بقلم محمد عبد الخالق تكثر المواضيع النقاشية و يكثر المؤيدين و المعارضين . هذا يبدي رأيه و ذلك يطعن به فيأتي آخر ليبدي رأيه بحيادية .. و طبعا في آخر الموضوع .. ستكون الغلبة لصاحب رأي معنين هو لن يظهر أنه قد تغلب على منافسه بالنقاش و لكن اذا تابعت ردوده على الموضوع تفهم فكرته و تقتنع بها لأنه سيطر على خصمه و أجبره على ترك الموضوع .. كيف تم ذلك ؟ لا بد أن هناك منهجية معينة اتخذها هذا الطرف في طرح ردودوه و بناء أفكاره و اجبار من قرأ مشاركاته على فهم أنه على حق . الاشكالية اذاً : ما هي هذه المنهجية و ما هي أسس النقاش ؟ يمكن تشبيه شكل النقاش لتقريب الصورة كالهرم , تكون أنت و الأطراف الأخرى في الأسفل , ثم يبدأ الصعود درجة درجة الى أن يصل فكر واحد, و رأي واحد , يلوح براية الاقناع أعلى الهرم . اذاً هذا الحوار لا بد له أن نتهي مادام الأطراف قد عرفت و فهمت وجهة نظر بعضها و هدفه أصلا هو الوصول الى نتيجة . فان كان هناك حوار لا ينتهي بنتيجة فليس اسمه حوار أو نقاش . الكثير منّا يدخل بنقاشات كثيرة في الحياة اليوميّة , على الانترنت في المنتديات بشكل خاص , فلا يخرج من النقاش الا بصراخ , بشهيق , بزفير و عويل . أو كحد ادنى حاز على ما تيسر من الزعل و التعصب. و قد قال تعالى:{ وجادلهم يالتي هي احسن } . اذاً نستخلص أنه يجب أن يكون هناك تعاون بين أطراف النقاش للوصول الى نتيجة . فليس بالعيب أن ترى وجهة نظر غيرك أصح من وجهة نظرك أبداً. بل بالعكس يجب أن تفرح انك وجدت خطأً فيه و تسعى لاصلاحه . أولا الحوار : كما سبقت و أشرت أن الحوار أشبه بالهرم يبدأ من بقاعدته لينتهي بقمّته.فيجب التنبه أن أثناء الصعود لا بد أن تترك قلبك بالأسفل و تصعد بعقلك فقط . فالحوار الجاد يحتاج الى الأخير و فقط الى الأخير . كما ان أثناء الصعود قد تجد بعض العترات التي توقعك لترجع فيها الى الأسفل من جديد فتبدأ باعادة صياغة وجهة نظرك فالعثرة هنا هي :عدم صياغتك لفكرتك بطريقة صحيحة و بالتالي سوء فهم من قبل الجانب الآخر . ثانيا تكافؤ الفرص : لا بد لأطراف النقاش , أن يعطي كل منهما الفرصة للآخر بالتعبير عن رأيه .فلتتمهل و تترك له الفرصة ليفعل ذلك. والّا فان ترك الطرف الآخر للنقاش لن يعتبر استسلام بل سيعتبر استهزاءً لك . أما أن تنتظر و تعطيه الفرصة بالكلام ثم تعود و ترميه بحجة اخرى .. هذا هو النقاش بعينه و ستكون الأفضلية حينها لك بالوصول الى القمة و رفع راية الاقناع . ثالثا فهم وجهة نظر الآخر : هذه النقطة تعتبر من أهم النقاط في النقاش الهادف البنّاء . فيجب عليك أن تتمعن بوجهة نظر منافسك أكثر من مرة و ان تتمعن بكل حرف قاله . فلا ربما أنه وضع ثغرة في رده يستطيع بها استغلالك لتفهمه بطريقة خاطئة . فيعبر أمام الجمهور أنك لا تفهم محور الموضوع فكيف تدخل النقاش ؟ فانتبه من سوء فهم الموضوع أشد الانتباه و ذلك بقراءة كل الموضوع ان كان النقاش عبارة عن موضوع . رابعاً افهام وجهة نظرك للآخر : يجب عليك أن تصيغ ردك بطريقة أو بأخرى تجعل القارئ يفهم كل حرف تقصده . فان عدم فهمه لفكرتك سيعبر عن أن لم تستطع ذلك.وحاول دائما أن تبني وجهة نظرك على امور متأكد منها فتلحقها ببراهين و أمثلة . فان لم تكن متأكد منها,ضع بين الحروف ثغرات تستطيع من خلالها تبيان أنك لست متأكد فقل مثلاً ( أعتقد ان .. ) ان كنت لست متأكدا و لا تقل ( أنا متأكد .. ) .لان اذا اكتشف الطرف الآخر أن هذا الشيء الذي أنت متأكد منه غير صحيح يعبر عن جهلك . خامساً غربلة الموضوع : أي أنك يجب أن تحدد النقاط التي اتفقت معها مع الطرف الآخر فتبقيها في مكانها و لا تعد اليها . وتبقي الأمور المتخالف عليها معكما أثناء صعودكما لهذا الهرم.فبالتالي تركز على هذه النقاط و تتيح الفرصة للنظر اليها بشتى المناظير من قبل كل الأطراف . فان لم يكن هناك ذلك سيبقى الموضوع معقداً ,لا يفهم فيه أحداً أحدا . سادسا التزام النقاش الحضاري الهادئ : اعلم أيها المحاور أن أي تعد على شخصية الطرف الآخر أو اي اهانة كانت بطريقة أوبأخرى كالتعصب مثلا ليس سوى نتيجة يأسك من اثبات وجهة نظرك و الكل سيعرف ذلك . فان هذا التعدي الذي هو من دون أي مبرر , ليس من اللباقة و الأدب أولا و لن يوصلك لأية نتيجة بل بالعكس انّك ستزيد التشنج و البادي أظلم بكل الأحوال . سابعاً المواصلة والمواكبة : اذا ضاقت بك الأحوال فوجدت نفسك لا تستطيع اثبات رأيك . تابع بالموضوع و لا تتردد , تابع بطريقة حضارية لائقة . فان اقتناعك برأي الآخر ليس عيبا عليك بل هو بالفعل دلالة واضحة على اخلاصك لمعرفة الحقيقة و أن النقاش التي دخلت به ما كان الا عن نيّة معرفة هذه الحقيقة . ثامنا الاقتناع بالنتيجة : فان كنت أقنعت الطرف الآخر أو الرأي الآخر بوجهة نظرك , فلا تنتهج سلوكا استهزائياً أو انتهازيلّا اذا صح التعبير . فأنت في هذه الحالة قد طبقت كل ما سبق فوصلت الى هنا بثقافتك و موضوعيتك أما ان كنت الطرف الآخر و الذي قد اعترف بينه و بين نفسه أن رأيه ليس على صواب . فلا تحاول العودة الى النقاش و تعقيد الأمور و الابتعاد عن الموضوع , و عدم اظهار و تأكيد الحقيقة التي قد اعترفت بها بينك و بين نفسك . بل بالعكس يجب أن تتحلى بروح الموضوعية التامة و الابتعاد عن العصبية و التشبث بالرأي . قد يخالفني البعض في الترتيب و قد يخالفني البعض الآخر في المضمون و لكن هذا امر طبيعى فلكل وجهة نظره .