بقلم د. رفيق حاج هنالك ديموقراطية وهمية في دولةِ اسرائيل تتلخّصُ بالنواحي الإجرائية اما الروح الديمقراطية فتكادُ تكون معدومة. إن استمرار مشاركتنا في هذه اللعبةِ الخاسرةِ لن يزيدنا الا خسارةً وخيبةً. لقد حَكمَت علينا "الأكثرية" ان نبقى خارجَ اللعبةِ وان نقبعَ في دكةِ الاحتياطِ الى الأبد. قد يكون "مجلس الحكماء" و"لجنة متابعة منتخبة" أطراً بديلة لحلّ المشاكل المتأزّمة التي نعيشها.. لقد "أنعمت" علينا دولةُ اسرائيل بالديموقراطيةِ بعدما كُنا نتخبّط في غياهبِ الجهلِ والظلماتِ والحمائلية والمَخترة, وأتاحت لنا انتخاب رؤسائنا في السلطات المحلية وممثلينا في البرلمان بشكل ديموقراطي ونزيه وخالِ من أية تدخّلات او ضغوطات حكومية, وبين الفترة والأخرى تُذكّرنا بأننا نعيش في بحبوحةٍ وننعمُ بالحريةِ التامةِ مقارنةً بإخواننا في الدول العربية الذين يرزحون تحت انظمة دكتاتورية قامعة ويعانون من حكام ظالمين يطلقون عليهم النار عندما يعتصمون في ميدان التحرير احتجاجا على اوضاعهم او عندما يتظاهرون في الشوارع مطالبين بنيل حُرياتهم الأساسية, وعلى هذا من المفروض منا ان نشكرها ليل نهار او على الأقل ان "نسدّ افواهنا" عند ذكر الحريات الشخصية. لا استغرب لو اتهمنا الاسرائيليون بأننا جاحدون وناكرون للجميل, فقد منحتنا دولة اسرائيل فرصة اختيار قادتنا السياسيين بشكل حُر ومستقل وعصري, واذا كنا نعاني من أزمة قيادة وانجازات متدنية فهذا ليس ذنبها وانما نابع من سوء اختياراتنا ومن عدم استعمالنا للنظام الديموقراطي كرافعة من أجل تحسين ظروفنا, واذا كنا نحن رافضين مساعدة انفسنا فلماذا نتوخّى المساعدة والتفهّم من الآخرين؟! لمنع الالتباس واختلاط الحابل بالنابل ينبغي هنا الفصل بين جانبين هامين للنظام الديموقراطي, فهنالك الجانب "الاجرائي" الذي يضم الشكليات والاجراءات الخاصة بعملية الانتخاب والاقتراع المتمثلة باختيار المرشحين من خلف ستار وتغليب رأي الاكثرية وايصال المرشح الأكثر تأييدا الى دفة الحكم وبين الجانب "المضموني" للديموقراطية الذي يُعنى بسيادة الروح الديموقراطية الحقّة والمُعبّرة بشكل فعلي وصادق عن رأي الجماهير دون اية ضغوطات واعتبارات غير موضوعية. على ما يبدو ان الجانب "الاجرائي-الشكلي" في دولة اسرائيل خالٍ من اية شائبة ولا يقل شأنا عن أي نظام ديموقراطي نيّر في العالم, لكن هنالك الكثير مما يُقال حول الروح الديمقراطية ومدى تجذّرها في نفوس المواطنين. اولا, انا اعتقد ان اشتراكنا كأقلية عربية في اللعبة الديموقراطية لانتخاب ممثلينا في البرلمان الاسرائيلي هي صُورِية لأننا مستثنون او مُبعدون (excluded) من المشاركة في النظام الحاكم عند اقامة الإئتلافات الحكومية. لقد اثبتت التجارب في الماضي ان الأغلبية اليهودية غير معنية بإشراك العرب في الحكم ومن يجرؤ من اليهود على اقامة ائتلاف حكومي استنادا على اصوات العرب فهو "خائن". هذا ما حصل لرابين عندما اقام حكومته استنادا على تأييد خارجي قام به اعضاء البرلمان العرب في السابق. على ما اظن ايضا, اعضاء البرلمان العرب غير معنيين بأن يكونوا جزءا من حكومة استيطانية ومحتلة لأراضي شعبهم. اذًا نحن نلعب في صفوف فريقٍ تصمّم ادارته بشكل منهجي ان تضعنا في دكة الاحتياط الى الأبد, واقصى "عطاء" يمكن ان تتكرّم به علينا دولة اسرائيل هو اللعب في ملعب "الصغار" المحاذي لملعب "الكبار" لكي نتسلّى ونتنافس فيما بيننا على ادخال الاهداف في شباك بعضنا البعض وكأننا تابعون لدوري آخر غير الدوري التي يضم الأكثرية اليهودية. في هذا السياق لا يمكن التقليل من شأن وقوف أعضائنا في البرلمان وما تبقى من اليسار الصهيوني بالمرصاد للقوى التي تنوي اقتلاعنا من وطننا, لكن هل "الوقوف بالمرصاد" والاحتجاج والتظاهر والتنديد هم ليسوا بديل لمشروع وطني يُعنى ببناء الانسان الفلسطيني في الداخل من جديد؟ ثانيا, وإذا تطرّقنا الى الديموقراطية السائدة في السلطات المحلية العربية فإن الأمر مختلف لأننا لا نستطيع لوم الجكومة او اتهامها بأنها وراء انتهاكنا السافر للمبادئ الديموقراطية. وانما ان نلوم انفسنا على إعارة ضمائرنا وتجميد ذممنا أبّان فترة الانتخابات. بعض رؤسائنا يفوزون "بالضربة القاضية" على منافسيهم, وبعضهم يحصلون احيانا على أكثر من ثُلثي الأصوات ولكن بعد اعتلائهم لعرش الجكم تراهم لا يقوون على جباية الضريبة البلدية من ثُلث الناس, مما يُثير العديد من الأسئلة والشكوك حول "شرعية" هذا الحكم. هل الشرعية التي تُمنح للرئيس نابعة من الأكثرية التي ايدته في الانتخابات؟ ام الأكثرية التي تُسانده وتقوم بواجبها تجاهه بعد الانتخابات؟ من الواضح ان فوز بعض مرشحينا يأتي عقب صفقات انتخابية مُسبقة ومصحوبة بوعود لتعيينات واعفاءات وعطاءات يتعهّد بها المرشح لممثلي الشرائح الانتخابية مقابل تأييدهم له. في كثير من الحالات يمتنع المرشح للرئاسة من القيام بحملة انتخابية-دعائية, ولا يكلّف نفسه بترتيب اجتماعات انتخابية او توزيع كراسات تحوي برامج عمل او خطط مستقبلية لأن كل ذلك لا يؤثّر على فرصه بالفوز, والأهم من ذلك هو القيام بمفاوضات مباشرة مع "متعهدي الأصوات". فأية ديموقراطية هذه؟ ومن هؤلاء الناس الذين يُقادون الى صناديق الإقتراع وينفذّون ما يأمرهم به ممثلوهم؟ أين الديموقراطية في دولة اسرائيل التي قامت بتعيين محاسبين مرافقين ل 51 سلطة محلية عربية ومنحتهم صلاحيات لا حدود لها لدرجة منع أي رئيس من اتخاذ اية خطوة بدون موافقتهم؟ اين الديموقراطية في دولة اسرائيل وسلطاتنا المحلية مُهددة بالحلّ وتعيين اوصياء عليها من حزب "شاس" ومُقرّبي الوزير؟ كأقلية عربية مُهمّشة في هذه البلاد نحن بحاجة الى صياغة مجددة للاطر السياسية التي تهدف الى نيل حقوقنا لأن الأطر القائمة واساليب النضال الحالية تؤديان الى طرق مسدودة. ما الجدوى من السير في طريق يؤدي بنهاية المطاف الى حلقات مُفرغة؟ إن استمرار مشاركتنا في هذه اللعبة الخاسرة والخائبة لن تزيدنا الا خسارة وخيبة. على الصعيد القطري قد يكون اندماجنا في "لجنة متابعة منتخبة" مباشرة من قبل المواطنين العرب ذا فائدة اكبر من اندماجنا في "معارك" الانتخابات للبرلمان الاسرائيلي وخصوصا اذا تواجدت المصادر المالية الذاتية والبشرية لتفعيل هذه الهيئة. وعلى الصعيد المحلي, قد يكون "مجلس الحكماء" حلاًّ مؤقتاً للمشاكل المتأزمة التي نعيشها ولو قُمنا بتعيين مجلس مؤلف من مهنيين وأكاديميين ونشطاء اجتماعيين في كل بلد عربي قد يكونون اكثر مسؤولية واهتماما بمصالحنا من المحاسبين المرافقين او اللجان المعينة ومن بعض الرؤساء الذين وصلوا الى الحكم بطرق ملتوية. نجن نعيش في أزمة, وفي الأزمات كما في الأزمات هنالك حاجة الى الابداع والتجديد والتضحية والا فسنظل قابعين في هذا المستنقع الى الأبد! البريد الالكتروني: [email protected]