كان لإنشاء مسرح شلاتين بقاعتيه للكبار والصغار آثار إيجابية، خاصة أن هذا النشاط يجيء ليخدم منطقة مصرية غالية علينا وفي كثير من الأوقات كانت محل نقاش وكانت مطمعا لدول أخري حيث شكك البعض في انتمائها المصري برغم الخرائط الواضحة التي لا تقبل الشك أو المناقشة.. جاء المسرح ملبيا أحلام أبناء شلاتين وحلايب، شاهدوا أعمالا فنية وثقافية وأدبية جددت فيهم روح الانتماء لمصر خاصة أن المسئولين عن قصر ثقافة شلاتين كانوا في قمة العطاء لكل المبدعين ورواد الفكرة بدأت منذ مارس الماضي حيث فكر المخرج المسرحي محمد فؤاد ومصمم الديكور مجدي ونس في إنشاء مسرح للكبار وآخر للصغار فوق هذه البقعة الغالية علي قلب مصر - شلاتين، وبسرعة تحمس الاثنان وبدآ في تجسيد الحلم علي أرض الواقع، وقد وجد الاثنان تشجيعا واضحا من رجال قصر ثقافة شلاتين الذين ذللوا كل المشاكل والعراقيل وقدموا عرضين الأول للكبار بعنوان «ليل الغناء والدهب» والثاني للصغار بعنوان «العنب بتاعنا مش للتعلب». وكان من المقرر أن يكون عرض مسرحية الكبار ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح وهذا يكون رهانا علي قومية الشلاتين، خاصة بعد نجاح العرضين المسرحيين اللذين فاقا كل التوقعات.. وإلي جانب ذلك فقد كانت المسرحيتان مركزا لتفريخ مواهب جديدة من شلاتين الي جانب اكتشاف مواهب شابة وتنمية ممثلين من شلاتين كانوا دون عمل ولم تكن الظروف متاحة لهم لإقامة عروض تستوعب طاقاتهم وأحلامهم وطموحاتهم. والمدهش أيضا أنه كان هناك وعد بأن يكون عرض الأطفال ضمن فعاليات مهرجان صيف ولادنا لتحريك الفرق والعرض.. ولكن المؤسف أنه لم يتحقق هذا ولا ذاك بل بقي الأمر علي ما هو عليه، وهذا ما يجعلنا خائفين من أن يتقلص حماس الفنانين والعاملين في المسرحيتين أو يدب فيهم الإحساس بالإحباط بعد أن وصل حماسهم الي عنان السماء واتفقوا مع المخرج علي أعمال جديدة نابتة من أرض شلاتين. المخرج المسرحي محمد فؤاد مؤسس فرقة شلاتين المسرحية يقول: بعد ثورتي 25 يناير و30 يونية أحسست أن بداخلي تحديا كبيرا نحو تفعيل مسرحنا المصري خاصة بعد أن تاهت المفاهيم واختفي المسرح الجاد وأطاح المسرح التجاري علي مسرح الدولة وعلي المسارح المستقلة التي أثبتت في وقت قصير نجاحها في وجه الفنون الأخري، من جهة أخري كانت تؤلمني أوضاع مسرح الأقاليم وإحساسي بأن هناك مناطق كبيرة ومحافظات في جنوب مصر لا يصلها المسرح، ولا أبالغ إذا قلت إن هذه جريمة، لأن الثقافة الجماهيرية في مصر قد نجحت في السنوات الأخيرة ومنذ إنشائها في أن تكون حائط صد أمام أي غزو فكري وارد وأي شوائب يمكن أن تتسلل الي عقول الشباب في سنوات الظلام التي عاشتها مصر.. وكان المستنيرون هم الأمل الوحيد في مقاومة هذا الليل الطويل، حتي انتصروا بفضل الشعب المصري الواعي في تفجير ثورتي 25 يناير و30 يونية وأحسبها من أهم ثورات مصر، ولهذا كان لابد أن نعي لدور المثقف في وطنه.. ونحن لابد ألا ننسي أن مصر كانت تعيش سنوات طويلة تحت مؤامرة تخيم علي ضمير الأمة وعلي تاريخها وعلي نضالها.. ويكفي أن وصلت المؤامرة الي أن يتنازل بعض المسئولين في مصر في سنوات غيبوبة البلاد - عن حلايب وشلاتين - لدولة أخري وهي قمة الخيانة والمهزلة.. كان علينا كفنانين أن نثبت للعالم الي جانب الخرائط الواضحة علي مدي التاريخ أن حلايب وشلاتين مصرية ولا جدال في هذا ولا سجال.. وبدأت أنا وزميلي فنان الديكور المعروف مجدي ونس في التفكير في إنشاء فرقتين مسرحيتين خاصتين بشلاتين ولم يكن بها مسرح.. وأعترف بأن الفكرة تعثرت قليلا إلا أننا تحدينا أنفسنا وقاومنا كل العراقيل ونجحت التجربة ولكني فوجئت بفنانين من شلاتين كبارا وشبابا ونساء وبنات وصغارا.. في قمة الحماس حتي إنني استطعت أن أكون فريق عمل مسرحي للكبار والصغار يعتمد عليه ويمكن أن يكون مواجها لأي فرقة كبري ومستعدا للمنافسة مع فرق القاهرة الراسخة، فقد اكتشفت نماذج بارعة بل عبقرية في عالم التمثيل والغناء وما زاد دهشتي سلامة أدائهم اللغة العربية الفصحي بطلاقة ووضوح وتمكن يجعلني أطلق عليهم أنه ليسوا مجرد هواة بل هم محترفون بكل المقاييس، ونجحت المسرحيتان اللتان قدمتهما للكبار والصغار نجاحا جماهيريا كبيرا تأكدت من بعده أن الشعب الشلاتيني عاشق للفن والأصالة والحداثة معا.. وهو شعب مستنير يحب العلم والعمل.. وأنا سعيد بتجربتي في شلاتين وأتمني من وزير الثقافة الكاتب الكبير حلمي النمنم أن يشجع الفرقة الشلاتينية المسرحية ويعترف بها في المهرجانات خاصة بعد نجاحها نقديا وجماهيريا وهذا التشجيع من شأنه دعم طاقات شباب فناني شلاتين لأني أخشي أن يدب الإحباط في نفوسهم خاصة بعد نجاحهم الساحق.. فإذا بهم يجدون أن الجزاء والمكافأة.. هو جزاء سنمار، وهذا ما لا أتخيله في عهد الرئيس السيسي ووزارة حلمي النمنم. أما فنان الديكور مجدي ونس قال: أطالب الوزير المستنير حلمي النمنم بتفعيل إنتاج مسرح الشلاتين قبل أن يقتله الروتين وأنا أثق بأن «النمنم» سيعيد الحق لأصحابه بعد أن كاد الروتين أن يقتلنا والحقيقة أن تجربتي مع المخرج محمد فؤاد كانت قصة كفاح ولم تكن مجرد إنشاء فرقة مسرحية أو إخراج نصوص للكبار والصغار.. القضية احتاجت منا الكثير من الجهاز ونحن لم نستسلم لأي عراقيل حتي صعوبة الطقس هناك تحملناها.. وكنا نعيش في شلاتين تحت درجة حرارة وصلت الي 55 و60 درجة مئوية.. كانت حرارة قاتلة، وبرغم ذلك كان الحماس يدب في عرقنا حتي إننا لم نشعر بأي ألم.. وكان كل كياننا موجها لهدف واحد هو إنشاء فرقة مسرحية لشلاتين، لأن شلاتين المصرية لم تكن تمتلك مسرحا قبل أن تطأ أقدامنا أنا ومحمد فؤاد أرضها الطاهرة.. واليوم أحس بأننا أنجزنا ليس هدفا فقد بل عشرات الأهداف.. فقد تحول المسرح الي ساحة لتقديم فن مسرحي، الي جانب تقديم ندوات ثقافية وأمسيات شعرية ويمكنهم أيضا استضافة مهرجان المسرح هناك.. حتي يمكن أن يحضره وزير الثقافة ويتعرف علي الجهد والفاعلية التي حدثت في مكان غال علي أرض مصر. كما أن إقامة مهرجان المسرح المصري القومي هناك يؤكد مصرية شلاتين وعراقتها وتاريخها وحضارتها.