بينما كنت اتأمل المباني العريقة في احد احياء القاهرة اثناء تجولي بالسيارة جذبني عقار قديم من طرازه يتبين لك انه يعود لبداية عهد مصر الحديثة (1952) فطلبت من السائق التوقف سريعا وترجلت من السيارة واتجهت بالقرب من المبنى فوجدتها جالسة متكئة على يدها ويلتف حول عنقها وشاح اسود وكأنها اعلنت الحداد لفقدانها عزيز عليها فاتجهت الي شرفتها بالطابق السفلي من المنزل وعند اقترابي من ملامحها التي يخيم عليها الحزن والمحددة بالتجاعيد التي تكشف لي عن عمرها التي قد يكون اقدم من العقار مم دفعني الفضول للسؤال عن سبب الوشاح قائلا:- صباح الخير يا جدة ردت بصوت مهزوم ضعيف:- مساء الخير. رغم اننا بالصباح تعجبت لردها فاخبرتها اننا بالصباح ردت قائلة اتظنني ضريرة لا لكنك لا تهتم بالغمام المحتل السماء الذي حجب عنا نور الصباح واصبحنا بالمساء. عندما نظرت لي وجدت الوحدة والوحشة تحتل عيونها الزرقاء كلون بحر الاسكندرية الغريب على سمارها الذي طبعته على جلدها شمس القاهرة الحارقة فتسائلت ثانية عن سبب الوشاح ردت قائلة اتتساءل عن الوشاح الاسود ولا تتساءل عن السواد الذي احتل ملامحي؟ تعجبت من ردها وكأنها تخبرني اني اعرفها منذ زمن بعيد...تجاهلت جملتها قائلا الا يوجد لديكِ احفاد يؤنسوا وحدتك؟ قالت بلى لدي الكثير فأنا العجوز الوحيد التي املك الكثير من الابناء والاحفاد وانا أكثر العجائز حنين اليهم. من حديثها تشعر انها مهجورة لا ابناء ولا احفاد وكأنها يتيمة فأحببت ان اواسيها قائلا يا جدتي هل تركوك وهاجروا؟ قالت ليتهم وجدوا افضل مني خوفا عليهم وحماية لهم..ليتهم يعلمون مدى حبي وعشقي وحنيني اليهم...ليتهم تركوني ليتعلموا. احترت فيكي ايتها العجوز الحزين انهم لم يتركوك ولم يهجروك ولكنك وحيدة حزينة وتعلن الحداد وكأنك تفتقدين عزيز ما عليكي فهل احساسي صحيح؟ نعم يا بني اسمح لي ان ادعوك بني لانك اول من رآني في وحدتي وانهزامي وحزني فجميع ابنائي يفترقون يتشتتون ينقسمون و وهن صوتي من كثرة ندائي هلموا يا ابنائي ضد عدوي لا تجعلوه يفتك بي ويمزقني ارباً لكنهم لم ينصتوا. شعرت بالأسى عندما اغرورقت عينتاها الزرقاوتان فمددت يدي ماسحا دموعها لا تحزني يا جدتي سيعودون ويلتفوا حولك. قالت بأسى اتحسبني عجوز شمطاء دار علي الزمان لكني رغم قدم عهدي ومرور الزمن بي لم اكن سوا ملكة متوجة على عرش العالم بردائي الابيض وعيوني الزرقاء وسماري القمحي لكن نكبتي في ابنائي اطاحت بجمالي وشموخي واخشى ان اتهاوى وهم لا يكترثون بحالي فترتفع راية عدوي وتسقط هامتي. ما شعرت بحالي الا وانا باكيا راكعا امامها سيدتي ومليكتي واميرتي الجميلة لن تهزمي فوالله الذي منحك الجمال والطيبة والاصالة ليجتمع شمل ابنائك وتلتف ايديهم حول عنقك زائلة الوشاح الاسود مانحة اياكي رايتك لا تيأسي فهناك من ابنائك احياء وان ماتوا جميعا فها انا ذا موجود فاسمحي لي ان ازيله عنك وارجع البريق الي وجهك الملائكي من جديد فتبتسم العجوز وتنظر لي نظرة رجاء بعدم التخلي عنها.