بقلم رشا زكي يشغلنى هذا الداء كثيرا..أبحث عن أسباب تفشيه خاصة فى المجتمع العربي ، والذى يظهر بصورة واضحة فى سلوك الإنسان العربى فى المهجر، ثم أخذت أبحث عن تعريف علماء النفس وعلماء الإجتماع له وعن سبل علاجه وقد أدهشتنى نتائج بحثى التى تؤكد أن الإزدواجية أصبحت ظاهرة عامة تحتاج للتأمل ألف مرة . الإزدواجية حسب تعريفها فى علم النفس.. هى إضطراب فى سلوك الشخص ، و هي حالة يكون للشخص فيها صورتان مختلفتان، الصورة التي يحيا بها وصورة أخرى تناقضها. وهي بمعنى آخر: أن يأتي الشخص بعدة تصرفات تتناقض مع بعضها البعض في الوقت ذاته ، أو أن يكون الإنسان مزدوجاً في تصرفاته أو أقواله أو أفعاله. الملاحظ دون تعميم أنه قد ساد التناقض في حياتنا نحن العرب بصفة عامة . والأمثلة المؤكدة على تفشى تلك الإزدواجية فى حياتنا اليومية كثيرة قد لا تعد ولا تحصى ، ولكنى سوف أسرد لكم بعضا منها ..على سبيل المثال أنك قد ترافق أحد أصدقائك فى مطعم ما، وعندما يأتى النادل ليسأله عما يطلب تجده وبكل قوة يؤكد عليه ضرورة ألا يحتوى طعامه على أى من مكونات الخنزير، ولأنك تعرف صديقك جيداً ، فإنك تتعجب من طلبه هذا ، لأنه منذ دقائق قليلة طلب خمراً. ليس ذلك فحسب ...فالأغرب من ذلك أن نفس الصديق إذا غاب عنك وطلبته على المحمول ووجدته مغلقاً ، فأنت تتيقن من أنه فى ذلك الوقت..يمضى وقتا سعيدا فى أتلانتك سيتى ( مدينة القماربولاية نيوجيرسى ) . ألا تبدو الإزدواجية واضحة فى شخصية هذا الشخص ؟ ومثال آخرأنك قد تقصد أحد التجارلشراء سلعة ما بنظام التقسيط ، والمعروف عن ذلك التاجر شدة تدينه ويناديه الجميع " بالحاج " . فإنك ما إن تذهب إليه تجد أمامك رجلاً وقوراً لحيته تكاد تصل إلى صدره ، يمسك بالمسبحة فى يده ، وقبل أن تلقى عليه السلام ، تجده يبادرك بالسلام قائلا : ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. تفضل يا أخى) .. وضعك بذلك دون أن تشعرفى حالة من الطمأنينة والثقة فيه . ثم تأتى لحظة التعاقد على السلعة فتفاجأ أن سعر التعاقد أعلى من السعرالمكتوب عليها ، وعندما تسأله : " ليه يا حاج ؟ " ، يجيبك بكل وقاحة : " الفائدة يا أستاذ " ! ألا يدرك هذا " الحاج " أن الفائدة هى المسمى الجديد " للربا " فى العصر الحديث؟! وفى بيوتنا تكثر وللأسف الأمثلة على التناقض فى حياتنا ، فكل أب وكل أم بالتأكيد يعلمان أبنائهما عدم الكذب وضرورة قول الصدق ..إلى هنا شىء جميل ، ولكن تصوروا لو أن أحد الآباء طلبه صديق على التليفون وكان الأب على خلاف مع هذا الصديق ، فطلب من إبنه أن ينكر وجوده ...تخيلوا ماذا سيحدث لهذا الطفل ؟! سوف تنتقل إيه جرثومة الإزدواجية على الفور. حتى الأفلام العربية الكوميدية لم تترك ذلك الإضطراب السلوكى أو التناقض دون أن تتناوله فى أعمالها بشكل ساخر، فأتذكر أننى كنت أشاهد فيلما كوميديا قريبا يحكى عن مجموعة من اللصوص الذين يخططون لسرقة خزينة أحد البنوك ، وفيه يقول البطل لزملائه من أفراد العصابة وهم متوجهون نحو الخزينة : ( توكلنا على الله ، ربنا يسهلنا المهمة ) .. تهكم وسخرية من لص يذكر الله أثناء سرقته . ومن الأمثلة القوية الدالة على التناقض والإزدواجية فى شخصية الرجل العربى فى المهجر ، أن الرجل العربى عند إختيارزوجة له ، يختلف عنده تماما بل ويتناقض معيار إختيار الزوجة الأجنبية عن إختيار الزوجة عربية الأصل . فهوعند إختيار الزوجة الأجنبية تجده يتغاضى تماما ويغض طرفه عن ماضيها ، الذى لن يخلو بالتأكيد من العلاقات المحرمة. ولكن ( نفس الرجل ) عندما يختارلنفسه زوجة من أصل عربي، تجده يعذبها ويعذب نفسه بشكوك و ظنون واهية ، بالرغم أنها قد تكون فتاة محترمة حافظت على شرفها ، ومرت كأى فتاة طبيعية بتجارب عاطفية بريئة . كيف ترتضى كرامة ورجولة هذا الرجل أن يقترن بإمرأة أجنبية يعلم جيدا و بدون أدنى شك أنها عاشت فى حالة من التفريط المستمر، وليس ذلك فحسب بل عندما يتزوجها تجده لطيفاً معها ، يعاملها بإحترام تام بل و يعطيها ثقة بلا حدود ويأمنها على تربية أبنائه. بالتأكيد أنكم جميعا قد مرت عليكم تلك الشخصية الإزدواجية المتناقضة التى تكيل بمكيالين . حتى حكوماتنا العربية لم تسلم من هذا الفيروس..فيروس الإزدواجية ، فهى تصدر تصريحات كثيرة جدا وفي نفس الوقت لا تنفذ منها شيئا، حتى أن الغالبية من الوزراء العرب يستحقون عن جدارة لقب " وزراء التصريحات " . لم ينته بحثى إلى هذا الحد .. بل رحت أبحث فى ذاتى ، فبما أنى عضو فى المجتمع العربى الذى تفشى فيه داء الإزدواجية اللعين ، فلابد اننى أيضاً مصابة بهذا الفيروس دون أن أدرى ....وللأسف وجدت نفسى مصابة به...فكيف لا أشرب الخمر لأنه حرام ، ومع ذلك لا أواظب على أداء الصلاة ، بالرغم أنى أعلم جيدا أن الصلاة عماد الدين وتركها ..حرام ! كثيرة هى الأسئلة التى تدورفى ذهنى.. لماذا يركز كل واحد منا فى أخطاء الآخرين وينتقدها بشدة دون أن ينتبه لأخطائه هو شخصيا ؟...لماذا نرى بعض الأشخاص ينقبون دائما عن الخطيئة في حياة من حولهم من أجل أن يصنعوا منها فضيحة مدوية وهم قد يفعلون نفس الشيء أو أفظع منه بكثير؟ لماذا نجد الأب يقول لابنه لا تفعل كذا.. وفي نفس الوقت يأتي بنفس الفعل ؟ لماذا نطالب الآخرين بالتحلى بسلوكيات وأخلاق نحن أبعد ما نكون عنها ؟ لماذا نقول ما لا نفعل ؟ بإختصار شديد .. لماذاعندما ننظر فى المرآه ..نرى أشخاص آخرين ؟ والآن و بعد كثير من البحث و التقصى توصلت أن أسباب تفشى الإزدواجية والتناقض فى شخصية الإنسان العربى ..هى أننا أناس تتحكم فينا أهواءنا ، فنختار السلوك الذى يتفق مع هوانا ونترك ما لا يتفق معه . يختبىء البعض وراء أقنعة مزيفة ليعطى إنطباعات جيدة غير حقيقية ... تحدد العادات والتقاليد والمعتقدات أفعالنا وأقوالنا فنخفى عن المجتمع الفعل الذى لايقبله لنبدو فى صورة حسنة . فالشخص الذى يرفض أكل لحم الخنزيروفى نفس الوقت يشرب الخمرو يلعب القمار، إن مسألة حرمة أكل الخنزيرلم ترد فى ذهنه على الإطلاق، بل إنه لا يستسيغ مذاق لحم الخنزير . وأخيرا ألا تتفقوا معى على أن الأهواء هى بمثابة شرخ فى جدار العقل ؟!