جمال عبدالناصر أحب أن يُلقب ب «الزعيم والقائد»، بصورة جماهيرية وبدلة شعبية، متخذاً من التواضع مدخلاً لقلوب العامة، وكانت أهم المحاور الشعبية التي اعتمد عليها تعد ثورة يوليو علامة فارقة في تاريخ مصر. ومرحلة مفصلية في مسيرة العمل الوطني لأبنائها.. زخرت هذه المسيرة بالعديد من التحديات والأحداث المتلاحقة.. ما بين مد وجذر.. انطلاق وتعثر.. نصر وانكسار.. إلا أن الثورة أثبتت قدرتها علي تصحيح مسارها. وكانت عبر مسيرتها واعية لتطور الأوضاع الإقليمية والدولية من حولها. ومدركة لحركة التاريخ. فقد قامت الثورة بعد سبع سنوات من نهاية الحرب العالمية الثانية.. بدأت مسيرتها وخاضت معاركها في مواجهة تحديات عديدة.. تحديات حكمتها توازنات حقبة الحرب الباردة والنظام الدولي الثنائي القطبية.. وقد أسهمت تلك التوازنات في كتابة تاريخ الثورة في منعطفات عديدة.. كانت انعكاساتها واضحة عندما أمم الرئيس عبدالناصر القناة وخاض حرب السويس وبني السد العالي.. كما أثرت هذه التوازنات في رسم مسار الأحداث التي أعقبت النكسة. وخلال مرحلة إعادة بناء قواتنا المسلحة وحرب الاستنزاف.. إن تأمل ثورة يوليو وإنجازاتها ، واستلهامها فى العمل والممارسة لا يعنى بحال استعادة هذا التاريخ فالتاريخ لا يعيد نفسه، وإنما يعنى فى المقام الأول استلهام روح يوليو والقيم التى رسختها والمبادئ التى وجهت قراراتها، أى الاسترشاد بقيمة الكرامة والعدل والمساواة ومكانة مصر فى الجغرافيا والتاريخ وتحرير الإرادة الوطنية . تعد 23 ثورة يوليو ثورة بيضاء لم ترق فيها الدماء ، كما تنفرد ثورة يوليو بين جميع الحركات العسكرية التي حدثت في المنطقة بان تاريخ انتصارها مازال اليوم القومي لمصر وكذلك قامت الثورة بجيل جديد من الضباط والشبان بقيادة جمال عبد الناصر وكان امرا جديدا في عالم الانقلابات العسكرية التي كان يقوم بها عادة قادة الجيوش واصحاب الرتب الكبيرة وكان تشكيل الضباط الاحرار ذا طبيعة خاصة لا تنفرد باتجاه معين ولا تنتمي لحزب سياسي واحد فلقد كانوا من مختلف الاتجاهات السياسية ولذلك اكتسبت الثورة تاييد شعبي جارف من ملايين الفلاحين وطبقات الشعب العاملة الذين كانوا يعيشون حياة تتسم بالمرارة والمعاناة ، و تميزت الثورة بالمرونة وعدم الجمود في سياستها الداخلية لصالح الدولة حيث لم تجمد سياسة الثورة الخارجية في مواجهة الاستعمار بعد رفض امريكا امدادها بالسلاح وسحب عرضها في بناء السد العالي واتجهت الثورة الى اطراف اخرى من اجل تنفيذ المشروعات القومية.. انها الاكثر اهمية في تاريخ مصر المعاصر فمازالت اطروحاتها تسهم في الجدل الفكري الدائر في مصر والوطن العربي لانها كانت بداية لمشروع قومي حضاري لا يزال مستمرا تواضع الرئيس غبدالناصر: سعي جمال عبدالناصر لمخاطبة الحس الجماهيري «بالصوت والصورة ونقل الخبر»، فكانت لغة الخطابة قريبة جداً لفهم وعقل ووجدان الشعب المصري وكل الشعوب العربية، فباللهجة العامية المصرية أوصل في معظم الأحيان رسالته لشعبه، وهي ذات اللهجة التي أحبتها كثير من الشعوب العربية، حيث تسمعها في المُسلسلات وتراها في الأفلام المصرية، وكان يؤكد دوماً أنه رجُل الشعب الذي يُمثل الضمير الوطني للأمة، وقد ساعدته قامته الطويلة الطبيعية في تأكيد صورة الزعيم، الذي يحيا عيشة بسيطة مثل باقي جموع الشعب. وانتشرت عن عبدالناصر عادة أكل الجبن الأبيض والخبز البلدي، تلك العادة وغيرها ساعدت في التصدي لمحاولات العبث بصورة نقية حتي بعد رحيله، حيث لم يتمكن أحد من النيل من صفة طهارة يده وسلامة ذمته المالية، وتلك الصورة الجماهيرية غير المصطنعة نفذت بالفعل لقلوب ووجدان جماهير عريضة في محيط جغرافي تجاوز الأراضي العربية إلي الأفريقية والآسيوية، ومنذ أن خلع عبدالناصر الزي العسكري عقب الثورة كان يرتدي بدلة مدنية كلاسيكية بقميص أبيض، أما الصورة المعروفة التي انتشرت وهو يلعب الشطرنج مع ابنه خالد، فأوصلت رسالة رفضه للمحاباة أو أن له بطانة خاصة، فكان لذلك أثر جماهيري ساهم في شعبيته، وقد كان يعيش هو وأسرته في منزله بحي منشية البكري، لا تحيط به أي مظاهر خاصة.وكان يجالس العلماء في المساجد بغفوية تامة والصورة توضح عبد الناصر فى مسجد مفروش بالحصير وإلى جواره الشيخ أحمد حسن الباقورى والمشير عبد الحكيم عامر