بقلم د. رفيق حاج لا مجال للمقارنة بين الاطر التي تنبثق من الديموقراطية التوافقية وتلك التي تفرزها الديموقراطية الانتخابية. ان الشرعية التي تكتسبها الاطر المنتخبة هي اضعاف اضعاف وهي تحمل في رحمها بذور الثورة والتجديد لا اريد الدخول في تفاصيل فشل او نجاح لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية في اسرائيل لسببين الاول- لا أحمل في جعبتي معلومات كافية حول انشطتها و طريقة عملها والانجازات التي نجحت في تحقيقها, والثاني- أي تطرق لقضايا عينية حول قصورات عينية او ضعف في المبنى او تآكل في آليات العمل سيفسّر من قبل كثيرين "كثورة على النظام" وكضرب اسفين في قلب الأمة, فالنقد لدينا يعني التهجم والتهجم يعني النقد, وكادا ان يكونان وجهين لنفس العملة, بغض النظر ان كان النقد بناءً ام هدّاما ام واعظاً ام لائماً. انا شخصيا اكنّ كل الاحترام والتقدير لقادتنا السياسيين وأطرنا القطرية واعتقد انهم ناس شرفاء ووطنييون ويعملون كل ما في وسعهم من اجل الحفاظ على هويتنا وارضنا في ظل نظام قمعي يميني متطرف. بنفس الوقت لا يختلف اثنان بأننا نعيش واقعا صعبا وأزمة مزمنة منذ قيام الدولة وحتى هذا اليوم. لا أحد يستطيع انكار معطيات الفقر, والبطالة, والخناق السكني, والعنف, وانعدام الأمان الشخصي. لا يختلف اثنان ايضا ان انجازات اعضائنا في الكنيست بكل ما يخص اوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية يكاد لا يُذكر لانهم اكتفوا بالنضال الاحتجاجي وبمقارعة السلطة, ولكنهم لم يترجموا, في نهاية الأمر, نشاطاتهم وفعالياتهم وصراخهم في وجه الظلم والظالمين الى إنجازات فعلية, وعندما نلومهم على ذلك فيشيرون لك بإصابع الاتهام الى الحكومة وسياستها العنصرية, وكأننا كنا نجهل ذلك وقد افاقونا من غفوتنا. أما بالنسبة لسطاتنا المحلية فهي غارقة في عجوزاتها المالية المتأزمة, وأوّل ما يشغل بالها ويقض مضاجعها هو خطر حلّها وثاني ما يُشغلها هو دفع المعاشات للموظفين. أظن ان هذا الوضع البائس لا يمكن ان يستمر الى الأبد. الجماهير العربية بحاجة الى حلول وقد بدأت بإظهار علامات الاعياء من الكنيست التي باتت ملعبا للاكثرية اليهودية, ولعل نسبة المصوتين العرب في الانتخابات الاخيرة التي لم تتجاوز %52 هي اكبر برهان على ذلك, وانني لاتوقع ان تهبط هذه النسبة الى مستويات أقل بكثير. اذا ما الذي ينبغي فعله من اجل انتشالنا من الوحل الذي نتخبص به ومن تلك الحلقات المفرغة التي وقعنا بها, والاجابة على ذلك هو علينا ان نأخذ زمام الأمور بأيدينا وان نبني اطارا قطريا يرعى شؤوننا ويسعى الى حل مشاكلنا الداخلية اعتمادا مصادر ذاتية داخلية وخارجية. وهنا يُطرح السؤال, وما الحاجة في اقامة اطار آخر بالاضافة أو بدل لجنة المتابعة لشؤون الجماهير العربية في البلاد؟. ان الاجابة على هذا السؤال قد لا تروق للمعنيين بخلدنة الوضع القائم. حسب رأيي المتواضع, اللجنة الحالية, مع كل النوايا الطيبة, غير قادرة على جرّ هذه العربة المُثقلة بالاحمال والهموم التي اول لها ولا آخر, وذلك لسببين رئيسين- الاول كونها تفتقر للمصادر المالية والموارد البشرية والطاقات المهنية المطلوبة لخوض معركة البناء الذاتي. نحن لسنا بحاجة في هذه الحقبة المميزة من التاريخ المواكبة للربيع العربي لماكنة احتجاج اضافية فلدينا مصنع ماكنات كهذه يعمل ثلاث نوبات في النهار, وقد وصلنا الى درجات متطورة جدا من المهنية في مجال "الاحتجاج" جعلتنا نفكر بجدية لتصديرها الى الخارج. والسبب الثاني هو كون لجنة المتابعة الحالية منبثقة من الديموقراطية التوافقية- أي لقد اتفقت التيارات الحزبية فيما بينها على نصب شخصية وطنية "محايدة" ليكون رئيسا لها, وكفى الله المؤمنين شرّ القتال. عندما اتفق ممثلو الاحزاب على نصب السيد "محمد زيدان" ليكون رئيسا للجنة المتابعة لم يسألوا أحدا منا, وافترضوا ان شرعية هذا الاطار منحدرة من الشرعية الذي مُنحت للاحزاب المختلفة من قبل المؤيدين, ولكن ماذا حول ال%50 الذين لم يشاركوا في انتخابات الكنبيست؟ من يمثلهم في هذا الاطار؟ وهل حالة الفقر والبطالة والخناق السكاني والعنف المستشرية في الوسط العربي هي قضايا للمساومة او قابلة لهضم وجهات النظر المختلفة بين الأحزاب؟!! على ما يبدو ان الصراع السياسي بين الاحزاب والتنافس على الصوت العربي وحرب الجرائد والمناشير انسوا قادتنا ان هنالك ساحة داخلية ينبغي اعمارها بالرغم من وقوعها في مياههم الاقليمية. لقد قمت بمراجعة تعريف واهداف ومبادئ ووسائل وآليات لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية فلم أجد ذكرا لكلمة "بناء" او اقشع مصطلح "البناء الذاتي" ابدا, بل هنالك خلط بين الوسائل والاهداف وطفرة من الشعارات التي تقص "العدو" الى نصفين مثل "الدفاع عن الحق الجماعي", "تحقيق السلام العادل", "الغاء كافة اشكال التمييز", "العمل على الغاء مصادرة الاراضي", "تحرير المقدسات" وغيرها من الشعارات الشمولية الملتهبة, ولا ينقصها غير شعارين اثنين وهما "استرجاع الاندلس" او "تطبيق قرار التقسيم". لا تقلقني نارية هذه الشعارات كما تقلقني شموليتها وعدم قدرتنا كمواطنين ان نقيس مستوى الانجازات التي قامت بها هذه المؤسسة, فحسبها, لن نستطيع ان نحاسب أحدا على تقصير أو تلكؤ ولا نجرؤ ان نُثني على نجاح او تألق احد فالاهداف "فضفاضة" وبها متسع لكل التعليقات والتفسيرات والتقييمات. لا مجال للمقارنة بين الاطر التي تنبثق من الديموقراطية التوافقية وتلك التي تفرزها الديموقراطية الانتخابية. ان الشرعية التي تكتسبها الاطر المنتخبة هي اضعاف اضعاف وهي تحمل في رحمها بذور الثورة والتجديد. ان القوة التي يستمدها القائد من تأييد الشعب المباشر له في صناديق الاقتراع يفوق بأضعاف القوة والنفوذ اللذان يتمتع بهما "القائد" الذي اعتلى "العرش" اثر اتفاق بين اطراف متنازعة. ان القائد الذي انتخب مباشرة من الشعب يستطيع ان يتوجه الى الشعب بعد ان تم انتخابه ويطلب دعمه واشتراكه في أي عمل جماعي يبادر اليه كاقامة صندوق وطني او التبرع لمشاريع خيرية او حتى المشاركة في مظاهرات قطرية واعتصامات. انني احلم (افنطز) بلجنة متابعة تعقد مؤتمرا صحفيا في الناصرة او تل ابيب معلنة عن نجاحها في تجنيد أموال لبناء جامعة او مستشفى او كلية او مصنع او متحف للتراث, او بالضغط على الحكومة لتشغيل 100 مهندس في شركة الكهرباء, او في اقامة مدينة عربية جديدة. نريد ارقاما بدل الشعارات. نريد معايير نجاح بدل الشمولية (وهكول كالول). ان أسوأ حالة يُمكن ان يصل اليها شعب هي فقدان قادتها لحلمهم, ونحن قاب قوسين او أدنى من ذلك.