. سياستنا هي ألا نجري مفاوضات مع اسرائيل، ولكن على الاخرين أن يعرفوا بان هذا ليس أمرا محرما». حتى هنا تصريح موسى ابو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس وكبير مندوبيها الى المحادثات في القاهرة والتي أدت الى الاعلان عن وقف نار بين اسرائيل وحماس. وردت قيادة حماس في قطر بقولها ان «المفاوضات المباشرة مع الاحتلال ليست جزءا من سياسة الحركة وليست مطروحة على البحث». تصريح أبو مرزوق يخرج الجانب الديني الاسلامي من جملة اعتبارات حماس، التي في ذات الوقت تلغي مكان العلماء المسلمين على طاولة المباحثات وفي دائرة اتخاذ القرارات. لا جديد في ذلك فمنذ سنين وخالد مشعل يوضح لمحادثيه، بما فيهم الولاياتالمتحدة، بان قيادة حماس هي قيادة سياسية، وتتخذ القرارات على أساس اعتبارات استراتيجية وسياسية. اما حماس، من جهتها، فلا تخوض حربا دينية مع اسرائيل، بل صراع قوة سياسي. تجدر الاشارة الى أنه في بيان مرزوق تذكر اسرائيل باسمها الصريح. جملة «مثلما نجري مفاوضات بالسلاح هكذا يمكن بالكلام» تذكر بقول الاستراتيجي الالماني فون كلاوزفتش بان «الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل اخرى». لقد أضاف ابو مرزوق جانبا غزيا داخليا لجملة اعتباراته بالتعبير التالي: «اذا بقي الوضع على ما هو في الظروف القائمة، واقول هذا بصراحة، فان حماس ستضطر الى التوجه الى هذا الطريق (اجراء المفاوضات مع اسرائيل) لان هذا هو مطلب شعبي في كل قطاع غزة». لا يوجد دليل اقوى على فهم حماس بان الرأي العام في القطاع هو عامل هام للغاية، وان على المنظمة أن تراعيه في اتخاذ قراراتها العملية. فلمشهد الدمار يوجد وزن حقيقي في بلورة صورة الوضع في شوارع غزة. ماذا نفعل بجملة الادوات السياسية هذه، التي تدحرجت الى ايدينا ايضا؟ اعتبارات اسرائيل لا يجب أن تتقلص الى مداولات هدفها استخلاص العبر واعداد جهاز الامن لجولة القتال التالية. على اسرائيل أن تحلل جيدا معاني ارتفاع التأييد لحماس في الضفة. لقد مرت عشر سنوات فأكثر منذ حملة «السور الواقي» التي اسقطت ظاهرا «مقاومة الاحتلال» في الضفة الغربية، ولا تزال حماس تجمع التأييد الجماهيري في الضفة رغم مقت قادة السلطة الفلسطينية وحركة فتح لها. حملات عديدة وناجحة من قوات الامن ضد خلايا الارهاب، تدمير كامل للمنظومات الاجتماعية والاقتصادية لحماس واعتقال النشطاء لم تمنع عمليات أليمة جدا تجاه المواطنين الاسرائيليين. ان «ساحقات العشب» الاسرائيلية ولدى السلطة الفلسطينية تعمل بلا انقطاع، ولكن العشب ينمو مرة اخرى بسرعة. فحملة «السور الواقي» لم تبعث بحماس الى سلة مهملات التاريخ. ووضع الامن في عدة احياء يهودية من القدس يتفاقم رغم الجهود المتعاظمة لافراد شرطة اسرائيل، الذين يبدون تصميما جديرا بالثناء. اسألوا سكان التلة الفرنسية. مطلوب الان تقوي للوضع استراتيجي – واقعي، يدمج التحدي الغزي بالتحدي النامي في شوارع القدس والضفة. مطلوب مداولات تطرح الصورة الاستراتيجية – السياسية بكامل اتساعها وعمقها سواء في الضفة أم في غزة. ان جهازي الاستخبارات والامن ملزمين بان يعرضا صورة الوضع والبدائل الامنية والسياسية. هذا ما ينبغي عمله هنا والان، دون انتظار اللحظة التي يتعين فيها على الجيش الاسرائيلي أن يدافع عن شوارع القدس. يديعوت 51/9/4102