بقلم جلال الهجرسي النقشبندي البدعة لغةَ تعني إحداث شيء (مادّي أو معنوي) لم يكن موجوداً من قبل, و منها اشتقت كلمة (إبداع), فهذا كوصف الشاعر أو الفنان أو العالم المخترع بأنه (مبدع), و كقوله تعالى عن نفسه "بديع السماوات و الارض" و اصطلاحا, المقصود به في الإسلام هو أن يؤتي بعمل (في مجال الدين على الأخص) لم يكن معروفاً من قبل في القرآن والسنة النبوية بما يناف الدين. كأن يخترع المسلم نوعاً من العبادة لم يكن موجوداً ولو بحسن نية ، أو أن يغيّر من العبادات والأحكام، فالمعروف عند عموم المسلمين أن الدين قد اكتمل قبل أن يتوفى الله محمداً صلى الله عليه و سلم، ولم يعد بحاجة إلى الإتيان بجديد (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)- 3 سورة المائدة. ولا نقصد بالتغيير مخالفة السنة أو الأحكام الشرعية، لأن ذلك معصية صريحة. فترك الصلاة وأكل الميتة والزواج من المحارم وغير ذلك لا ينبغي أن يُنظر اليها على أنها بدعة على أساس كونها (إحداث أمر جديد)، بل هي معصية تتوفر فيها كل أركان مخالفة الأوامر والنواهي الصريحة. أقسام البدعة وعلى هذا فالبدعة أقسام ففي شرح النووي لصحيح مسلم ما نصه: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وكل بدعة ضلالة" هذا عام مخصوص والمراد به غالب البدع، ثم قسم البدعة إلى خمسة أقسام: واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة. وهذا التقسيم ذكره الشيخ سلطان العلماء عبد العزيز بن عبد السلام في آخر كتاب القواعد، ونقله عنه الحافظ بن حجر في كتاب الفتح وسلمه. وقال الشافعي إن البدعة قسمان حسنة، وضلالة, روى ذلك عنه أبو نعيم والبيهقي وغيرهما، وكذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني، والحافظ ابن رجب الحنبلي في شرحه، والفيروز ابادى في القاموس وشارحه مرتضى الزَّبِيدي، والفيومي في المصباح وغيرهم، إلا أن بعضهم ما أحب تسمية بدعة حسنة وأحب أن يقال بدلاً منها مصلحة حسنة والحقيقة أن كلمة بدعة ليست كلمة ممدوحة أو مذمومة لذاتها ولكن ما كان من البدع لا يتعارض مع أصل من أصول الدين فليس بمذموم، وإلا ما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جمع الناس في صلاة التراويح على إمام واحد: "نعمت البدعة هذه" [رواه البخاري] كما سيأتي. وما ركوب البحر في الجهاد في عهد معاوية بن أبي سفيان إلا بدعة! وما تزيين المساجد وزخرفتها كما هو الحال اليوم إلا بدعة، وما لبس البنطال والقبعة إلا بدعة! وما تناول الطعام بالملعقة إلا بدعة (لأن الرسول كان يقول: ايديكم أفضل اوانيكم)!! فهل يقتضي إنكار كل ذلك؟ يحدثنا التاريخ أن عمر بن الخطاب دخل المسجد النبوي في ليلة من ليالي رمضان فوجد الناس يصلون النوافل وهم بين قائم وقاعد وراكع وساجد ولهم دويّ كأزيز النحل، فأمرهم بأن يوحدوا صلاتهم بإمامة أحدهم. ولما كانت الليلة التالية جاء إلى المسجد فوجد الصفوف وقد استوت والناس في حركة واحدة متسقة، فقال: نعم البدعة جاء بها عمر! في حين كان عمر نفسه حريصاً على أن لا (يورّط) أمة الإسلام فيما لا قِبَل لهم به. إذ انه لما أراد نشر الإسلام خارج الجزيرة العربية واقتضى الأمر أن يركب المقاتلون المسلمون البحر، أمر بعض من راى البحر -وهو عمر بن العاص- أن يصفه له، فلما سمع منه وصفاً مهولا (جاء فيه: إن ركد خرق القلوب وإن تحرك أزاغ العقول) قال: والذي بعث محمدًا بالحق لا أحمل فيه مسلمًا أبدًا!. لكن معاوية رأى أن يركب المسلمون البحر. من هنا يظهر أن بعض البدع (كالأكل بالملعقة) مقبولة رغم أنها لم ترد في القرآن والسنة، وبعضها (كالحزن الشديد على الميت) مكروهة، وبعضها مرفوضة ومحرّمة قطعاً، وكل ذلك بما لا يتعارض مع أصل من أصول الدين. فمن البدع الحسنة التي أحدثت بعد النبي صلى الله عليه وسلم: 1. جمع المصحف بين الدفتين بإشارة عمر على أبي بكر خوف ضياعه رضي الله عنهما. 2. اجتماع الناس على صلاة التراويح برأي عمر رضي الله عنه. 3. زيادة عثمان رضي الله عنه أذاناً ثانياً يوم الجمعة. رواه البخاري 4. جمع عثمان للقرآن على الترتيب الذي عليه المسلمون حتى اليوم. 5. نقط يحيى بن يعمر المصاحف. رواه أبو داود السجستاني. 6. وضع أبي الأسود الدُّؤَليّ قواعد النحو بعد استشارة علي كرم الله وجهه. 7. الجهر بالصلاة على النبي بعد الأذان.