ثلاث أشخاص تعقبوا خط سير "جاسر" الذى جاء من الصعيد هربا من العادات الفانية، والتقاليد المترسخة فى جذور الوهم بالصعيد، ليترك لهم ممتلكاته وميراثه وذكرياته هربا من الثأر، وجاء للعاصمة حيث الزحام الشديد، لكن مريدى الثأر تعقبوا خطواته، علموا مكانه، لكن كان من الصعب اصطياده وسط أقارب زوجته بحى المرج، فتوصلوا إلى تليفونه، واستأجروا فتاة ببضعة جنيهات تعقبته فى المواصلات، وادعت ان شخص ما تحرش بها وبدوره دافع عنها، ثم عادت تتصل به لاستقطابه إلى الحى الهادئ بالنزهة. وبالفعل، نجحت الخطة، وبعد مكالة تليفونية من الفتاة صاحبة الصوت الجميل، أسرع جاسر للقاء، ولكن وجد ما ظل يخافه ويهرب منه، ثلاثة شباب من عائلة أبوأحمد أمام عينيه، يمسكون بالسلاح، وطعنوه فى أنحاء متفرقة ثم هربوا.. ليُعثر على جثته شاب فى الشارع. خرج الشاب محمود من منزله، كعادته فى الصباح الباكر، ذاهبا إلى عمله، رحلة كل يوم الذى اعتاد عليها، لدرجة أنه بإمكانه أن يغمض عينيه حتى يصل لعمله، ولكن السيارات والزحام يمنعانه فى فعل ذلك، فى اليوم الأخير، أمسك بورق خاص بعمله داخل الميكروباص الذى يستقله من منزله حتى يصل إلى منطقة الشيراتون، حيث مكان عمله كأمين مخزن بهذه المنطقة، وكان شديد التركيز بأوراق وحسابات خاصة بعمله، حتى نسى أن المحطة التى يجب أن ينزل بها مرت، نظر فجأة علم بشروده، بصوت عالٍ طلب من السائق التوقف، الذى ضغط على فرامل السيارة، نزل محمود، أخذ يرجع للخلف عشرات المترات، ليصل لعمله، أثناء ذلك كان غاضبا لتأخره على موعد العمل. يتجول محمود بنظرة فى المنطقة وأثناء ذلك وقعت عيناه على رجل اعتقد أنه نائم على الأرض، اقترب بخطوات يشوبها الحذر منه، تحسبا أن يكون الذى ينام بهذه الطريق من فاقدى عقلهم، أو متسولى الشوارع، وهواة النوم به، وكلما اقترب الشاب يكتشف أن الرجل لا يتحرك له ساكنا، فقط جثمان ملقى على الأرض، بجوار حديقة أمام العقار الكائن بالمربع رقم 1169 بمنطقة الشيراتون التى تتميز بالهدوء، وعدم مرور الناس بها كثيرا، اقترب منه، نادى عليه، لكنه لا يرد، لا يتحرك، ولمح محمود آثار دماء من الجهة اليمنى فعلم أنه قتيل، على الفور أبلغ رجال الشرطة، وانتقل المقدم محمد مكاوى، رئيس مباحث قسم شرطة النزهة، وبصحبته قوة من رجال المباحث، وفحص الجثة وعاينها جيدا، وتبين أنها لشخص فى العقد الرابع من العمر، يرتدى ملابسه كاملة وبها جروح قطعية، بفروة الرأس، وجرح قطعى ذبحى دائرى من الفك الأيمن حتى الفك الأيسر، وجرح نافذ بالرأس من الجهة اليسرى، وجروح قطعية بمنطقة البطن والصدر والكتف من الجهة اليمنى، كما عثر بين طيات ملابسه على 10 جنيهات ومفتاحين. أبلغ المقدم محمد مكاوى رئيس مباحث قسم شرطة النزهة، العميد نبيل سليم رئيس مباحث قطاع شرق القاهرة، الذى بدوره أبلغ اللواء محمد منصور مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة واللواء هشام لطفى، نائب مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة واللواء أحمد الألفى مدير المباحث الجنائية، وتم تشكيل فريق بحث، وتوزيع صور جثة الشخص على جميع مديريات الأمن ومطابقتها ببلاغات الغياب، وبالفعل تبين أن الجثة لشاب يدعى جاسر. ص. ع. إ، 35 عاما، سائق، ومقيم بالمرج وأصل بلدته ديروط، بمحافظة أسيوط. حضر شقيقه حماد.ص.ع، 38 سنة، لقسم شرطة النزهة، وتعرف على جثة شقيقه، وأصابته حالة من الغضب ونوبة من البكاء، وظل يردد عبارات: "قتلوه.. ثأروا منه، أخذوا خيرة شباب العيلة". وأكد شقيق القتيل أن وراء الجريمة عبد الرحمن.ح.ع، بائع، وأحمد.ح.ع، بائع، وأشرف. ر. ف.أ، 27 سنة، بائع، نظرا لوجود خصومة ثأرية، محرر بشأنها محضرا رقم 12637 لسنة 2015، جنح ديروط، أسيوط، وحرر محضرا واتهمهم فيه بقتل شقيقه ثأرا منه. على الفور، أمر اللواء خالد عبدالعال مدير أمن القاهرة، باتخاذ الإجرءاءات اللازمة وتشكل فريق بحث على أعلى مستوى لبحث الواقعة، وبتكثيف التحريات تبين وجود خصومة ثأرية قائمة بين عائلة المجنى عليه وعائلة المتهمين الثلاثة، وذلك لقيام شقيق المجنى عليه "عشماوى"، بقتل شقيق المتهم الأول، والثانى ويدعى "مدثر"، والمحبوس على ذمتها، وبتقنين الإجراءات وباستهدافهم بعدة مأموريات أمكن استدراجهم عن طريق أحد معارفهم، وتم ضبط أحد المتهمين، الذى اعترف بارتكابهم الواقعة ثأرا لمقتل شقيقهم.
لم يكن استدراج المجنى عليه سهلا، فهو يعلم أنه مطلوب حيا أو ميتا لدى عائلة أبوأحمد، ببلدتهم فى ديروط، بأسيوط، وهى عادات لن يتخلوا عنها، وكانت كلمة السر فى مكالمة تليفونية ساحرة، من فتاة تتحدث عبر سماعة التليفون بصوت ناعم، ونطقت باسمه، وأوهمته أنها مغرمة برجولته وشهامته منذ شهر، ولكنها لا تعرف كيف تتصل به، نظرا لموقف فعله أمامها تميز فيه الشهامة ورجولة أبناء الصعيد، ومنذ هذا اليوم وهى تبحث عنه بعد أن لحقته وراقبته حتى وصل إلى منزله وعرفت مكانه، لكنها لم تستطع مصارحته خوفا منه لأنها تعلم أنه رجل صعيدى.. هذا نص مكالمتها معه عبر المحمول زعما منها بحبها له، وغرامها له.
وبالفعل سقط المجنى عليه "جاسر" فى غرام الصوت الذى تحدث إليه عبر المحمول، واتفق معها على لقائها.. هنا ابتسمت الفتاة وكان إلى جوارها المتهمون الثلاثة الذين نظروا إلى بعضهم نظرة انتصار، وأعطته عنوانها بمساكن الشيراتون، وبالفعل استيقظ جاسر فى الصباح الباكر، ارتدى ملابسه، وتعطر جيدا، وذهب للفتاة التى تدعى حبه، لم يعلم أنه كمين للثأر منه، وبالفعل، استقل المجنى عليه ميكروباص من المرج وذهب إلى النزهة، وفى المكان المتفق عليه كان ينتظره المتهمون، وفجأة وجدهم أمام عينيه فى مفاجأة من العيار الثقيل، شحب لون وجهه، حاول الهرب، لكن الشباب الثلاثة شلوا حركته واعتدوا عليه بسلاح أبيض "سكين"، محدثين به عدة إصابات أدت إلى وفاته فى الحال وفروا هاربن، ثم تخلصوا من السلاح بإلقائه فى الطريق العام. وأمام اللواء محمد منصور مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة، اعترف المتهم المضبوط بارتكاب الثلاثى لجريمة القتل، وحكى تفاصيل الليلة الأخيرة، وكيفية إيقاع جاسر فى الكمين، حيث تحدثت معه الفتاة التى تقمصت دور إحدى معجباته نظرا لشهامته، وتريد أن ترد له الجميل فى موقف فعله معها فى المواصلات، كانت قد نصبته له لإيقاعه منذ فترة زمنية قريبة، وأقنعته أنها تريد رد الجميل له عن طريق الشركة التى تتولى إدارتها بالفوز بمبلغ مالى، وقضاء وقت ممتع فى أحد الفنادق بهذه الأموال، وبالفعل وقع الشاب فى الفخ وتمكن الجناة من الثأر منه.