المنطقة الشمالية العسكرية تستكمل حملة " بلدك معاك " لدعم الأسر الأولى بالرعاية (فيديو)    وفد جامعة نوتنجهام يشيد بالمستوى الأكاديمي بجامعة المنصورة الجديدة    رفع 565 طن مخلفات وتجمعات قمامة في حملة نظافة بالمنصورة (صور)    حملة مكبرة لرفع الإشغالات بحي غرب شبرا الخيمة    سعر صرف الدولار في البنوك المصرية (آخر تحديث)    طرح 16 قطعة أرض صناعية في المنيا.. كيفية التقديم والمواعيد    الجيش اللبناني يغلق معابر غير شرعية على الحدود مع سوريا    خوسيه ريبيرو يعقد جلسة مع صفقة الأهلي الجديدة بالتتش    غدا، استكمال محاكمة المتهمين في حادث انفجار خط غاز الواحات    ضبط تشكيل عصابي تخصص في تزوير المستندات الرسمية بالقليوبية    عطل مفاجئ.. انقطاع المياه عن 3 أحياء بمدينة الخارجة    عمرو دياب يعود للتلحين في ألبومه الجديد    المنطقة الشمالية العسكرية تستكمل تنفيذ حملة "بلدك معاك"    منة فضالي بإطلالة جريئة أمام البحر من لبنان.. والجمهور يعلق (صور)    ياسر جلال ل حسن حسني في ذكرى وفاته: "فارقت وسبت فراغ كبير" (فيديو)    فرنسا تحظر التدخين جزئيًا في الأماكن العامة لحماية الأطفال    مواجهات حاسمة في جولة الختام بدوري المحترفين    شعبة مواد البناء: أسعار الأسمنت ارتفعت 100% رغم ضعف الطلب    الرئيس السيسي يؤكد التزام مصر الكامل بالحفاظ على المكانة الدينية الفريدة والمقدسة لدير سانت كاترين    الصحة: تقديم الخدمات الصحية الوقائية ل 50 ألفًا و598 حاجا من المسافرين عبر المطارات والموانئ المصرية    الأحد المقبل.. احتفالية كبرى لإحياء مسار رحلة العائلة المقدسة بكنائس زويلة الأثرية    «أوقاف الدقهلية» تفتتح مسجدين وتنظم مقارئ ولقاءات دعوية للنشء    الأحد.. مجلس الشيوخ يناقش الأثر التشريعي لقانون التأمين الصحي والضريبة على العقارات المبنية    وصمة عار في جبين الحضارة.. أستاذ قانون دولي يطالب بمقاطعة شاملة لإسرائيل فورًا    القاهرة الإخبارية: فشل آلية توزيع المساعدات و10 شهداء برصاص الاحتلال    فى ليلة ساحرة.. مروة ناجى تبدع وتستحضر روح أم كلثوم على خشبة مسرح أخر حفلاتها قبل 50 عام    مفتى السعودية: أداء الحج دون تصريح مخالفة شرعية جسيمة    فرنسا: الاعتراف بدولة فلسطينية واجب أخلاقي ومطلب سياسي    قافلة طبية مجانية بقرية البرشا بملوي تقدم خدمات لأكثر من 1147 حالة    أسامة نبيه: أثق في قدرتنا على تحقيق أداء يليق باسم مصر في كأس العالم    خطيب المسجد الحرام: الحج بلا تصريح أذية للمسلمين والعشر الأوائل خير أيام العام    الإفتاء تحذر: الأضحية المريضة والمَعِيْبَة لا تجزئ عن المضحي    4 وفيات و21 مصابا بحادث انقلاب أتوبيس بمركز السادات    حكم من شرب أو أكل ناسيا فى نهار عرفة؟.. دار الإفتاء تجيب    108 ساحة صلاة عيد الأضحى.. أوقاف الإسماعيلية تعلن عن الأماكن المخصصة للصلاة    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة لتيسير الأمور وقضاء الحوائج.. ردده الآن    تحرير 146 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد الشهيد بالقليوبية    ليلة في حب وردة وبليغ حمدي.. «الأوبرا» تحتفي بروائع زمن الفن الجميل    كأس العالم للأندية.. ريال مدريد يعلن رسميا ضم أرنولد قادما من ليفربول    الرئيس اللبنانى يزور العراق الأحد المقبل    ضبط 9 عناصر إجرامية بحوزتهم 33 كيلو مخدرات ب«أسوان ودمياط»    تعرف على إيرادات فيلم ريستارت في أول أيام عرضه    طهران: تقرير الاستخبارات النمساوية المشكك في سلمية برنامجنا النووي كاذب    نائب وزير الصحة يتفقد عددا من المنشآت الصحية فى البحر الأحمر    ريا أبي راشد: أجريت مقابلة تلفزيونية مع مات ديمون بعد ولادة ابنتي بيومين فقط    حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن البحر الأحمر    وزير الإسكان: بدء إرسال رسائل نصية SMS للمتقدمين ضمن "سكن لكل المصريين 5 " بنتيجة ترتيب الأولويات    بنيامين نتنياهو يدخل غرفة العمليات.. ومسؤول آخر يتولى إدارة إسرائيل    رئيسة القومي للمرأة تلتقي الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف    رئيس وزراء اليابان يحذر من التوتر بشأن الرسوم الجمركية الأمريكية    3 ساعات حذِرة .. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم : «شغلوا الكشافات»    موعد مباراة الاتحاد والقادسية في نهائي كأس خادم الحرمين والقنوات الناقلة    «اعتذرتله».. ياسر إبراهيم يكشف كواليس خناقته الشهيرة مع نجم الزمالك    "فوز إنتر ميامي وتعادل الإسماعيلي".. نتائج مباريات أمس الخميس 29 مايو    «مالوش طلبات مالية».. إبراهيم عبد الجواد يكشف اقتراب الزمالك من ضم صفقة سوبر    نجاحات متعددة.. قفزات مصرية في المؤشرات العالمية للاقتصاد والتنمية    تقارير: أرسنال يقترب من تجديد عقد ساليبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عبد الحليم قنديل يكتب عن : انفجار عقل "إسرائيل"
نشر في الزمان المصري يوم 30 - 01 - 2024

سحب "إسرائيل" للفرقة (36) من "غزة" لن يكون الخروج الأخير ، فمع بدء التوغل "الإسرائيلى" بعد عشرين يوما من هجوم "طوفان الأقصى" المزلزل ، ومع الاندفاع الجنونى لتدمير كل "غزة" بشرا وحجرا ، تواصلت زيادة عديد قوات الغزو ، وإلى أن بلغت نحو ست فرق ، وبما يزيد على 120 ألف جندى ، أغلبهم من لواءات النخبة ، وتراجع العدد اليوم إلى النصف ، بعد تضاعف الخسائر البشرية لجيش الاحتلال ، وفشله المتراكم فى شمال القطاع ومخيمات الوسط ، وتعثره المتصل فى "خان يونس" عاصمة الجنوب ، رغم محارق الإبادة الجماعية ، التى راح ضحيتها لليوم نحو مئة ألف فلسطينى ، بين شهداء وجرحى ومفقودين تحت الأنقاض ، ونزوح ثلثى سكان "غزة" ، وتهجير أكثر من مليون فلسطينى إلى "رفح" فى جنوب الجنوب .
والمفارقة المدهشة فى كل ماجرى ويجرى ، أن الشعب الفلسطينى الذى ترك وحيدا من الأقربين والأبعدين إلا من قليل ، هو الذى صنع الفارق بصموده الأسطورى ، وصنعته فصائل المقاومة بإبداعها القتالى المذهل ، وصار العدو الأمريكى "الإسرائيلى" فى وضع المهزوم بالحرب التى تطوى شهرها الرابع ، فلم يتحقق أى هدف معلن للعدوان الوحشى البربرى الهمجى ، فلا هو قادر على اجتثاث "حماس" ولا حتى إضعافها ، ولا هو قادر على تحرير أسراه بالقوة المسلحة ، ولا هو فاز فى حرب الإعلام والمعارك النفسية ، رغم الفوارق المهولة فى الأسلحة والإمكانات والتكنولوجيا الأحدث لصالح الغزاة ، التى لم تنجز سوى آلاف مجازر الإبادة الجماعية للمدنيين الأبرياء العزل ، وبالذات من الأطفال والرضع والنساء ، ومن دون أن تظهر لها كرامات فى ملاحم القتال وجها لوجه ، مع مقاومة فريدة عنيدة قادرة ، تصنع أسلحتها بأيديها ، وتبدى عقيدة قتال غاية فى التفوق ، وتصور كثيرا من معاركها بالصوت والصورة فى "فيديوهات" عظيمة الإتقان ، إضافة لأشرطة لأسرى العدو ، تكثف الضغط النفسى والشعبى على حكومتى "إسرائيل" فى "تل أبيب" و"واشنطن" ، وتبدد آمالهم فى خلق أى انطباع بنصر قائم أو محتمل ، فالمقاومة نفذت خطتها الهجومية المحكمة صباح السابع من أكتوبر الماضى ، وثبت أنها أعدت وتنفذ خطة دفاعية فعالة لصد التوغل البرى الذى توقعته مسبقا ، بينما يعانى العدو "الإسرائيلى" من تخبط ومن انفجار عصبى فى المخ ، ومن انفجار للعقل والخطط الموضوعة ، فقد كان تصور العدو ، أنه ما هى إلا أيام أو أسابيع قليلة ، وينتهى كل شئ ، وقد استخدموا كل ما فى الترسانة العسكرية الأمريكية "الإسرائيلية" ، ومن دون أن يتحقق لهم شئ مما رغبوا به ، بل ضاعوا فى متاهة موحلة ، دفعتهم لتغيير الخطط العسكرية يوما بيوم ، وقد كان الظن دائما ، أن "إسرائيل" تعرف ما تريد ، وأن استنادها إلى الجدار الغربى الأمريكى ، يكفل لها النصر الحاسم فى حروب خاطفة ، لكن صناع العقل "الإسرائيلى" فوجئوا وصدموا بما جرى ، فهذه أطول حرب عربية "إسرائيلية" متصلة أيامها ، ولا يمثل الطرف العربى فيها سوى فصائل المقاومة الفلسطينية ، وقد أرادوها حربا تستنفد طاقة الصمود الفلسطينى الشعبى ، و"كى" الوعى الفلسطينى بدفعه إلى نكبة جديدة ، وتهجير الفلسطينيين إلى خارج أراضيهم ، وعلى نحو ما جرى فى نكبة 1948 ، وفات صناع العقل "الإسرائيلى" الأمريكى ، أن الأوضاع تتغير بالجملة ، وأن الشعب الفلسطينى وعى من زمن درس النكبة الأولى ، وعرف أن خروجه من أرضه المقدسة سيكون بلا عودة ، وأن العدو ليس قوة لا يمكن أن تقهر أو تنهزم ، فلم تنتصر "إسرائيل" أبدا فى أى حرب لحقت عدوان 1967 ، لا فى حرب الاستنزاف على جبهة مصر ، ولا فى حرب 1973 ، ولا فى حرب لبنان وجنوبه ، ولا فى حروب متعددة ضد "غزة" ذاتها ، وكان تراكم الوعى الفلسطينى الجديد ، مع تضاعف عدد السكان العرب فى فلسطين التاريخية بكاملها ، وتجاوزه لأعداد اليهود المجلوبين للاستيطان ، وهروبهم بالهجرة العكسية ، كان لذلك كله أثره المحسوس فى انقلابات الصورة ، خصوصا مع الوعى المضاف لدى أجيال الفلسطينيين الجديدة ، وإدراكها المتزايد لحقائق العصر ، وإبداعها الكفاحى المستند إلى بيئة هى الأكثر تعليما فى كل العالم العربى ، وضراوة المحن التى خلقتها خلقا مقتدرا ، وانخراط الكثير منها فى موجة المقاومة من نوع مختلف ، التى تطورت من مقارعة أعلى قيمة تكنولوجية يحوزها العدو بالحس الاستشهادى الذى هو أعلى قيمة إنسانية ، وباكتساب تكنولوجيا سلاح متحدية لتكنولوجيا العدو ، وهكذا قلصت المقاومة الجديدة من فوارق التفوق التكنولوجى للعدو ، مع شفع عقيدة القتال ذات الطابع الاستشهادى بفنون مبدعة ، وإلى أن تحولت المقاومة الجديدة إلى قوة لا تقهر ، زادت معدلات الثقة بنفسها فى إطراد ، بلغ الذروة فى إثبات المقدرة على الخداع الاستراتيجى و"مرمطة" وإذلال جيش العدو فى هجوم "طوفان الأقصى" ، واختراق تحصيناته التكنولوجية الفائقة الامتياز ، وسحبه إلى متاهات الموت فى "غزة" ، التى بدا فيها العدو مختالا مزهوا بعتاده وعديده فوق سطح الأرض ، بينما المقاومة تظهر له فجأة كالأشباح من حيث لا يحتسب ، ومن مدن أنفاق تحت الأرض ، جرى حفرها بإعجاز هندسى بارع ، وكلما ظن العدو أنه عرف السر ، وهدم أنفاقا وجد فتحاتها ، زادت الألغاز غموضا ، وبما دفع صحيفة "نيويورك تايمز" قبل أيام ، إلى إشهار إخفاق الأمريكيين والإسرائيليين فى اكتشاف خرائط الأنفاق الفلسطينية ، رغم البحث الذى لم ينقطع يوما ولا لحظة ، وباستخدام أرقى وسائل التكنولوجيا الحربية ، وقد كانت "إسرائيل" ومعها أمريكا تقدر أن الأنفاق ممتدة بطول 500 كيلومتر تحت الأرض أو تزيد قليلا ، بينما التقديرات اليوم ، تصل بطول شبكات الأنفاق المتشعبة إلى 720 كيلومترا ، وهو ما يجعل حروب العدو غير منتهية ، ربما حتى لو استمر القتال لألف يوم ، ويزيد من حالة الهياج العصبى وفوات العقل لدى قادة العدو ، فقد بدأوا حربا لا يعرفون آخرتها بالضبط ولا بالتقريب ، وتبددت حساباتهم جميعا ، وفى المأزق الراهن ، تحاول حكومة "إسرائيل" فى "واشنطن" بغير جدوى منظورة حتى تاريخه ، أن تكون أكثر تعقلا ، وأن تنصح حكومة "إسرائيل" فى "تل أبيب" بالانسحاب التدريجى من الحرب ، بينما تبدو حكومة "بنيامين نتنياهو" عالقة فى المتاهة ، وتتأجج الخلافات فيها بين المستوى السياسى والمستوى العسكرى ، فنتنياهو وصحبه الأشد تطرفا وإجراما ، من نوع "إتمار بن غفير " و"بتسلئيل سموتيريتش" و"ميرى ريجيف" وغيرهم ، يحسون بدنو أجل حكومتهم مع الهزيمة الوشيكة ، ويعرفون أن الهزيمة يتيمة ، ويقذفون بكرة النار فوق رأس جيش الاحتلال وقادته ، ويستفزون وزير الحرب "يوآف جالانت" ، ويسخرون من رئيس الأركان الجنرال "هيرتزى هاليفى" ، والأخير يحملهم المسئولية من الآن ، ويقول أن المستوى السياسى لم يحدد أهدافا للحرب يمكن بلوغها ، وأن ما أسماه "إنجازات عسكرية" تضيع بسبب فوضى الحكومة ، بينما مجلس الحرب الموسع الذى شكله "نتنياهو" ، وإنضم إليه حزب "المعسكر الرسمى" ، يعانى هو الآخر من انشقاقات متزايدة ، ويخرج قادة "المعسكر" المنضم عن طوع "نتنياهو" ووزراء حكومته الجهلة ، ويذهبون للمشاركة علنا فى المظاهرات التى تطلب إقالة "نتنياهو" ، سواء بسبب التعثر فى عقد صفقات إطلاق الأسرى مع "حماس" ، أو تجاوبا مع رغبة المعارضة فى إجراء انتخابات مبكرة ، وفيما يبدو قائد حزب المعسكر "بينى جانتس" متحفظا فى تقييم نتائج الحرب ، وداعيا إلى جعل هدف استعادة الأسرى أو "المحتجزين" فى الصدارة ، وأيا ما كان الثمن الذى يتعين على "إسرائيل" دفعه ، فى إشارة إلى خطة "حماس" باشتراط وقف العدوان قبل استئناف مفاوضات الأسرى ، بينما بدا رفاق "جانتس" أكثر صراحة وتسليما بخسارة "إسرائيل" ، على طريقة الجنرال "أيزنكوت" ، الذى كان رئيسا للأركان ، وقتل إبنه الضابط فى الحرب الجارية ، وهو ما يلقى دعما علنيا من "جدعون ساعر" ، الذى كان تمرد على "نتنياهو" ، وخرج من حزب "الليكود" قبل سنوات ، أضف إلى ذلك عربضة لافتة ، وقعها 176 قائدا عسكريا "إسرائيليا" سابقا ، كلهم يدعون إلى وقف نزيف الجيش ، وعقد هدنة طويلة مستديمة لحين مراجعة كل ما جرى ويجرى ، بينما يندفع "نتنياهو" كالثور معصوب العينين إلى حتفه فى مزابل التاريخ ، ويتحدى الكل بمن فيهم محكمة العدل الدولية ، فهو يدرك أن نهاية الحرب هى نهايته ، وتخيفه زيادة أسهم وشعبية "جانتس" وصحبه فى التجمع "الإسرائيلى" ، فقد كان يحلم ولا يزال بوهم القضاء على "حماس" وكتائب المقاومة ، بينما تبدو النتيجة المرجحة للحرب ، هى القضاء على "نتنياهو" شخصيا ، وهو الذى كان ولا يزال رئيس وزراء العدو الأطول عمرا فى منصبه ، والقاعد على تلالها حتى خرابها .

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.