ان اللص الذي يسرق محلا للجواهر يضع خطة و مؤامرة لسرقة المكان و الفرار بالذهب سالما دون ان يكتشفه احدا. لا يمكن الاعتقاد بان حفنة من الاثرياء الذين يملكون ثروات الكوكب باسره و ارقام فلكية في حساباتهم, بانهم يتصرفون هكذا دون خطط. و لكن لا يمكن الاعتقاد بان هؤلاء يعملون هذا لانهم اشرار جشعين تملأ قلوبهم الكراهية و ان التخلص منهم سيجعل العالم مكان افضل. انهم في الحقيقة اناس يتخبطون بشكل جنوني للبقاء في منظومة قائمة على المنافسة و الفوز و الخسارة. و هم يعلمون ان خسارتهم يعني فوز غيرهم بالسلطة و النفوذ عليهم. منظومتنا الاجتماعية تتهاوى بسبب الياتها و الرياضيات الخاطئة التي تسير بها نحو الانهيار الحتمي, و هم يحاولون سلخ فروة راس الاخرين بدلا من ان يسلخ غيرهم فروة راسهم. و مؤامراتهم و جرائمهم ليس سببه قوتهم بل سببه هشاشة المنظومة الراسمالية و انحطاطها. هنالك توجهين اساسيين سائدين لدى الناس بشكل عام لتفسير ما يحدث في عالمنا. توجه يعتقد بان كل ما يجري ليس سوى مخطط مدروس من قبل عصابة عالمية من الرجال من اصحاب الثروات و السلطة كالالوميناتي و الماسونية و الصهيونية و غيرهم. من جانب اخر هنالك من يعتبرون نظرية المؤامرة افكار خرقاء لا اساس لها من الصحة و ان كل ما يجري في العالم احداث منفصله محلية و لا توجد اي نوع من المؤامرت ورائها و ان الولاياتالمتحدة و روسيا و غيرها هي دول تتبع الاحداث مثلنا و تحاول التاثير عليها فيها لمصلحتها و لكنها لا تختلقها من العدم. ان اغلبية الناس يبنون تحليلاتهم و مواقفهم على اساس فكرة الخير و الشر, الابيض و الاسود, الامير و التنين. فمنذ ان كنا صغارا و نحن نقرا عن الساحرة الشريرة و الاميرة الحسناء الطيبة. الامير المنقذ و التنين الشرس. و افلام الهوليود و غيرها تقدم ايضا هذه الصورة عن العالم, الرجل الشرير و البطل الذي يمثل الخير. هذه الصورة موجودة في الاساطير القديمة و الادب الحديث و العديد من الاديان و هي موجودة في الادبيات السياسية في اليسار و اليمين. هذا التصور المشوه للعالم مصدره تصور سطحي لمظاهر الامور و تخلف المعارف الاجتماعية لدى الاغلبية حول الآليات التي تنتج و تولد العنف و السلطة و الحروب و التمييز و من ثم الانانية و الجشع و جميع مشاكلنا الاخرى. اننا نحاول دائما ان نرى الرجل الشرير امامنا في الصورة لنحمله مسؤولية ما يجري. و لكن اذا استطعنا رؤية ان الراسمالية هي عبارة عن طريقة حياة البشر على الارض لكسب قوتهم و حاجاتهم. و اذا فهمنا ان من ضمن النتائج العملية لذهابنا الى السوق و العمل بالاجرة و شراء حاجاتنا بالنقود ان يكون هنالك مجموعة من الاثرياء الذين سينتفخون الى ان يصبحوا رجال اشرار في السلطة يتآمرون و يقتلون. عندها نفهم بان انحطاط المنظومة التي نعمل بها هي مصدر استفحال مشاكلنا و سنبدأ بالتفكير بطريقة اخرى للحياة غير هذه التي تؤدي الى انتاج هذه المشاكل. سيكون نضالنا و عملنا موجه نحو تغيير المنظومة الاجتماعية و ليس التخلص فحسب من الرجال الاشرار. ببساطة شديدة : طالما انت تستيقظ في الصباح كالعادة للذهاب الى العمل للحصول على اموال تشتري بها حاجاتك فانه سيكون هنالك حفنة من الرجال في مكان ما يتآمرون و يخططون في الظلام. و بدون تغيير المنظومة القائمة على النقود و الملكية و العمل بالاجرة و الاسواق سيبقى الحال على ما هو عليه.