بقلم الكاتب و السينارست والمُعد المصري وائل مصباح المقال الثالث والثلاثون ثقافة الاحتفال بيوم الحصاد الثوري مع اقتراب الاحتفال بالذكرى الثانية لقيام ثورتنا الوليدة تزداد الحاجة إلى تعلم ثقافة الاحتفالات،وكلنا نكتفي بالطعام واللهو كما يحدث في أعياد الميلاد أو الأفراح،وقد نردد بعض الاغانى أو نضرب نار،ولأن مصر بلد زراعي اعتمد اقتصادها منذ أقدم عصورها التاريخية على الزراعة فلقد تعددت الأعياد التي ارتبطت بالزراعة والفلاح،ففي كل عام كان المصريون يترقبون وصول مياه الفيضان الذي يأتيهم كل عام بالخير فيبذرون البذور وينتظرون حتى موعد الحصاد الذي كان بالنسبة لهم من أهم المناسبات التي تدعوهم للاحتفال،وكان موسم الحصاد هو موسم البهجة في طول البلاد وعرضها تعم فيه الاحتفالات كل أرجاء مصر وكان مناسبة طيبة للفرق الموسيقية والمغنيين والراقصين والراقصات لكي ينتقلوا من قرية إلى أخرى ومن منزل نبيل إلى آخر فيقيمون الحفلات الموسيقية التي يرعاها الموسرين من كبار حكام الأقاليم وكبار الموظفين وفيها تفرش الموائد ويتم طهي أشهى الأطعمة وينال الأطفال حظهم من البهجة والسرور بفرحة هذه الأعياد،مثلما نحتفل في يومنا هذا،فيحصلون على الثياب الجديدة ويمنحون الهدايا من لعب الأطفال،وبالطبع كان العمل يعطل في هذه الأعياد وتتوقف الدراسة بالنسبة لتلاميذ وطلبة العلم في المدارس التي كان المعبد يشرف عليها،فماذا نحن فاعلون في يوم حصاد ثورتنا المصرية الجديدة؟ ولمن يطالب بإلغاء الاحتفالات خوفا من الفوضى أقول له ليس من الحكمة تحطيم إشارات المرور للقضاء على الازدحام المروري! وأجمل ما في أعياد أجدادنا الفراعنة هو ارتباطها بالتعمير والتشييد فكان يوم انتهاء مشروعاتهم الكبيرة يوم عيد بالنسبة لكل من عمل فيه،فكان يوم انتهاء بناء الهرم عيداً يحتفل فيه كل المصريين بإتمام المجموعة الهرمية لملكهم الذي كان يحكم وفق مبادئ الحق والعدل،ولقد اثبت التاريخ في جميع مراحله المختلفة إننا كشعب نتوحد في وقت الأزمات أو المشاريع الكبرى كبناء السد العالي على سبيل المثال،فلماذا لا نُفعل ذلك ونجعل لكل عام هدف معين نحتفل بإنجازه في نهاية هذا العام؟ فعام لإزالة ألغام الصحراء الغربية،وأخر لتطهير النيل،وثالث لتعمير الصحراء على مراحل،ورابع لرسم خريطة سياحية جديدة لمصر تشمل كل الأماكن في جميع محافظتنا التي لم اعد اعلم عددها على وجه التحديد!! وقد تختلف أساليب الاحتفال بالأعياد أو بمناسبة ما في ثقافة الغرب عنها في ثقافة الشرق، وذلك من حيث كم ونوع الأطعمة وذوق الملابس وتقاليد مراسم الاحتفال، حيث تؤمن ثقافة الغرب بنظرية اللعب وأهمية المرح في الأوقات المخصصة لذلك،فمن الممكن أن نشاهد زوجين من كبار أو صغار السن يستمتعان برقصة رومانسية في أحد الأماكن العامة أو خلال احتفال عائلي بالمنزل،وهو مشهد نادر الحدوث بين زوجين من أهل الشرق،فحينها تثار الكثير من تعليقات النقد والسخرية وإطلاق النكات،كما نجد أن هناك نوع معين من الأطعمة يتم تقديمه في الاحتفال بكل مناسبة،حيث يهتم الشرق بالكم الكثير والكرم الوفير إذا ما سمحت الحالة الاقتصادية بذلك،أما الغرب فيميل أكثر إلى الاهتمام بالقيمة الغذائية والعقلانية في تناول كميات الوجبات،ويلاحظ أيضاً أن هناك اختلافات في أسلوب استغلال وتنظيم الوقت واحترام المواعيد،فقيمة الحفاظ على الوقت وحسن تنظيمه واستغلاله تعتبر من السلوكيات اللصيقة بنمط الحياة الغربية،أما عندنا فمعظم المهام والأمور تسير وفقاً لمفهوم البركة" وخليها على الله"،فلا يوجد احترام للوقت. أما وسائل الإعلام فعليها دورا كبيرا فيجب أن توعي الجماهير وتهيئهم قبل موعد الاحتفال بفترة ليست بالقصيرة،ولابد من دعوة الشعراء والمبدعين للتاريخ لهذه المناسبة فما أحوجنا إلى مثل ذلك،أما وزارة التربية والتعليم فعليها مسؤولية جسيمة في غرس ثقافة الاحتفال وتوضيح فلسفة الاحتفال بكافة أنواعها عند النشء وتربيته على فعالية المشاركة الواعية بعيداً عن الفوضى والعشوائية، والأمر كذلك مطلوب من الجامعات لتوعية الشباب وتدريس ثقافة الاحتفال وحقيقة الوطنية والانتماء ودور المواطن الذي يضيف لبلده ومجتمعه بالعمل والإنجاز لا بالتهليل والتصفيق وفقط. وفي سبيل تحقيق الانضباط أصبح من المهم استصدار نظام أو تعليمات وربما بشكل أكثر قبولاً نسميها ( ضوابط الاحتفال) وهي بمثابة تعليمات يتم التقيد بها ويعاقب من يخالفها حتى نساعد رجال الأمن على أداء مهامهم ولندرأ عن وطننا احتمالات الأخطاء والعبث وتعطيل مصالح الناس،وختاماً فإن تجربة الاحتفال ما تزال جديدة علينا،وكل عام ومصرنا الغالية بأمن واستقرار ورخاء. إلى اللقاء في المقال الرابع والثلاثون مع تحيات فيلسوف الثورة وائل مصباح عبد المحسن