هيئة البث العبرية: نتنياهو يفضّل تأجيل اتخاذ قرارات حاسمة في غزة لحين لقاء ترامب    الرئيس السوري يهنئ الشعب برفع عقوبات قيصر ويؤكد بدء مرحلة البناء    وزير الخارجية الأمريكي: المحادثات بشأن أوكرانيا لا تهدف إلى فرض اتفاق على أي طرف    بهدف طاهر.. الأهلي يهزم سيراميكا كليوباترا في كأس الرابطة    إبراهيم زاهر رئيسا لنادي الجزيرة حتى 2029    البحيرة.. تحرير 21 مخالفة للمخابز في كفر الدوار للتلاعب بالأوزان والمواصفات    جامعة تبوك تحتفى باليوم العالمى للغة العربية    حمدى رزق يكتب:«زغرودة» فى كنيسة ميلاد المسيح    البلطى بكام النهاردة؟.. أسعار وأنواع الأسماك فى أسواق الإسكندرية    بوتين: لا نية لدى كييف للحل السلمي والمبادرة الاستراتيجية في يد روسيا    كأس أمم أفريقيا.. منتخب الجزائر يستبعد حسام عوار ويستدعى حيماد عبدلى    علي ناصر محمد: لم أندم على ترك الحكم في اليمن وخروجي من السلطة    وزيرتا التخطيط والتنمية الاقتصادية ووزيرة التنمية المحلية تفتتحان حديقة مدينة ناصر العامة    صبرى غنيم يكتب:النبت الأخضر فى مصر للطيران    البنك المركزي الروسي يخفض سعر الفائدة إلى 16% لهذا السبب    انتخابات النواب 2025.. الحصر العددي للأصوات بدائرة قليوب والقناطر في جولة الإعادة    الوطنية للإعلام توضح موقف خروج مصر من اتحاد إذاعات الدول العربية: عضويتنا كاملة وفاعلة ولم تتأثر    ياسر عبد الله يستعيد أرشيف السينما المنسية بمهرجان القاهرة للفيلم القصير    على ناصر محمد يكشف تفاصيل الوحدة اليمنية: خروجى من صنعاء كان شرطًا    مستشار رئيس الجمهورية يؤدى واجب العزاء فى وزير الثقافة الأسبق محمد صابر عرب    هشام عطية يكتب: دولة الإنشاد    كيفية التخلص من الوزن الزائد بشكل صحيح وآمن    أول "نعش مستور" في الإسلام.. كريمة يكشف عن وصية السيدة فاطمة الزهراء قبل موتها    ياسمين عز تهاجم محمد صبحي: لما تتكلم عن السعودية الزم حدودك.. المملكة أطهر بقاع الأرض    استمرار عطل شبكة Cloudflare عالميًا يؤثر على خدمات الإنترنت    القبض على التيك توكر نورهان حفظي لتنفيذ عقوبة حبس بقضية مخدرات    انخفاض درجات الحرارة وشبورة كثيفة على الطرق.. "الأرصاد" تُحذر من طقس الساعات المقبلة    ضبط قضايا اتجار في النقد الأجنبي بالسوق السوداء بقيمة 4 ملايين جنيه    وزيرتا التخطيط والتنمية المحلية تتفقدان قرية النساجين بحي الكوثر والمنطقة الآثرية ميريت آمون    رئيس هيئة الرعاية الصحية يشهد ختام مشروع منحة FEXTE الفرنسية لتعزيز منظومة التأمين الصحي الشامل    شراكة استراتيجية بين طلعت مصطفى وماجد الفطيم لافتتاح أحدث فروع كارفور في سيليا    اليوم.. ريم بسيوني تكشف أسرار تحويل التاريخ إلى أدب في جيزويت الإسكندرية    الداخلية تضبط 3 سيدات بالإسكندرية للإعلان عن أعمال منافية للآداب    جوارديولا يحسم الجدل حول مستقبله مع مانشستر سيتي    الداخلية تنظم ندوة حول الدور التكاملي لمؤسسات الدولة في مواجهة الأزمات والكوارث    حقيقة انتشار الأوبئة في المدارس؟.. مستشار الرئيس يُجيب    الصحة: إرسال قافلة طبية في التخصصات النادرة وكميات من الأدوية والمستلزمات للأشقاء بالسودان    وزير الخارجية: مصر وروسيا متفقتان على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره    حارس جنوب أفريقيا: دعم الجماهير سلاحنا لحصد "كان 2025"    تحرش لفظي بإعلامية يتسبب في وقوع حادث تصادم بالطريق الصحراوي في الجيزة    محافظ المنيا يعلن افتتاح 4 مساجد في 4 مراكز ضمن خطة وزارة الأوقاف لتطوير بيوت الله    كشف ملابسات وجود هبوط أرضى بطبقة الأسفلت الملاصق لسور أحد الكبارى بطريق السويس بالقاهرة    لقاء السحاب بين أم كلثوم وعبد الوهاب فى الأوبرا    المهندس أشرف الجزايرلي: 12 مليار دولار صادرات أغذية متوقعة بنهاية 2025    «الإفتاء» تستطلع هلال شهر رجب.. في هذا الموعد    10 يناير موعد الإعلان عن نتيجة انتخابات مجلس النواب 2025    الصحة: تنفيذ برنامج تدريبي لرفع كفاءة فرق مكافحة العدوى بمستشفيات ومراكز الصحة النفسية    انطلاق مبادرة لياقة بدنية في مراكز شباب دمياط    جامعة عين شمس تواصل دعم الصناعة الوطنية من خلال معرض الشركات المصرية    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابه    «سيدات يد الأهلي» يواجه الجزيرة في الدوري    للقبض على 20 شخصًا عقب مشاجرة بين أنصار مرشحين بالقنطرة غرب بالإسماعيلية بعد إعلان نتائج الفرز    بث مباشر| مؤتمر صحفي لرئيس الوزراء ونظيره اللبناني في بيروت    الزمالك في معسكر مغلق اليوم استعداداً للقاء حرس الحدود    داليا عثمان تكتب: كيف تتفوق المرأة في «المال والاعمال» ؟    المنتخب يخوض أولى تدريباته بمدينة أكادير المغربية استعدادا لأمم إفريقيا    فضل الخروج المبكر للمسجد يوم الجمعة – أجر وبركة وفضل عظيم    هل يجوز للمرأة صلاة الجمعة في المسجد.. توضيح الفقهاء اليوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عبد الحليم قنديل يكتب عن : غزة وحدها تنتصر
نشر في الزمان المصري يوم 04 - 11 - 2023

"غزة" تنزف وحدها وتقاتل وحدها ، ولا أحد يدفع معها ضرائب دم ، ربما باستثناء أهل الضفة الفلسطينية ، فيما تخاذلت غالبية الأنظمة العربية ، بل وتواطأ بعضها ، اللهم إلا من تصرفات فى الدبلوماسية الدولية ، ربما لذر الرماد فى العيون ، من نوع التحرك الرسمى العربى والإسلامى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة ، واستصدار قرار بأغلبية كبيرة ، يطالب بوقف إطلاق نار إنسانى ، رفضته واشنطن و"إسرائيل" ، وعدد قليل غالبه من أشباه الدول ، التى لا ترى على الخرائط حتى بالميكروسكوب ، من عينة "ميكرونيزيا" و"جزر مارشال" وما يشبهها ، وبرغم أن القرار غير ملزم فى التنفيذ ، شأنه شأن قرارات مجلس الأمن "الملزمة" شكلا ، لكن مجرد صدور القرار ، كشف عن قوة هائلة لعدالة القضية الفلسطينية ، ولنجاح عربى ممكن ، حتى لو كان رمزيا ، إذا تواتر التفاف عربى وإسلامى لنصرة الدم الفلسطينى فى عالم متغير ، بدا فيه المجتمع الدولى "الحقيقى" مناصرا للحق الفلسطينى ، ورافضا لحرب الإبادة الجماعية الهمجية التى يشنها جيش الاحتلال ، وإلى حد أن دولا فى أمريكا اللاتينية على بعد آلاف الأميال من فلسطين ، تحركت وقطعت علاقاتها مع "إسرائيل" كما قررت "بوليفيا" ، أو سحبت السفراء من "تل أبيب" كما فعلت "كولومبيا" و"شيلى" ، بينما استقال دبلوماسيون أمميون احتجاجا على المذبحة الجارية لأهل "غزة" ، واستقال موظفون كبار حتى فى أمريكا وبريطانيا ، بينما لم نسمع عن استقالة مسئول عربى واحد كبيرا كان أو صغيرا ، ولا استجابت دولة عربية واحدة فيما عدا الأردن من "المطبعين" لمطالب سحب السفراء وقطع العلاقات مع العدو ، وقد أصبح ظاهرا ، أن العدو هو أمريكا وإسرائيل وأغلب دول أوروبا فى نفس واحد ، ومن دون أن تتحرك دولة عربية واحدة منتجة ومصدرة للبترول والغاز الطبيعى لقطع الإمدادات عن الغرب الذى يقتلنا ، ولا حتى التنادى لعقد قمة عربية عاجلة ، برغم انقضاء نحو شهر كامل على حرب الإبادة الدموية للمدنيين فى "غزة" ، وأعدادهم تزيد على نحو فلكى كل يوم ، والمجازر "الإسرائيلية" تتوالى بالعشرات ، وأحدثها فى مخيم "جباليا"، وما يزيد على العشرة آلاف قتلوا حتى اليوم بغارات وقصف وحشى لا يتوقف ، أغلبهم من الأطفال والنساء ، وكل موارد الحياة تقطع عن "غزة" ، من الطعام والدواء والماء حتى الاتصالات والإنترنت ، فى محرقة بشرية شنيعة ، يندر أن تجد لها مثيلا فى مطلق التاريخ الإنسانى ، ناهيك عن دهس القوانين الدولية وحقوق الإنسان ومواثيق الحروب ، التى صدع بها الغرب المنافق رءوس العالمين ، وسقط بالثلث فى امتحان فلسطين وعذاب "غزة" .
وقد لا يستطيع أحد تجاهل وجوه المأساة المفزعة فى "غزة" ، لكن المآسى هى الوجه الآخر لبطولات قتال خارقة ، توالت صورها الباهرة فى الأيام الأولى لحرب "طوفان الأقصى" ، وتتدافع صورها الجديدة مع بدء الغزو البرى "الإسرائيلى الأمريكى" ، فبرغم غياب التكافؤ بأى معنى فى موازين القوة المسلحة ، تبدو قوات الغزو فى وضع بائس يائس ، تتقدم خطوات فى الخلاء الزراعى المحيط بمدينة "غزة" ، أو على محاور "رفح" و"خان يونس" ، ويبدو أحيانا أنها تحقق شيئا فى قطع الطرق الرئيسية داخل "غزة" الصغيرة المحاصرة من 16 سنة ، لكنها تفاجأ بصدمات الأشباح ، الذين أذاقوها الويلات والمذلة فى أول أيام الحرب ، ويخرجون اليوم من مدن الأنفاق تحت الأرض ، ويقاتلون بأسلحة من صنع أيديهم ، ويكلفون العدو "ثمنا باهظا" يعترف ببعضه ، وبتردد مرتعب ، خصوصا فى دماء الحنود والضباط المذعورين ، وهم يستقوون بما ملكت أيديهم من طائرات ودبابات وصواريخ وقنابل أمريكية خارقة ، يتحول الكثير منها إلى "حديد خردة" فى الميدان ، ويتوالى فشل خطط الجنرالات الأمريكيين ، وتسقط أساطير قوات النخبة "الإسرائيلية" والأمريكية ، ولا يبدو لفشل العدو من نهاية مريحة ، حتى لو نجح مئات الألاف من جنودهم فى غزو "غزة" بكاملها ، فلا هدف عندهم وارد التحقق ، لا القضاء على قوات المقاومة وكتائبها ، ولا خلق وضع يناسبهم فى "غزة" ، من نوع جلب السلطة الفلسطينية فى "رام الله" إلى حكم "غزة" ، وقد قال مسئولوها أنهم لن يذهبوا إلى "غزة" على ظهر دبابة "إسرائيلية" ، ولا حتى "إدارة دولية" يقترحها الغربيون الأوربيون بدعوى توفير الحماية لكيان الاحتلال ، فلا أهل "غزة" يقبلون ، ولا الفلسطينيون جميعا ، ولا الدول العربية المجاورة خصوصا فى مصر ، التى تداوم على رفض كل الصيغ الملتوية لتهجير الفلسطينيين ، ورفض عروض بمئات مليارات الدولارات ، دفاعا عن أرض مصر وقضية فلسطين معا ، والحيلولة دون حدوث نكبة جديدة ، على طريقة ما جرى عام 1948 ، وكلها اعتبارات تضاعف من خطورة مأزق العدو "الإسرائيلى" الأمريكى ، وتدفعه إلى تعويض خسارته العسكرية القائمة والمحتملة بعقاب أهل "غزة" جماعيا ، وتفريغ غضبه الانتقامى بجرائم إبادة غزة حجرا وبشرا ، وهو ما لن يكتمل أبدا ، برغم التخاذل العربى المقيت فى نصرة الصامدين ، فقد تحولت "غزة" النازفة الدامية إلى قلعة أساطير غير مسبوقة ، وإلى شارة نصر تتحدى بؤس الزمن وتفشى أوبئة الظلم والقهر .
ويتحدثون فى "إسرائيل" عن حرب طويلة ، وستكون كذلك فعلا ، حتى لو جرى التوصل إلى "هدن" موقوتة ، والحروب الطويلة هى آخر ما يفيد كيان الاحتلال ، الذى لن يقوى على تحمل التكاليف والخسائر البشرية بالذات ، فالتكنولوجيا الحربية المتقدمة قد تجلب مزايا موقوتة ، لكنها لا تحسم الحروب فى النهاية ، وقد تحطمت و"عميت" هذه التكنولوجيا فى غمضة عين صباح السابع من أكتوبر 2023 ، وثبت أن التكنولوجيا يمكن تحديها وشل فاعليتها ، وبالذات مع قدرة الطرف الفلسطينى المقاوم على إبداع تكنولوجيا بديلة بأرخص التكاليف المالية ، فالشعب الفلسطينى هو أفضل الشعوب العربية تعليما وإبداعا ، ثم أن المحنة الفريدة التى كابدها على مدى قرن كامل ، قد خلقت الفلسطينيين خلقا جديدا ، فوق المقدرة الفطرية الهائلة على تحمل الآلام والنكبات والمجازر ، وتجاوزها بالإيمان الراسخ بالله وبالحق الذى لا يموت ، الذى يسعى للشهادة باعتبارها غاية الأمانى ، ويستقبل المصائب بالصبر الجميل ، ويستولد من المحنة المنحة ، ويضاعف من صلابة الروح المعنوية الجماعية ، ويدفع إلى الساحة بحركات مقاومة جديدة ، ففى وقت ما ، كانت "حركة فتح" فى قلب الصورة الفلسطينية ، واليوم تبدو "حماس" وريثة لنداء المقاومة ذاتها ، وإذا اختفت "حماس" فى أى وقت افتراضا ، فسوف تولد آلاف من خلايا "حماس" و"فتح" جديدة ، فقد عرف الشعب الفلسطينى طريقه الذى لا طريق غيره ، وأدرك أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها ، وزاده ثباته على أرضه ثقة أكيدة فى نصر الله لعباده المقاومين ، وقد كانت "غزة" على الدوام هى القابلة الولادة لحركات المقاومة الفلسطينية الكبرى ، ربما لسبب يبدو ظاهرا ، هو أن "غزة" خزانة القضية الفلسطينية ، وغالب أهلها من "المهجرين" أصلا من قلب نواحى فلسطين التاريخية ذات السبعة والعشرين ألف كيلومتر مربع ، وفى كثافة "غزة" السكانية إيحاء رمزى قوى بالتحول الذى جرى ويجرى ، وتحول الفلسطينيين مجددا إلى أغلبية سكانية راجحة فى كل أرض فلسطين التاريخية ، بينما يجرى على الجانب الآخر انكماش وتآكل ، وتنضب مخازن "الهجرة اليهودية" المستعدة للذهاب إلى استيطان فلسطين ، وكانت هجرة وجلب اليهود "السوفييت" فى تسعينيات القرن العشرين ، آخر عملية نقل دم كبرى لكيان الاحتلال الاستيطانى ، بينما لا تستطيع الحركة الصهيونية إقناع ملايين اليهود الأمريكيين بالذهاب إلى فلسطين ، بل العكس هو الذى تتواتر مشاهده ، واكتساب جنسيات طوارئ احتياطية صار عادة متفشية عند ملايين الإسرائيليين ، فوق زيادة معدلات الهجرة العكسية بإطراد ، وتضاعف ميول الفرار الجماعى للمستوطنين وتفريغ المستعمرات فى الشمال والجنوب ، مع المخاوف المستجدة المرعوبة من أسلحة جماعات المقاومة فى الجوار ، وكلها مشاهد ليست مرشحة للتراجع ، فقد انفصمت عرى الثقة بين المستعمرين "اليهود" وجيشهم الحامى ، الذى ظنوا طويلا أنه لن يقهر ، بينما رأوا قهره ممكنا عاصفا على يد ألف من المقاومين صباح السابع من أكتوبر الماضى ، وهى واقعة لن تمحى أبدا من ذاكرة "اليهود الإسرائيليين" ، تذكرهم دائما بالعقاب الذى ينتظرهم ، وبالافتقار إلى الأمن فى وطن سرقوه من أهله الحالمين بالعودة ، بينما الفلسطينيون لن يخسروا شيئا أكثر مما خسروا فى عقود طويلة ، واستعدادهم للتضحية بغير حدود وبلا سقف ، وعندهم عقيدة قتال مقاوم لا تفتر ، يظهر أثرها اليوم فى معارك "غزة" ، وتنتقل روح "غزة" إلى الضفة والقدس والداخل الفلسطينى ، وصنعت وتصنع ثورة وصحوة جديدة ، قادرة على إنهاك العدو فى مراحل قائمة ومقبلة ، تنزل هدف التحرير من فضاء الأمانى المحلقة إلى تواريخ التحقق الزاحفة بإذنه تعالى .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.