مع كل طلعة شمس أمل، عندما تمتد أشعتها تمنح الحياة لكل من على الأرض، لكن هناك من يختبئون من الموت الكامن في ضيائها، إنها العدو الشرس، الوحش الذي يقتل بلا رحمة. لا يحن قلب «القرص المتوهج» هناك في كبد السماء. لا يرق. لا يتراجع عن حكم صدر بقتل الزهور البريئة. وإلى أن يحين أجلهم لا يخرجون إلا بعد غروب الشمس، فهم محبوسون بين جدران كئيبة طيلة النهار.. حياتهم القصيرة لا تتاح لهم إلا مع ظهور القمر. حين تختفي أشعة الشمس تمامًا قد يسمح لهم بمغادرة سجنهم الاضطراري. إنهم ليسوا مصاصي دماء كما تروي الأساطير ولا خفافيش تسكن الكهوف، بل هم بشر أطفال أبرياء لا حول لهم ولا قوة، يفترس المرض أجسادهم الضئيلة بعد أن يذيقهم كل أنواع الألم حتى يقضي عليهم. لا لذنب لهم سوى أنهم «أطفال القمر»! «هناك في بيتهم الصغير الهادئ غمرت الفرحة منزل محمد جمال في صيف 2010 قبيل ثورة يناير العظيمة، بسبب بشرى وضع زوجته مولودها الأول ياسين، ومع مرور الوقت كبر الرضيع وتصاعدت الآمال كي يصبح مهندسًا أو طبيبًا نافعًا يخدم أسرته وأبناء وطنه، لكن الفرحة لم تكتمل حين لاحظ والداه بعد إجرائهما عملية الختان «الطهارة» له في بداية الشهر السادس، ظهور بقع سوداء في الأماكن الظاهرية كالوجه والطرفين كاليدين والقدمين، وظنًا أبواه أن الرضيع تعرض لنوع من الحساسية أثناء الختان، ومع مرور الوقت بدأت البقع السوداء في الانتشار بشكل كثيف وسريع، ومن هنا كانت الصدمة بعد عرضه على طبيب متخصص في الأمراض الجلدية الذي اخبرهما بأن ياسين مصاب بمرض سرطاني نادر يصيب الأطفال نتيجة تعرض الجلد لنوع من الحساسية المفرطة للأشعة فوق البنفسجية المتولدة من الشمس، تتطور فيما بعد إليى ورم سرطاني خبيث ينتهي بالوفاة، قبل بلوغ سن العاشرة. ولم تشفع استشارة أحد أكبر أطباء الأمراض الجلدية بالمركز القومي للبحوث بعد حمل الأم في مولودها الثاني، الذي طمأنهما بعدم وجود أي احتمالية لإصابة المولود الجديد بمرض ياسين، لكنهما كانا مع موعد جديد مع الآلام النفسية ومواصلة المعاناة، حيث أصيبت «ماريا» المولود الثاني للأسرة في شهرها الثالث بنفس مرض شقيقها ياسين بعد عمل ثقب في أذنيها لتعليق قرط ذهبي، ومن ذلك الحين بدأت رحلة علاج بشكل مزدوج للرضيعين، استخلصلوا من هذه الرحلة ضرورة الاحتفاظ بطفليهما داخل المنزل وعدم خروجهما إلى الشارع حتى لا يتعرضا إلى الاشعة فوق البنفسجية التي تزيد من انتشار البقع السوداء وتعرضهما للموت في سن مبكرة. الحقيقة التي استيقظ عليها الوالدان هي ان طفليهما مصابان بمرض نادر وخطير، يعرف علمياً باسم زيروديرما بيجما توسيم» Xeroderma pigmentosum أو مرض أطفال القمر أو التقرح الجلدي الاصطناعي، يمكن اختصاره باسم XP، اكتشفه الطبيب موريتز كابوسي «Moritz Kaposi» سنة 1870، أعراض المرض تبدأ بحساسية جلد شديدة ضد أشعة الشمس، والتهابات في العين وتصل الإصابة إلي أعلي قمتها بسرطان الجلد والعين، بنسبة مضاعفة تصل 1000، مرة مما هو عليه الحال لدى الأشخاص العاديين، وأعراضه ناتجة عن فقدان الADN لخاصيته في معالجة الطفرات نظرا لغياب انزيم بوليميراز 1 و3، المسئول عن معالجة الطفرات الناتجة عن اختراق الاشعة فوق البنفسجية للجلد، وغيابه يؤدي إلى كثرة الطفرات، وفي النهاية الإصابة بسرطان الجلد. معاناة يقول محمد جمال والد الطفلين المصابين بمرض «أطفال القمر» أو ما يعرف ب«أعداء الشمس»، أتألم في اليوم كل ثانية، وأنا عاجز عن توفير العلاج اللازم لحالة ياسين وماريا المحكوم عليما بالموت في أي وقت، فحتي الآن لا يوجد علاج للمرض، لكني اعمل وزوجتي علي توفير بيئة مناسبة تساعدهما علي البقاء أكبر فترة ممكنة»، وتابع طرقنا أبواب أشهر الأطباء المتخصصين في الأمراض الجلدية والعصبية والجميع اجمع أنه من الأمراض النادرة، ففي مجتمعنا يصاب واحد في المليون من المواليد الحديثة، وان الله أراد ان يختبر إيماني بإصابة طفليّ ياسين وماريا، وأن مرارة التجرية بحالة الطفلين منحتنا شجاعة التحلي بصبر سيدنا أيوب عليه السلام، بعد طرقنا كافة الأبواب حتي نتمكن من التعايش مع ما اصابنا و توفير مناخ جيد للطفلين. أعراض المرض.. تكاليف باهظة من العوائق التي تزيد من محنة الأسر التي لديها مصابون بمرض «أطفال القمر»، حيث قد تصل لأكثر من ثلاثة آلاف جنيه للطفل الواحد مما يسبب كارثة للأسرة خاصة أنها تكون مصاحبة له مدى الحياة، وبأسي شديد وحزن بالغ تشير نجوي إبراهيم سالم والدة ياسين وماريا،إلي انها تعيش في مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، وتضطر وزوجها للسفر بصفة مستمرة إلي القاهرة لعرض ابنيهما المصابين علي الأطباء المتخصصين الذين أكدوا أن المرض الذي أصابهما ناتج عن جين وراثي نتيجة درجة القرابة التي تربطهما دون أن يقوما بإجراء التحاليل اللازمة قبل الزواج، وتابعت»أصيب ابني الأكبر ياسين البالغ من العمر 5 سنوات ونصف بالمرض عقب إجرائه عملية الختان «الطهارة» في الشهر السادس من مولده، كما أصيبت ابنتها ماريا عقب ولادتها بثلاثة أشهر بنفس مرض شقيقها ياسين بعد عمل ثقب في أذنيها لتعليق قرط ذهبي،وذلك رغم طمأنة أحد أطباء الأمراض الجلدية بالمركز القومي للبحوث بصعوبة حمل جنينها بنفس المرض. وتقول: «فوجئنا بظهور بقع» نقط «سوداء بشكل أوضح في الأماكن الظاهرية كالوجه واليدين والقدمين، مع التهاب شديد في العينين وتشقق وانتفاخ في جلد الوجه ما أدي إلي إغلاق العينين بشكل كامل في دورة مرضية تستمر لمدة ثلاثة أيام، وتهدأ حساسية الجلد بعد أخذ الأدوية المناسبة من مراهم وكريمات وحقن غالية الثمن تصل كلفتها لأكثر من 3000 جنيه، وتنتهي دورة العلاج بترك أثر بسيط من البقع السوداء علي الوجه خاصة إذا حافظنا علي إبقائهما داخل المنزل ومنعهما من التعرض للشمس». واحد في المليون بحثنا عن هذا المرض النادر وسألنا الأطباء والمختصين لتؤكد كل النتائج ان نسبة الإصابة بالمرض في الشرق الوسط مولود لكل 100 ألف وكشفت دراسات طبية أن نسبة المصابين بهذا المرض تختلف حسب القارات، ففي أوروبا وأمريكا يوجد مولود واحد ضمن مليون شخص، فيما يصاب مولود واحد لكل 100 ألف مولود في اليابان والبلدان المغاربية والشرق الأوسط. المأساة وكما تقول الأم البائسة أن الطب الحديث لم يتوصل حتي الآن إلي علاج فعّال وتضيف الام أن أبنها الأكبر ياسين يعاني أيضا من قصر في الأوتار وماريا مصابة بأنحاء في العمود الفقري وألم في الأعصاب، وأن الاطباء المتخصصين أخبروهما بأن هذه الأعراض قد تكون ناتجة من مرضهما الأصلي، وأن الطب الحديث لم يتوصل حتي الآن إلي علاج فعال، وكافة النصائح الطبية تعمل علي تقليل أثار المرض والحفاظ علي المصابين داخل منازلهم وعدم التعرض إلي الشارع حتي لا يتعرضوا إلي الأشعة فوق البنفسجية النابعة من الشمس. إحصائيات تشير الاحصائيات الي إمكانية إصابة طفل واحد من كل 25 طفلا بمرض وراثي ناتج عن خلل في الجينات وتشير آخر الإحصائيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، أن عدد المعاقين في مصر في تزايد مستمر وأنهم يمثلون حوالي 13% من إجمالي عدد السكان منهم حوالي 73% من أصحاب الإعاقة الذهنية، مع توقع أن يصاب طفل واحد من كل 25 طفلا بمرض وراثي ناتج عن خلل في الجينات أو بمرض له عوامل وراثية خلال الخمس وعشرين سنة من عمره. ويتوقع أن يصاب طفل واحد لكل 33 حالة ولادة لطفل حي بعيب خلقي شديد، كما يصاب نفس العدد بمشكلات تأخر في المهارات وتأخر عقلي، وتسعة من هؤلاء المصابين بهذه الأمراض يموتون مبكرا أو يحتاجون إلي البقاء في المستشفيات لمدة طويلة، وهو ما يترك تبعات مالية واجتماعية ونفسية. كيفية العلاج يقول الأستاذ الدكتور محسن سليمان، أستاذ الأمراض الجلدية والتناسلية والعقم بطب قصر العينى، أن مرض «أطفال القمر» ينتقل بصفة متنحية أي أن يكون الزوجان حاملين للجين المسئول عن إصلاح الأضرار التي تسببها تعرض الأشخاص للاشعة فوق البنفسجية مما ينتج عنها مواد مسرطنة في مراحل العمر الأولي قرابة السنتين، أو يصيب الأشخاص البالغين من سن 40: 50، مؤكدا أن المراحل الأولي للمرض تظهر بإحمرار في الجلد وحساسية في العين من الضوء مسببة التهابات في ملتحمة العين، يظهر بعدها بقع جلدية كالنمش تتزايد بصورة مستمرة لتصبح حبيبات جلدية تتطور إلي أورام سرطانية بمختلف أنواعها، فمنها السرطان القشري والسرطان القاعدي وسرطان الجلد الملون،الذي يعد اخطر انواع السرطان التي تصيب جلد الانسان المسببة للوفاة، وهناك 7 أنواع أخري تختلف حسب شدة نقصان الانزيم أو وجود أعراض مصاحبة له كالأطفال المصابين بالتخلف الإدراكي أو التخلف العقلي. وأضاف أن هناك نوعا نادرا يصاب به الكبار دون أن يعانوا من نقص في الإنزيم بدرجة كبيرة، وقد يتمكنون من البقاء والتعايش حتي سن 40 أو 50، في حين يموت أكثر الأطفال المصابين بالمرض في أعمارهم الأولي وبحد أقصي 20 عاما. وأوضح أستاذ الأمراض الجلدية والتناسلية والعقم بطب قصر العينى،أن العلاج يتركز في منع زواج الاقارب، مع ضرورة إجراء الفحص الطبي قبل الزواج، للوقاية من الأمراض الوراثية،وللحافظ على الصحة العامة للابناء، مشيرا الي أن هذه الامراض النادرة التي يمكن تشخيصها قبل الولادة في مراحل الجنين الأولي بحيث يتم أخذ الخلايا الموجودة في السائل الامنيوسي «Amniotic» للمرأة ويتم تعرضها للأشعة فوق البنفسجية للتعرف علي وجود الجين أم لا، فما قد يساعد علي منع زاوج الأقارب بقدر الإمكان ومن ثم نتمكن من تقليل معدلات الاصابة بالامراض الوراثية. وشدد الدكتور محسن سليمان علي ضرورة توفير نمط حياة خاص وقاس للمصابين يتطلب فيه عدم تعرضهم لاشعة الشمس «الأشعة فوق البنفسجية»، سواء كانت طبيعية أو أصناعية كالاشعة الناجمة من الأجهزة الكهربائية الطبية، أو من شاشات الكمبيوتر و التلفزيون، وارتداء واقيات الشمس داخل البيت وخارجه،ارتداء ملابس غير نافذة للضوء للجلد بحيث لا تكون شبكية أو تحوي فتحات تتخل منها الأشعة لهم،مع أهمية تغطية الجسم بشكل كامل وذلك بارتداء قفازات لليدين وجوارب للقدمين وتغطية الوجه بقبعة عريضة مانعة لنفاذ الاشعة فوق البنفسجية،حتي نساهم في تخفيف وتيرة تطور المرض بشكل سريع. وعن طرق العلاج لمرضي أطفال القمر في مراحله الأولي المبكرة، أكد الدكتور محسن سليمان، إن العلاج يتم بإزالة الأورام السرطانية للأشخاص المصابين بالطرق العلاجية المختلفة كالجراحة أو بالليزر وبذلك نساهم في تخفيف وتيرة تطور المرض بشكل سريع، لافتا أن عدد من الدول الأوربية والعربية ساهمت في تخفيف العبء عن الأسر التي لديها مصابين بالمرض، باصطناع بيئة داخلية آمنة من تعرض المصابين لأي أشعة سواء طبيعة أو اصطناعية، كافتتاح مدارس داخلية يقيم فيها المصابون طيلة حياتهم.