بقلم : م. حسن شعبان منذ 30 دقيقة 28 ثانية رحل صديقي خالد عبدالناصر إلي مثواه الأخير بعد معاناة وصراع مع المرض، وكما كانت حياة خالد عبدالناصر صراعاً دائماً بين الماضي الجميل والحاضر المؤلم كانت أيضاً رحلته الأخيرة مع المرض. مر شريط الذكريات أمام عيني وتذكرت أول مرة تقابلت فيها مع أبناء الرئيس الراحل عندما كان أخي الأكبر يقوم بعمل نماذج الطائرات وتحليقها لأبناء جمال عبدالناصر وكان ذلك في أوائل الستينيات من القرن الماضي هذه الهواية البريئة التي تختلف تماماً عن هواية - بيع ديون مصر التي احترفها الآخرون - وتوطدت علاقتي مع خالد عبدالناصر في منتصف الستينيات، وكانت الصداقة والمودة والبراءة هي التي جمعتنا، ولم أشعر بوطأة مصادقة ابن الرئيس وثقلها ومحاذيرها، خاصة أن مجموعة من الأصدقاء الرائعة التي كانت تحيط به تتمتع بالشفافية ورجوله الشباب المبكرة. ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فوقعت هزيمة 1967 التي زلزلت أركان الوطن وكنت في السنة الثانية بكلية الهندسة وكان خالد عبدالناصر بالسنة الأولي بنفس الكلية وخيمت سحابة سوداء علي نفوسنا و«زاد الطين بلة» أن سقطت والدتي مريضة وما أن علم خالد عبدالناصر بذلك إلا وقام بإبلاغ والده الذي أقر بسفر والدتي للعلاج بالخارج علي نفقة الدولة - باعتبارها زوجة أحد رواد أساتذة الجامعة - وعادت والدتي من الخارج موفورة الصحة وأنعم الله عليها بالشفاء ولكن ظل شبح الهزيمة يخيم علي أرجاء الوطن مما أنقص فرحتنا بعودتها سالمة. وما أن بدأت محاكمات قادة الطيران الذي دمرته إسرائيل في نصف ساعة حتي خرجت المظاهرات عقب صدور أحكام هزيلة لا تتناسب مع فداحة الكارثة.. اللهم أن المتسبب في هذه الكارثة هو شخص آخر غير هذه القيادات ولأول مرة وضعت في خيار صعب إما أن أجامل صديقي خالد عبدالناصر كما جاملني في شخص والدتي المريضة، أو أن أخرج في مظاهرة تندد بالهزيمة وبعبدالناصر الذي تسبب هو ومجموعة ورثة ثورة 23 يوليو وكذا مجلس الشعب الجاهل الذي صفق لعبدالناصر عندما أغلق مضايق تيران - التي لم نعلم معظم موقعها علي خريطة مصر - في وجه الملاحة الإسرائيلية التي لم نعمل حتي بمرورها في مياهنا الإقليمية حتي ساعة إغلاق المضايق، وكان الاختبار الثاني فقد غلبتني مصريتي، غلبت صداقتي لخالد عبدالناصر وحبي لجمال عبدالناصر وكنت ضمن مجموعة الاعتصام خلف أسوار كلية الهندسة في مارس 1968 واعتقلت بعد ذلك - لا أدري هل اعتقلت عن طريق المصادفة أو عن تتبع - هذا له حديث آخر ليس مجاله هذا المقال. وعندما صدر بيان 30 مارس استأنفت علاقتي مع خالد عبدالناصر الذي هتف بسقوط والده رافضاً الهزيمة كأن شيئاً لم يكن. واستمرت صداقتي مع خالد عبدالناصر أقوي مما كانت ولا أنسي زيارتي له في منزل الأسرة بالمعمورة - استراحة الرئيس - وكانت في وجود الرئيس جمال عبدالناصر، مرتدياً زياً أبيض اللون أفضي عليه هالة أسطورية، بالإضافة إلي ما كان يتمتع به من جاذبية طاغية، ومشاهدتنا أفلاماً عن الرحلة العلاجية لجمال عبدالناصر لأسخلطوبو في الاتحاد السوفيتي سابقاً.. وكانت هذه آخر مرة أري فيها جمال عبدالناصر قبل الرحيل المفاجئ عام 1970 واستمرت علاقتي مع خالد عبدالناصر وكنت أري علامات الألم بادية علي وجهه من حين إلي آخر، عندما يري تنكر الناس له وكنت أحس بالحرج لتنكري لواجب الصداقة عندما خرجت في مظاهرة ضد عبدالناصر رافضاً الهزيمة، ولكن رؤيتي لمحبي عبدالناصر وابنه مشيعاً لمثواه الأخير التي كانت بمثابة مظاهرة حب وإخلاص لا يحتمل النفاق في جنازة كانت أقرب إلي المظاهرة فيها إلي جنازة صديقي خالد عبدالناصر.. وأكرر أسفي، فقد غلبت مصريتي ناصريتي ومازالت. *مساعد رئيس حزب الوفد