نعيش الآن فى مفترق طرق ، الجميع يظن أن الثورة انتهت وحققت مكاسبها ،وفى عرفى أنها لم تنته بعد ، وكل الدلائل والشواهد التى واكبت مصرنا الحبيبة بعد خروج الرئيس المخلوع ..الذى ما زال قابعا بسلطانه وجاه فى شرم الشيخ..تؤكد ذلك ،فالشباب المصرى قام بثورته تحت شعار"الشعب يريد إسقاط النظام"؛ والنظام لم يسقط بعد..لا تندهشوا ..فهذه حقيقة مرة ..ولابد أن نضعها نصب أعيننا ..فحسنى مبارك انتهى ، والتوريث انتهى..ولكن النظام لم ينته ،فعلى مدار ثلاثين عاما مهدوا الأرض وحرثوها وأتوا بنبت شيطانى وبذروه فامتدت جذوره السامة فى الأعماق ، وأصبح الجسد كله مسمما بأفكاره ،وجذره يحتاج "ليس لمنشار أو فأس"ولكن يحتاج إلى استئصال "بالفحت"حتى نصل إلى أصوله ،وبعدها نحرقه حتى لا ينبت ثانية ؛فنحن نتعامل الآن مع أذناب هذا النظام مثل "لقمة القاضى"ولمن لا يعرفها ..هى نبات تنبت شيطانيا وتوجد فى الأماكن المهجورة ..يعرفها الفلاح جيدا..ونحن الآن فى الربيع نقطفها فى "شم النسيم "لنأكلها ، وتنبت ثانية ، أذناب أو فلول النظام كذلك مثل" لقمة القاضى" ،فكل المصالح الحكومية ما زال يرأسها من عينهم النظام البائد ، فقبل الثورة كانوا لنا بالمرصاد ، وبعد الثورة غيروا حديثهم ..بعدما كانوا يسبحون ويمجدون لجلالة "مبارك وأعوانه"القابعون خلف القضبان ،الآكلون السحت ،القاتلون البشر،الناهبون مقدرات الوطن ..قل ما شئت..فلن يتحرك لهم جفن ،بل يجادلون ويؤكدون أنهم أول من دعوا إلى قيام الثورة ،وكانوا ضد النظام..يحاولون اغتصاب الثورة لإنجاب أطفال غير شرعيين لها ؛وهنا ستكون الكارثة..فالقهر الإجبارى الذى مارسه النظام ضد هذا الشعب الطيب ؛ ما زال يقطر فى أذهانهم ،فالرجل البسيط يخشى على ابنه ..ليس من أمن الدولة ولا الداخلية ..ولكن من البلطجية وتجار المخدرات ،ولسان حاله يقول :"احنا مالنا مش هنغير الكون"؛نفس الأسلوب ونفس الطريقة إبان نظام المستبد "مبارك"..الذى تغير بدلا من "أمن الدولة"أصبح "البلطجية وتجار المخدرات"،فكان المواطن الغلبان يخشى على اعتقال فلذة كبده ،الآن يخشى عليه من "الموت أو هلك الحرث". ما أكتبه ليس تنظيرا ولكنها تجربة عشتها "قبل وأثناء وبعد الثورة"..ففى قريتى "سلامون القماش "مركز المنصورة ،قرر شبابها تشكيل لجنة لحماية الثورة ،وبدأت عملها بعد دعوت شبابها لمثقفيها وشيوخها ، ووقع اختيارهم على كاتب هذه السطور والمناضل والأخ عبد المجيد راشد ،لما يعرفوه عنا من نضال ضد النظام السابق وهو فى أوج عظمته ، ولبينا ندائهم وانخرطنا معهم ،وقمنا بعمل اجتماع تحضيرى ،وكانت الأحداث سريعة ،فانضم إلينا كل أبناء القرية ..وللعلم "سلامون بلد صناعى"ولها شهرة فى بر مصر والعالم العربى والأوروبى .. ليحاربوا "تجارة المخدرات"التى كانت تباع علنيا على كوبرى القرية ؛مما أدى إلى عزوف "التجار"عن الذهاب إليها ..فعندما ينزل التاجر على الكوبرى تجد من ينادى عليه "دخان يا باشا" ،فالحال "وقف"وبدلا من محاربة الغزو الصينى واتفاقية الجات لمنتجاتهم دخلت "المخدرات "على الخط معهم.. فشكلنا لجانا مؤقتة لحين استكمال الصورة ،ولسرعة الأحداث بدأت عملها كل فى مجاله "لجان ..أمن ..خدمات ..اعلامية..سياسية..شبابية"،وبدأوا يذهبون إلى المسئولين الذين عينهم النظام السابق ،وتحدثوا معهم بصفتهم "منبثقين من لجنة حماية الثورة"فذهبت لجنة الخدمات إلى شركة مياه الشرب والصرف الصحى ،لأن فواتير المياه كانت "نار"وأكد لهم أن الشهر القادم سيتعامل أهاليها بالقانون وستخفض الفواتير،وبعد مرور شهر كل ما فعله رئيس الشركة تخفيض الصرف الصحى فقط وما زالت الفواتير نار"؛وتمت إنارة القرية بالكشافات الكهربائية ودهان مدخلها بعلم مصر..وكان أمام القرية "مصيبة" المخدرات ؛فتولت لجنة الأمن هذا الملف وأصبح مسئولا عنها الشاب المحترم والخلوق عبد الحى عرفات الشايب..وتم التنسيق بيننا وبينهم ،فكنت على اتصال دائم بالحاكم العسكرى للمحافظة ، وكانت اللجنة تجوب القرية طوال الليل ،واستطاعت تحديد أماكنهم للبيع والشراء ،وألقت القبض على خمسة منهم ،وفى كل مرة فى آخر الليل كنت أتصل بالحاكم العسكرى ،فيرسل الشرطة العسكرية ،فنكون قد قبضنا عليهم وسلمناهم للجيش ،وحتى نغلف عملنا بالصيغة القانونية كونا "لجنة عرفية"دعا إليها الشيخ أكرم الشاعر وحامد الموجى وسعد العشماوى وأمير العشماوى والمتولى جاد من كل عائلات القرية ،وصارت الأمور على ما يرام لمصلحة وطننا ،وجاءت الكارثة ..فى اجتماع اللجنة الأمنية اقتحم 50 بلطجى الاجتماع ، وطعنوا رئيسها "عبد الحى عرفات"ثلاث طعنات ،شال على أثر احداها الطحال ،وضرب "محمد أبو ياسين"أحد أعضائها بالرصاص فى قدمه،وأصبح كل أعضاء اللجنة مستهدفين من قبل هؤلاء البلطجية وتجار المخدرات ، فالقرية تغلى بالرغم من ذهابنا إلى مديرية الأمن لأن مركز المنصورة التابع له القرية يعرف جيدا هؤلاء البلطجية وتجار المخدرات ،نريد منهم مصالحة أهل سلامون ومصر كلها بالقبض عليهم ،فالشباب متحفز وعلى فوهة بركان ،واستنفذنا كل طاقاتنا فى إقناعهم ؛فلابد من وقفة حاسمة ..وأعتبر ما أكتبه بلاغ للمجلس العسكرى قبل أن تقع كارثة.فما يحدث فى سلامون صورة مصغرة لما يحدث فى مصر كلها.