بقلم د. رفيق حاج لأولادنا الحق في اختيار شركاء حياتهم و تحديد اماكن سكنهم واختيار مسارهم المهني والاجتماعي والسياسي والمطلوب منا كأباء وامهات ان نوفّر لهم المناخ الملائم والتربة الصالحة لاتخاذ القرارات الصائبة التي ستوصلهم الى برّ الأمان. "ابناؤكم ليسوا لكم..ابناؤكم ابناء الحياة"؟ يا لها من مقولة عظيمة لجبران خليل جبران, فهو يدعونا ان نتخلّى عن "غيرتنا" "وحرصنا الزائد" على مصلحة اولادنا وان نَدَعهم وشأنهم.. يختارون ويتعلّمون من اخطائهم وأنّ كوننا آباء وامهات لهم لا يعطينا حق "الملكية" على قراراتهم وأذواقهم ورغباتهم ومسالكهم الحياتيه. ان تفوّقنا الذهني عليهم وتجربتنا الحياتية "الغنية" في مرحلة ما وحيازتنا للمصادر المالية التي هم بأمسّ الحاجة اليها لا يعطينا الحق المُطلق ان ناخذ القرار مكانهم مهما كنا متأكّدين من صحة نهجنا وصواب رأينا وخصوصا بما يتعلّق بحياتهم الشخصية ومساراتهم المهنية. عَجِبتُ من آباء وامهات يبذلون قُصارى جُهدهم لكي يسلك اولادهم مَسلكا مهنياً او ثقافياً او رياضياً او فنيا وتراهم يدفعون عشرات الآلاف من الدولارات ويشغّلون اكبر الوساطات في المنطقه ويهدرون نصف عمرهم ليكون ابنهم طبيبًا او محاميًا او موسيقياً او تاجرًا او قائدًا او لاعبَ كرةٍ دون الاخذ بالاعتبار انّ مؤهّلات وقدرات واهواء "اليافع الصغير" غير ملائمة لِما اختاروا له وتقع "المأساة العظمى" عندما يفشل الابن او الابنة في تحقيق امنية اهلهم. ومن التداعيات التي يمكن ان تحدث إثر ذلك الفشل هي ان يفقد الابن/الابنة الثقه بنفسه وبقدرته على النجاح في مسارٍ آخر, او ان يطوّر كراهية ونقمة ضد اهله الذين "ورّطوه" بمثل هذه الورطة واحيانا قد تتفاقم الامور بأن يقوم هذا الشاب اليافع بالهروب من البيت او حتى الإقدام على إيذاء نفسه جسدياً. لطالما تساءلت لماذا يقوم الأهل بإقحام ابنائهم في مسالك مهنية وتعليمية معيّنة دون التأكّد من فرص نجاحها ووصلت الى بعض التفسيرات الجزئية لهذه الظاهرة المنتشرة في مجتمعنا واليكم ببعضها- من الجائز ان يكون ذلك رغبةً منهم بأن يحترف ابناؤهم نفس المهنة التي يمارسونها وذلك حرصاً على الاستمرارية بالمشروع المهني او بالمصلحة الاقتصادية التي يملكونها فترى بعض الاطباء يقومون بهدر الاموال الطائلة على ابنائهم لدمجهم في كليات الطب مع ان مؤهلات ابنائهم غير كافية فإذا لم يوافوا شروط القبول في الجامعات الاسرائيلية يبعثوا بهم الى جامعات دول شرق اوروبا او جامعات الاردن اوايطاليا. هنالك من يدفعون ابناؤهم الى تحقيق ما لم يستطيعوا هم بانفسهم تحقيقه وهنالك من يقومون بذلك من دوافع غريبة عجيبة كالغيرة والاعتداد ومجاراة العصر. وإن توجّهت لمثل هؤلاء الأهل محاولاً اسداء النصيحة فتراه يجيبك بحزم وثقة لكي لا تعاود السؤال مرة اخرى "انا ابني لازم يصير دكتور". قبل ان نبدأ بمشروع تأهيل ابننا لمهنة المستقبل علينا ان نأخذ بعين الاعتبار ميوله وليست ميولنا, وان نحاول تقييم مؤهلاته وليست مؤهلاتنا, وان تهتم بتطلعاته وليست بتطلّعاتنا. من الجائز ان يكون صغيرنا يغثى من منظر الدم فكيف سيصبح طبيبا؟ ومن الجائز انه "يستحي من خياله" فكيف سيصبح محامياً ومن الجائز ان يكون فوضويا فكيف سيصبح مدقق حسابات؟ قد يميل صغيرنا ان يكون موسيقيا او ممثلا سينمائيا او رسّاما او مزارعا او رجل مبيعات او وكيل سفر او مرشدا سياحياً ولا علاقة بين تطلّعاته وبين "الخطة المدروسة" التي رسمناها له. ان الدمج بين المؤهلات والميول الشخصية هو امر هام من اجل تحقيق النجاح في مسار التأهيل الخاص بالابناء. وهنا على الاهل التخلي عن طموحاتهم وتطلعاتهم والاهتمام بطموحات وتطلّعات ابنائهم وهذا التنحّي جانبا مطلوب ليس من باب تعظيم فرص نجاحهم فقط وانما من باب سعادتهم وراحتهم النفسية. ان رسالتنا في هذه الحياة ان يَخلّفنا اولاد سعداء ومن بعدها نريدهم ان يكونوا "عظماء" او "اقوياء" او "ناجحين" او "مشاهير" فابناؤنا ليسوا لنا..انهم ابناء الحياة" لندعهم يختارون ويقعون في مغبة اختيارهم ومن ثمّ يستنبطون النتائج ويحاسبون انفسهم ويعيدون الكرة مرة تلو الاخرى ليحققوا النجاح المرتقب. لأولادنا الحق في اختيار شركاء حياتهم و تحديد اماكن سكنهم واختيار مسارهم المهني والاجتماعي والسياسي والمطلوب منا كأباء وامهات ان نوفّر لهم المناخ الملائم والتربة الصالحة لاتخاذ القرارات الصائبة التي ستوصلهم الى بر الأمان. علينا التوجيه والارشاد والحماية من الأخطار المحدقة لكن القرار النهائي يخصّهم والمرجو منا هو الدعم, التفهّم والمؤازرة. بإمكان القراء ارسال ردود فعلهم الى البريد الالكتروني:[email protected]