أن الموقف العملي والفعلي الأمريكي على أرض الواقع هو الإبقاء على وضع مصر القائم قبل الثورة, واستمراره قدر الإمكان ولو كان بأشكال أخرى تتلبس وتتقنع بقناع ديمقراطي شكلي تستنفذ فيه الطاقات الشعبية وتستهلك مع تحييدها ومنع تأثيرها على السياسات الخارجية والداخلية؛ لذا فالموقف الأمريكي سيسعى بشكل جدي إلى التخفيف من آثار الثورة والحد من مكتسباتها, وسيحاول إجهاضها ومنع تحقيق أهدافها إلا في حدود الإطار الشكلي الصوري ما أمكن ذلك, أما ما يصرّح به مسئولو الولاياتالمتحدة من دعمهم للديمقراطية والتداول السلمي للسلطة في مصر وضغطهم على مبارك للتنحي, فإنه لا يعدو سوى أن يكون كلامًا باردًا يوجهونه للتشويش على الجمهور المتابع في وسائل الإعلام من الشعب الأمريكي والعربي. الأجندة الأمريكية لتحقيق هذا الموقف : تنوعت تفاعلات إدارة أوباما مع الحدث حسب مستجدات الشارع المصري وتنوعت اختياراتها بناءً على ذلك، فبعد ثورة تونس وقبل بداية احتجاجات الثورة المصرية هرعت واشنطن لدعم حلفائها في المنطقة ومن بينهم حسني مبارك ونظامه وقاموا بتزويد مصر وغيرها بآليات ووسائل مكافحة الشغب وأدوات قمع المتظاهرين وتفريقهم, وذلك حرصًا منهم على دعم نظام مبارك والسيطرة على الاحتجاجات المتوقعة. وفي بداية الثورة وبعد أن كسر المحتجون الذراع الأمنية لنظام مبارك في جمعة الغضب, قررت واشنطن تنحية مبارك والتخلي عنه كورقة محروقة لم تعد لها قدرة جيدة على إدارة الأمور وقررت تولية رجلها الأول عمر سليمان الذي يقول عنه بعض المحللون أنه يمكث في تل أبيب أكثر من مكوثه في مصر, والذي تنسب إليه الجهود البارزة في صياغة السياسة الخارجية المصرية فهو يعد بديلاً ممتازًا وأكثر مناسبة من مبارك ذي السمعة الشعبية المنهارة.. ولكنّ خلافًا حصل بين القادة الأمريكيين حول هذا الخيار الخطير الذي من شأنه إحداث فجوة كبرى بين الولاياتالمتحدة وحلفائها من رؤساء العرب الذي يتابعون الأمر عن كثب ويناشدون واشنطن الإبقاء على مبارك وخصوصًا الخلاف الذي دب بين أوباما وبين مبعوثه الخاص فرانك ويزنر السفير السابق لمصر والصديق الحميم لمبارك والذي كان يرى توفير مخرج مناسب للأزمة يتمثل في بقاء مبارك إلى نهاية فترته الرئاسية مع مفاوضة تيارات المعارضة وإجراء إصلاحات سياسية هامة وملموسة ولكن ما زالت الاحتجاجات تشتد وتفرض على واشنطن الإعلان عن رفض هذا الخيار والتخلي عن فرانك ويزنر ورأيه الذي أعلن عنه وقالت: إنه يمثل رأيه الخاص ولا يمثل موقفها الرسمي. ومع تزايد الرفض الشعبي العارم لمبارك ونائبه ونظامه، أوعزت الولاياتالمتحدة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية أن يتولى زمام الأمور برئاسة رئيس أركان الجيش المصري سامي عنان الذي كان عائدًا للتو من الولاياتالمتحدة في بداية أحداث الثورة ووزير الدفاع المصري المشير محمد حسين طنطاوي وهم وغيرهم من قيادات المجلس ذوي علاقات متميزة واتصالات مكثفة مع واشنطن بحكم التدريب العسكري الأمريكي والتسليح الأمريكي للجيش المصري والاتصالات الاستخباراتية والعسكرية الأمريكية المصرية، لذا فإن الإدارة الأمريكية ترى أن هذه المؤسسة العسكرية الحليفة لواشنطن هي أنسب المؤسسات المصرية التي من خلالها يمكن التنسيق لإدارة مرحلة انتقالية تعيد الأمور إلى نصابها وتعيد الشارع المصري إلى هدوئه والتخفيف من آثار الثورة وتحقق ما لا يتعارض من مطالب الثورة مع سياسة مصر السابقة -الخارجية كليًّا والداخلية جزئيًّا- ووضع مصر القائم قبل سقوط نظام مبارك. لذا فإن مستقبل الثورة المصرية مرهون بمدى تعاون هذا المجلس مع واشنطن أو الانحياز إلى الشعب وخياراته؛ لأنه الجهة الوحيدة التي لها القدرة على الفعل والتحرك في أرض الواقع بجانب حركات الاحتجاجات الشعبية التي فرضت بإنجازاتها وأفعالها سقوط نظام مبارك المدعوم عالميًّا وإقليميًّا, فإذا تلاشت الاحتجاجات بقيت المؤسسة العسكرية هي المسيطر الوحيد على الواقع المصري. والذي نرجوه من مؤسسة الرئاسة أن يستشعر مسئوليته التاريخية وعظم الفرصة المتاحة أمامه لتحقيق منجزات مصرية عربية كبرى لن تتحقق في ظل أي انصياع أو خنوع للأجندة الأمريكية. إلقاء مسئولية وتبعة الإجتياحات الأمريكية لمناطق العالم المختلفة على ضحاياها (!)، فالمناؤون لم يفهموا بعد – كما يزعم الاستعماريون الأمريكيون – المسئولية الأخلاقية لأمريكا تجاه تطوير العالم من جانب ، كما يجب – من وجهة نظر أمريكا – التعامل مع تجاوزات المجازر البشرية لتلك الإجتياحات بكل وسائلها على أنها أخطاء لابد منها ويمكن – على أي حالة – الاعتذار عنها من جانب آخر (!) . وإذا كان النموذج الأمريكي – المستند على العملقة والمدعوم بماكياج الديمقراطية الزائفة – هو المثل الأعلى الذي علينا أن تقتدي به ، فإن اعتقاد أحد بوقوف أمريكا – بقيادتها للإمبريالية العالمية – وراء الكثير من صور المعاناة يكون بالضرورة أمراً خاطئاً ، وحين يجد البعض ضرورة مناقشة السياسات الأمريكية في العالم فإن لهم أن يجتهدوا لكن داخل دائرة النهج الأمريكي المهيمن : في الحكم وإدارة شئون الحياة والغايات. والحقيقة أن مؤسسات الحكم في الولاياتالمتحدةالأمريكية قد نجحت – عبر قرن من الزمان ويزيد – في تجييش كتل ليست قليلة – فاعلة ومؤثرة – أكاديميين في الغالب – في أنحاء العالم ، سواء ممن ارتبطوا عضوياً بمؤسساتها، أو دون إرتباط يذكر، عبر تلقينهم دين الدولة الأمريكية المدعوم بإعلام جبار – تفوق على غيره بشكل حاسم – في التلاعب بالقيم وفي قدرات وذكاء التسويق وإذكاء الرغبات الاستهلاكية. ويقوم هذا التلقين بتشكيل بنيتهم الذهنية على أساس ضرورة إخفاء الحقائق التاريخية التي تسوق حتماً إلى التعامل العقلاني مع حقيقة ودور الدولة الأمريكية في سياساتها العالمية والدور الذي تلعبه – على كل المستويات – في حجز وتعطيل تطور مجتمعات العالم (خاصة الفقيرة والمتخلفة) بنهب خيراتها وثرواتها وإشعال الحروب والصراعات الدموية في أركان المعمورة الأربعة من أجل أرباح شركاتها الاحتكارية . ولذلك تحتل مهمة" صناعة العقول" أحد أهم أركان الأمن القومي لدى مؤسسات الحكم الأمريكية ، لحجب الوجه العاري لإستراتيجيتها وسياساتها وممارساتها الكونية، وإفقاد شعوب العالم وقيادتها الفكرية والسياسية لمنهج المواجهة الصحيح لقضاياها وحملها على قبول الأمر الواقع – في الغالب – وطرائق أخرى كثيرة أحياناً أخرى لأبعادها عن طريق : الجبهة العالمية المتحدة ، الطريق الممكن والقريب ، لمواجهة خطر الإمبريالية الأمريكية وإستراتيجيتها التوسعية على مستقبل العالم . أن هذا القرض يأتي تحت مظلة اتفاقية "شراكة دوفيل"، والتى نشأت فى اجتماع القمة ال37 لدول الثمانية الكبار بدوفيل/ فرنسا، وقامت مصر بالتوقيع عليها فى سبتمبر 2011. وتنص "شراكة دوفيل" على تقديم الدول الثمان الكبار (الولاياتالمتحدة، المملكة المتحدة، روسيا، فرنسا، إيطاليا، كندا، اليابان، ألمانيا) للدعم التقنى والمادى من قروض مالية وتوصيات سياسية "لبلدان الربيع العربى"، أو للبلدان العربية التى تمر بمرحلة انتقالية، بهدف دعم الاستقرار الا قتصادي والدفع بسياسات الإصلاح الهيكلي، على أن تتبع تلك البلدان سياسات اقتصاد السوق المفتوح. وتقوم تلك الاتفاقية بالشراكة مع المؤسسات المالية الدولية، (مثل صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، بنك الاستثمار الأوروبي، البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، البنك الإفريقى للتنمية، منظمة أوبك، وغيرها)، بالإضافة إلى البلاد الكبرى بمنطقة الخليج العربي، منها المملكة العربية السعودية، وقطر، والكويت، والإمارات، وأخرى ذات صله بالتغيرات بالمنطقة مثل تركيا. وتعمل جميعها كجهات مانحة أو مقرضة "لدول الربيع العربى": مصر وتونس و ليبيا و الأردن والمغرب واليمن. ، أن سياسات الإقراض التي قامت عليها التعاملات المالية بين مصر وصندوق النقد الدولى بدأت فى السبيعينيات في عهد السادات وارتبطت باشتراطات سياسية واقتصادية محدده أدت لارتفاع الأسعار ومن ثم خروج الشعب المصري في انتفاضة 1977، ثم فى الثمانينيات وتحت نظام مبارك، لم يختلف الأمر كثيرا حيث ارتبطت شروط القرض بسياسات انفتاح السوق الاقتصادي، والتي أدت إلى تفاقم الدين الخارجي للبلد، وتخفيض قيمة الجنيه المصري، وما صاحب ذلك من تضخم اقتصادي، وارتفاع للأسعار، وتقليص لدور الدولة فى الإنفاق على الخدمات والحقوق العامة للمواطنين، وتفكيك بنية القطاع العام وكان من آثار ذلك سيطرة القطاع الخاص والمؤسسات الأجنبية والشركات متعددة الجنسيات على مقاليد الاقتصاد المصري. وبخصوص شروط القرض الحالي التي يتم التفاوض عليها، فإنها ما زالت سرية حيث أن الحكومة المصرية لم تقم بالإفصاح عن أيا من التفاصيل المرتبطة بالقرض بشكل رسمي أو بما تتطلبه دواعى الشفافية. إلا أن هنالك بعض التفاصيل التى حصل عليها المركز المصري من خلال متابعته ورصده لتصريحات وإصدارات الصندوق وغيره المؤسسات المالية الدولية المعلنة على مواقعها الرسمية على شبكة المعلومات الدولية والتى نبني عليها موقفنا من القرض. ومن المنتظر أن تقوم مصر بإقتراض ال4.8 مليار دولار من الصندوق طبقا لنفس برنامج السياسات الذى سبق لمصر الإقتراض عليه. فطبقا لتصريحات المدير التنفيذي للصندوق، جون ليبسكي، إن القرض المقترح يأتي وفقا لالتزام السلطات المصرية بالتغيير المستمر وسياسات الاصلاح الهيكلي وأنه من المنتظر أن القرض سوف يتم بموجب "عقد اتفاق الاستعداد الائتمانى". ففي الفترة 1987-1988، اتفقت مصر مع الصندوق على اقتراض 400.2 مليون دولار أمريكيا كذلك بموجب "عقد اتفاق للاستعداد الائتماني" نفسه، وفي الفترة 1991-1993، عُقد اتفاق استعداد ائتماني آخر مع مصر بقيمة 375.2 مليون دولار أمريكيا. و أنه فى حالة توقيع اتفاقية القرض المقترحة ب4.8 مليار دولار، من المتوقع أن تستغرق عملية سداد الدين 15 عاما، حتى عام 2027 أو 2028 بدءا من عام الإقتراض على أن يتم السداد على 4 دفعات سنويا. ** كاتب المقال دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية