* محمد السباعي تحدث الأستاذ هيكل عن مجلس الأمناء وكيف أنه هو المخرج الوحيد لإنتقال السلطة بشكل سلمي ومتحضر، وبرغم تباين ردود الأفعال ما بين مؤيد ومعارض أو مستهزيء لكن هناك من قال بأن الدعوة هي حق يراد به باطل، فلماذا حق؟ وكيف يراد به باطل؟ وللإجابة على تلك التساؤلات يجب تحديد لمن الحق؟ وعلى من يعود الباطل؟ وأعتقد أن الإجابة على هذين السؤالين هما بيت القصيد... قول حق لأن فكرة مجلس الأمناء ليست إختراع وهي بالفعل الوسيلة السلمية ليس فقط لتداول السلطة ولكن فعليا لتغيير النظام وهنا ما يقصده من وصفها بأنه حق يراد به باطل مما يجرنا لنقطة أخرى وهي الفرق بين السلطة والنظام والعلاقة بينهما... السلطة في مصر بحكم التاريخ والجغرافيا والدستور تتمثل في رئيس الجمهورية أو الملك أو الخديوي أو الفرعون أي تتمثل في قمة الهرم والذي عادة ماكان يصنع من معدن نفيس يختلف عن بدن الهرم ذاته، أما النظام فهو ذلك القلب الجرانيتي، النظام هو محصلة المؤسسات التشريعية والتنفيذية التي تستمد سلطتها من قمة الهرم وتمارسها لأدارة الشئون الداخلية والخارجية. قد لا يرى البعض حتى الآن سبب الهجوم على مقترح مجلس الأمناء –وأرى- ببساطة شديدة أن رأس النظام أو السلطة ليست هي صلب القضية قدر كونه النظام نفسه ولنكون أكثر حيادية يجب تتبع الأمر من الواقع دون التحيز أو التبني لقضايا لا أعتبرها خاسرة أو منتصرة بقدر ما أعتبرها فرعية. عندما نرى الحشد الإعلامي سواء مع أو ضد قضية التوريث وبروز أسماء جديدة مقترحة لكرسي الرئاسة لا نشعر سوى بعملية إسقاط لتوجيه الحشد للمكان الخاطيء ويبدو أن هناك إتفاق ضمني بين النظام والمعارضة في توجيه الحشود بعيدا عن شيئا ما، فالقضية في حقيقتها لا علاقة لها بكرسي الرئاسة ولكن صمام أمانها هو ذات الكرسي... لا أعتقد أن أهمية الأمر في مقعد الرئاسة بعينه أو في تدوال السلطة أو حتى في تغيير النظام بقدر ما أرى أهمية الأمر وخطورته في التضحية، والتضحية في حالة ما وصل إليه النظام من فساد وتخبط تخطى به سلطة قمة الهرم ذاته أصبحت هي وسيلة أستمرار النظام القائم والذي قد يستحيل إصلاحه أو ترميمه، فالنظام قد وصل لمرحلة تشبه إلى حد بعيد نهايات عصر المماليك والمرحلة القادمة قد لا تختلف عن تولية محمد علي حكم مصر عام 1805 ميلادية والتي بدأها بمذبحة المماليك عام1811 ميلادية ربما كانت السنوات الستة بعد تولي محمد علي وقبل المذبحة هي مرحلة الإعداد والتجهيز لهيكل إداري يحل محل الهيكل المملوكي القديم لا لينفرد محمد علي بحكم البلاد فقط ولكن ليبدأ نهضة مصر الحديثة... عملية إنتقال او تداول السلطة المتمثلة في مقعد الرئاسة تحتاج فعليا لمجموعة من الضمانات... ضمانات تتعلق بالرئيس وضمانات تتعلق بالنظام والإحتمالات المقترحة والتي يتم وبتعمد إختزالها في مقعد الرئاسة هي إما التوريث أو الإنتخابات أو بمعناً آخر أنتقال مقعد الرئاسة لجمال مبارك أو غيره وفي الحالتين ستعم الفوضى أو مزيدً من الفوضى وتلك الفوضى هي نتيجة مصاحبة لتغير... في حالة تولي من هو غير جمال مبارك الرئاسة فلا توجد ضمانات حماية الرئيس مبارك كرئيس سابق مهما كانت الترتيبات فالنظام سيكون هو الباقي وسيضحي بالرئيس السابق كضمان لإستمرار النظام، فأي رئيس من خارج النظام أو من داخله غير نجل الرئيس الحالي سيقوم بمحاسبة النظام الحالي وبالتالي أي تفكير في إصلاح سينتج عنه تغيير نظام بالكامل من رأسه حتى قدميه، ففي حالة فساد الأنظمة بشكل مؤسسي فإن المرؤس في الهيكل النظامي هو من يرأس الرئيس بالفساد النظامي وهذا ما لن يسمح النظام به فلن يقبل النظام التضحية بنفسه مقابل أي دعوة أو دعوى للإصلاح... وفي حالة تولي جمال مبارك مقعد الرئاسة ستقوم جميع قوى المعارضة بتفجير الأوضاع الداخلية وستكون مصلحة النظام أيضا هي المشاركة في تصعيد الأوضاع لتنتهي مرة آخرى بالتضحية بجمال وكأنها رشوة النظام للقوى السياسية مقابل الإستمرار، وما أراه على الصعيد المحلي والعالمي من المراقبين هو الإنذار بوقوع الكارثة والحشد خلف أن تولية جمال مبارك الحكم سيؤدي لكارثة وأعتقد أن الكارثة تكمن في التضحية فمن سيضحي بمن أو من سيدفع الثمن ويهب بالقربان لمن ليستمر من وفي جميع الحالات فإن النظام هو الأقوى فالنظام بداخله مجموعة من الاجهزة السيادية كالجيش والشرطة والمخابرات وأمن الدولة والإعلام ومهما بلغ فساد تلك المؤسسات فلا يمكن إحلالها وتجديدها بقرار ولو كان حتى قرار جمهوري... تلك المؤسسات السيادية لم تعد مؤسسات قوامها الشعب بل تكاد تكون مؤسسات مستقلة تشترك جميعها في الفساد ويفوق تمسكلها بوجودها على حرصها على آداء دورها الوطني فلا عزيز في السياسة وحين تكون المصلحة المرجوة هي البقاء فسنجد النظام هو الطرف الأقوى في الصراع وبالتالي فإن مقترح هيكل يوضح ليس فقط ضرورة التضحية بالنظام ولكن أيضا يوضح شكل الصراع المستقبلي في سيناريو التوريث وما قد أختلف معه في مخرج الأزمة هو ترتيب الأفعال وليس طبيعتها والمخرج مبني على فكرة "من يملك القدرة على التضحية بالنظام؟" وهنا نستحضر مرة أخرى محمد علي ومذبحة القلعة... لا أجد من هو أقدر على القيام بتلك المذبحة في الوضع الحالي سوى جمال مبارك نفسه ولو لم يكن مستعداً لها فهي بلا شك تسن أنيابها إستعدادً له، أمام جمال مبارك مهمة الإعداد لتلك المذبحة والتي يجب أن تشمل أيضا على رجاله الذين زرعهم داخل النظام الحالي فالتوريث لم يعد هو مخرج أسرة الرئيس بل مخرج النظام لا ليستمر الوريث ولكن ليتم التضحية به ويستمر النظام... وأنتهي من حيث بدأت أن مقترح مجلس الأمناء ليس مقابلاً لفكرة التوريث بل بديل عن مذبحة وهذا ما يقصده الأستاذ هيكل عن عواقب التوريث ربما لم يوضح شكل المذبحة لكنه أشار لأطراف الصراع فيها وهي ببساطة السياسة والإجتماع وستستغل السياسة المجتمع للحشد ضد التوريث أو ضد الإنتخاب أو ضد أيا ما يهدد ضمانات إستمرار النظام لا مقعد الرئاسة وسينجرف الشعب والمعارضة لتحقيق وتوفير ضمانات إستمرار نظام فاسد... وفي النهاية أعتقد أن مقعد الرئاسة هو آخر ما يضر أو ينفع والأهم ليس الرئيس ولكن النظام قد يتغير الرئيس وقد يتولى جمال مبارك أو غيره بسلام أو ببعض المناوشات لكن تغير النظام لا يمكن أن يتم بدون مذبحة محمد على للماليك في قلعة الجبل في 1811 ميلادية ونحن جميعا نعرف المماليك لكننا حتى الآن في إنتظار محمد علي.