آداب أسيوط تطرح برنامج الترجمة باللغة الفرنسية بنظام الساعات المعتمدة    لماذا يُستبعد الموظف من الترقية رغم استحقاقه؟.. 3 حالات يحددها قانون الخدمة المدنية    تنسيق المرحلة الثالثة 2025 علمي علوم.. قائمة كليات تقبل من 50%    «من خفيفة إلى متوسطة الشدة».. وزير الري يتابع موقف التعامل مع الأمطار بجنوب سيناء    الإحصاء: ارتفاع عدد سكان مصر في الداخل إلى 108 ملايين نسمة.. ويولد طفل كل 16.7 ثانية    السبت 16 أغسطس 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    تدوير مخلفات الموز.. ندوة في دندرة بقنا    ندوات توعوية للسيدات المترددات على الوحدة الصحية بقرية عزيزة رشيد بالشرقية    ترامب: أمنح لقائي مع بوتين تقييم 10 على 10    غارات إسرائيلية على مناطق متفرقة في غزة.. مراسل القاهرة الإخبارية يكشف التفاصيل    خوان جارسيا على رأس قائمة برشلونة لمباراة ريال مايوركا في الليجا    ملك الأرقام القياسية.. محمد صلاح قريب من تحقيق رقم تاريخي بالدوري الإنجليزي    ذهبيتان وبرونزية لمصر في نهائي السيدات ببطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 سنة    بيرسي تاو ينضم إلى بطل الدوري الفيتنامي في صفقة انتقال حر    سؤال برلماني للحكومة بشأن تكرار حوادث الحرائق في القليوبية وما تسببه من خسائر بشرية ومادية جسيمة    الداخلية: ضبط 117 ألف مخالفة مرورية بينها 133 حالة تعاطي مخدرات خلال 24 ساعة    السياحة توقع مع شركة الراجحي عقد خدمة الحج السياحي بالمشاعر المقدسة    متحف ركن فاروق يعرض منضدة ملكية نادرة احتفالا بعيد وفاء النيل    موقف غير متوقع يختبر صبرك.. حظك اليوم ل مواليد برج الدلو 16 أغسطس    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولتكن البداية بميزان العدل والحق!?    رئيس الرعاية الصحية: التشغيل التجريبي لمستشفى السباعية المركزي بأسوان بعد إعادة إنشائها بتكلفة 482 مليون جنيه    الصحة تنظم يوما علميا لأطباء الأسنان بمستشفيات الصحة النفسية مع تقديم خدمات ل86 مواطنا    إنقاذ سائق وتباع بعد انقلاب سيارتهما أسفل كوبري أكتوبر| صور    بعد عطلة الجمعة.. مواعيد القطارات من محطة بنها إلى المحافظات السبت 16 أغسطس 2025    اليوم.. وزير الشباب والرياضة يزور محافظة بورسعيد    أكسيوس: ترامب أبلغ زيلينسكي وقادة الناتو أن بوتين يفضل اتفاق شامل لإنهاء الحرب    خالد سليم يلتقي جمهور القلعة اليوم ضمن فعاليات الدورة 33 في هذا الموعد    وفاة والدة صبحي خليل وتشييع جثمانها بعد صلاة الظهر    18 قتيلا و24 مصابا فى حادث سقوط حافلة وسط العاصمة الجزائرية    أمين الفتوى يوضح حكم من تسبب في موت كلاب بغير قصد وحقيقة طهارتها    السيسي يوافق على ربط موازنة هيئة دعم وتطوير الجامعات لعام 2025-2026    محاكمة 6 متهمين في خلية «بولاق أبو العلا» الإرهابية| بعد قليل    مدير الرعاية الصحية بالأقصر يتفقد 5 مستشفيات بالمحافظة لمتابعة الخدمات    فيتامينات شائعة تسبب مشاكل صحية غير متوقعة.. احذرها    وزير الخارجية يحذر من خطورة أوهام إسرائيل الكبرى    الأمم المتحدة تحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة    وزارة الأوقاف تحدد 15 نقطة لاستغلال وقت الفراغ والإجازة الصيفية.. اعرفها    أسعار الفراخ اليوم السبت 16-8-2025 فى الأسواق بالمنوفية    مصرع وإصابة 15 شخصًا في حادث تصادم ميكروباص بسيارة نقل بالوادي الجديد    90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 16 أغسطس 2025    بدائل الثانوية العامة محاصرة بالشكاوى.. أزمات مدارس «ستيم» تثير مخاوف العباقرة    اليوم، انطلاق تصفيات مسابقة "دولة التلاوة" ووزير الأوقاف يقرر بثها على 4 قنوات    موعد إجازة المولد النبوي الشريف لعام 2025 في مصر    عمر طاهر عن الأديب الراحل صنع الله إبراهيم: لقاءاتي معه كانت دروسا خصوصية    حلا شيحة تفاجئ جمهورها ب إطلالة محتشمة في أحدث ظهور.. ماذا قالت؟    بوتين يدعو كييف والقادة الأوروبيين إلى عدم عرقلة "التقدم الناشئ"    ترامب يغادر ألاسكا بعد قمته مع بوتين    محمد معيط يشارك في عزاء وزير التموين الأسبق علي المصيلحي    خطاب: التغييرات الكثيرة أثرت علينا ضد الأهلي.. والمباراة مرت بمرحلتين    مفاجآت في قائمة الزمالك لمواجهة المقاولون العرب    مصرع طفل غرقا في حمام سباحة ببني سويف    بقيادة صلاح.. ليفربول يفوز بصعوبة على بورنموث برباعية في افتتاح البريميرليج    «مرسال» يعلن إطلاق مبادرة الإستثمار الزراعي في كينيا    عبيدة تطرح فيديو كليب أحدث أغانيها «ضحكتك بالدنيا»    النيابة العامة تُقرر إخلاء سبيل صاحب فيديو المتحف المصري الكبير    «لو بتكح كتير».. تحذير قد يكشف إصابتك بمرض رئوي خطير    وزير الأوقاف السابق: إذا سقطت مصر وقع الاستقرار.. وعلينا الدفاع عنها بأرواحنا (فيديو)    حكم من مات في يوم الجمعة أو ليلتها.. هل يعد من علامات حسن الخاتمة؟ الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة أولية فى دور تركيا بالمنطقة
تركيا فى بيتنا.. ماذا تريد؟
نشر في الوفد يوم 18 - 09 - 2011

"لعبة الأمم، الشعوب" عنوان كتاب شهير للمخباراتي الأمريكي مايلز كوبلاند، يوضح المناورات التي يمثلها الساسة فيما بينهم على "مائدة القمار"، وتكون أوراق اللعب في أيديهم، هي حقوق الشعوب، ومصالحها، ومصائرها، وسواء في ذلك شعوبهم، أو شعوب غيرهم،
واللاعبون في هذا المجال ليسوا هم الدبلوماسيين وحدهم، وإنما يقوم رجال المخابرات، والدبلوماسية الخلفية بدور هام لا يشعر به الرجل العادي، ولا يعرف عنه شيئا إلا بعد مضي فترة طويلة من الزمن أو قد لا يطلع عليها إطلاقا.
-1 -
أثارت موجة الاحتجاجات والثورات التي تجري في بعض الدول العربية، منذ نهايات عام 2010 وبدايات عام 2011، عديدا من التساؤلات حول عدد من القضايا الاستراتيجية التي تتعلق بأدوار اللاعبين الدوليين والإقليميين وتصور مستقبل المنطقة في ضوء التغيرات المستجدة التي يمكن اعتبارها بمثابة نقطة تحول تاريخية في مسار منطقتنا والعالم.
وفي ضوء التحرك التركي الأخير في المنطقة من خلال الزيارات وإبرام الاتفاقات في كافة المجالات، كان لابد في هذا السياق أن نقترب ونركز على تحليل الدور التركي – باعتبار تركيا أحد أهم الأطراف اللاعبة في المنطقة - وكيفية تعاطيها مع هذه المتغيرات في منطقة الشرق الأوسط واستشراف مستقبل تطوره.
-2 -
شهد العقد الأخير تركيزا إعلاميا (غير مسبوق) على النموذج التركي في المنطقة العربية والعالم الإسلامي وإبراز مواقف تركيا تجاه بعض الملفات والقضايا الاستراتيجية والمحورية التي تهم المنطقة، لاسيما عقب وصول حزب "العدالة والتنمية" إلي المشاركة في السلطة بأغلبية في نوفمبر 2002، ومنذ اللحظة الأولى حرصت قيادات الحزب المنتقلة إلى الحكومة الجديدة علي إبراز تبنيها لبلورة رؤية مختلفة لسياسة تركيا وعلاقاتها الخارجية، وبخاصة تجاه دول الشرق الأوسط التي كانت تناصبها ما يشبه العداء والانفصام خلال المرحلة التاريخية الماضية. تبع ذلك، الاهتمام بإبراز ما وصلت إليه تركيا من التقدم في عناصر القوة خلال العقود الماضية، حيث باتت تحتل المرتبة الأولي بين اقتصادات المنطقة والسادسة عشرة علي المستوي العالمي.
صاحب ما سبق - إعلاميا أيضا - زيادة إلقاء الضوء على الموقف التركي تجاه القضايا المفصلية في المنطقة (فلسطين، احتلال وتقسيم العراق، برنامج إيران النووي، إسرائيل، الحرب على غزة، الثورة المصرية، الثورة الليبية، الاحتجاجات في البحرين، الثورة السورية،..إلخ)، فإذا وضعنا بجانب ذلك توليها رئاسة منظمة المؤتمر الإسلامي والقيام بمهمة تطوير أدائها خلال السنوات الماضية، لعرفنا أبعاد وحجم بروز تسويق النموذج التركي بأبعاده المختلفة في المنطقة.
-3 -
هذا التدشين الإعلامي "النشط" لنموذج وحيد – النموذج التركي – والتحرك الاستراتيجي النوعي خلال الفترة الزمنية القصيرة نسبيا يثير عددا من التساؤلات الجدلية حول طبيعة وحقيقة دوافع هذا السلوك، فربما كان الهدف منه ببساطة تحقيق المصالح الوطنية التركية وفقا لحسابات برجماتية خاصة بتركيا، وقد يكون هناك تحول حقيقي في السياسة الخارجية نحو منطقة الشرق عموما والدول العربية على وجه الخصوص في إطار استعادة الدور "الأممي الإمبراطوري" وبهذا فإنه لا يصلح لقيادة مثل هذه المرحلة إلا حزب ينتسب للإسلام، وربما - من وجهة نظر ثالثة - أن ما يحدث هو تحول في الأساليب والأدوات لكنه لا يعد تحولا في الدور والتوجه الاستراتيجي، أي إنه استمرار للدور الوظيفي لتركيا في إطار الخطة الاستراتيجية للغرب في محيطها الآسيوي والعربي مع ارتباط ذلك – بلا شك – بسعي تركيا نحو زيادة مساحة نفوذها وتوسيع دائرة مصالحها وتعدد حلفائها.
-4 -
هذه الرؤية جسدتها محاولة حكومة الحزب - العدالة – "ذي الخلفية الإسلامية" خلال تحركاتها الالتزام بنهج توفيقي علي كافة المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، فكان خطابها الداخلي يركز علي المصالح الوطنية البرجماتية والتأكيد على السعي الدؤوب لزيادة استقلالية الرؤية التركية كدولة إقليمية لها مصالحها المحددة ذاتيا بشكل مستقل عن التبعية لارتباطاتها الغربية من ناحية أخرى، في الوقت ذاته يتم إعادة صياغة الخطاب حين التوجه به لشعوب البلدان الأخرى – خاصة الإسلامية والعربية - بطريقة توضح حرص تركيا على قيم العدالة والحرية ورفضها كل أشكال الإمبريالية ومحاربتها ما يضر بمصالح الشعوب الأخرى، أضف إلى هذا اتخاذ بعض المواقف المعلنة في مناسبات مختلفة على المستوى الدولي لا يمكن لغيرهم اتخاذ مثلها، لكنها نجحت خلال هذا في تجنب الصدام المباشر مع رؤى ومصالح وترتيبات الولايات المتحدة والقوي الإقليمية الأخرى الفاعلة في المنطقة.
هذا التحرك الأفقي التركي واجهه العديد من الصعوبات، من أهمها: حدود قدرات الدولة التركية (جغرافيا، سكانيا، موارديا)، وصعوبة الحفاظ علي معادلات التوازن علي مستويات الداخل (القوى الداخلية، وأهمها المؤسسة العسكرية والقوى العلمانية وبعض الحركات المسلحة المرتبطة بإيران وسوريا) والإقليمي (إيران، إسرائيل، الخليج، مصر) والدولي (أمريكا، فرنسا، أوروبا، روسيا) بشكل متزامن دون اعتماد هذه المعادلات علي تعاون كل تلك القوى على كافة المستويات والتوفيق معها كلها أو بعضها حسب الملفات المطروحة، ما يطرح التساؤل الملح عند هذه النقطة وهو: كيف وفقت تركيا مصالحها مع تلك القوى؟*
-5 -
ما قلناه أعلاه لم يكن بدرجة من الوضوح في السنوات الماضية كما بات عليه الآن عقب اندلاع الثورات العربية والتي تباينت تجاهها مواقف تركيا حسب "لعبة" التوازنات والفاعلين في كل بلد، فتبنت القيادة التركية ردود أفعال بدت مختلفة في الدرجة والسرعة تجاه كل ثورة على حدة. ففي البداية، لاحظنا أنها اتبعت الصمت والمتابعة المتوجسة تجاه اندلاع الثورة التونسية - جارتها على الشاطئ الآخر من المتوسط - وحليف فرنسا الاستراتيجي (المناوش الغربي لتركيا).
ثم، وعقب انتقال شرارة الثورة إلى مصر، بات رد الفعل التركي أكثر قوة وصراحة وعلوًا، فدعت مبارك ومنذ اللحظة الأولى إلي إدخال إصلاحات جوهرية وحقيقية تحقق مطالب "الجماهير" المحتجة، متبعة ذلك بتوجيه النقد المباشر والعلني لمبارك حتى كانت من أوائل الدول التي طالبته علانية بالاستجابة لمطالب الثوار بالتنحي والرحيل، جاء ذلك في خطاب أردوغان أمام البرلمان التركي في بداية فبراير 2011، وكان هذا التصريح تطورا هاما؛ إذا أخذنا في الاعتبار سرعة تحول الموقف وسقف المطالب، ونوعيا كونه سابقة في حالة السياسة التركية بالتدخل المباشر في شئون داخلية لدولة تمثل قوة إقليمية في حجم الدولة المصرية، ودعم طرف في صراع لا يرتبط بحال بأمن تركيا.
المشهد بدا مختلفا تماماً في حالة البحرين، حيث سلكت تركيا مسلكا تنسيقيا دبلوماسيا مع القوى الإقليمية، واكتفت بدعوة الأطراف (النظام البحريني، السعودية، إيران) إلي محاولة ضبط النفس والابتعاد عن العنف، والتوجه إلى الحوار والإصلاح بشكل عام، دون توجيه انتقاد مباشر للسلطة البحرينية، على العكس هنا فقد طالبت القيادة التركية المحتجين بالاستجابة لمبادرات السلطة الإصلاحية. ويكاد يتطابق هذا الموقف تجاه الاحتجاجات في اليمن، حيث تجنبت تركيا التدخل المباشر، واكتفت بمناشدات عامة لتحسين مستقبل اليمن من خلال الإصلاح والتحول الديمقراطي، وآخرها دعم المبادرة الخليجية لانتقال السلطة، ثم التزام الصمت التام.
ولكي تتضح الصورة أكثر نراجع رد الفعل التركي وتحرك السياسة الخارجية تجاه الوضع في ليبيا (والتي تمثل العمق الاستراتيجي لها من جهة المتوسط)، حيث بدت في عمومها أكثر تحفظا فرفضت طرح التدخل الخارجي في ليبيا مبدئيا، ثم عارضت فكرة فرض العقوبات انتقدت صراحة الخطط التي طرحتها فرنسا للتدخل العسكري عن طريق الناتو (حتى اتهمها الثوار بدعمها للقذافي)، ثم بعد إنفاذ ما رفضته سابقا شاهدناها تسعى بشدة لأن تتواجد تحت أي شكل ولو في شكل جهود الإغاثة الإنسانية والمساهمة في حملة الناتو لحظر التسلح، حسب تصريحات أرودغان مؤخرا.
غير أن الحالة السورية استدعت معالجة خاصة من تركيا، فبدا الموقف التركي تجاه الاحتجاجات المستمرة والمتصاعدة متذبذبا أو كما وصفه البعض "مزدوجاً"، بدأ صاعدا وشديد اللهجة ويميل للجماهير المحتجة، ثم هابطا عقب اجتماع وزير الخارجية التركي مع بشار الأسد في سوريا، بإعطاء مهلة للإصلاحات المطروحة من نظام الأسد، فالتعاطف المعلن مع الثوار والدفع في تنشيط دور المجتمع المدني داخل تركيا في إعلان تضمانه مع الثورة والثوار واستضافة أنشطتهم بدا في مجمله محاولة للحفاظ على رصيد مكاسب الخطاب التركي على مستوى الشعوب العربية والإسلامية، وعدم حسم موقفها بل ربما التأييد الضمني لنظام الأسد بدا فيه حرصا على الحفاظ على بقائه في تلك المرحلة وعدم الرغبة في تغييره في تلك المرحلة.
-6-
كطبيعة كل المواقف السياسية تتعدد التفسيرات والدلالات في فهم ردود الأفعال المسرودة سابقا، فثمة من يراها مرتبطة بمصالح تركيا الوطنية بالأساس، ومن يعتبرها مؤشرا على التخلي عن الأسس التوازنية لرؤية العمق الاستراتيجي بتدخلها المباشر في الشئون الداخلية لبعض دول المنطقة وانحيازها لقوى وطرف دون أطراف أخري. لكن شبه التطابق في المواقف التركية الأوروبية تجاه المتغيرات في المنطقة يفرض تفسيرا آخر بعيدا عن الشعارات التي ترفع بدعوى مساعدة الدول في التحول الديموقراطي وحق الشعوب في اختيار مصيرها التي علت أحيانا وغابت في حالات أخرى، ويشير بوضوح بأن ما يجري في المنطقة هو تصفية للاعبين قدامى وإحلال للاعبين جدد مناسبين للتحول الاستراتيجي والأسلوب الجديد في التعامل مع خريطة المنطقة في ضوء المتغيرات والانتقال إلى مرحلة تاريخية أخرى تتبنى فكرة التغيير ب"الثورة السلمية" بديلا عن "الانقلاب العسكري".
وإذا كانت عملية الاستنتاج والاستشراف بطبيعتها محاطة بالعديد من الصعوبات لأنها في مجملها تُبنى على قراءة المعطيات والمعلومات المتوفرة، فإننا هنا نواجه موقفا أكثر صعوبة بالنظر إلي حالة تلاحق وتسارع التغيرات التي تشهدها المنطقة، غير أن الصعوبة تتلاشى شيئا فشيئا إذا أخذنا في الاعتبار أن من سمات الخطط الاستراتيجية أنها لا تتغير خلال فترة زمنية قصيرة وإنما التغيير يكون في الخطط التكتيكية، وفي هذا الاطار نطرح عدد من السناريوهات التي يمكن أن تؤدي إليه التحركات التركية في هذه المرحلة:
أولاً: أن يتم استخدام التغيرات الجارية كلها بهدف تعزيز حضور تركيا في المنطقة، مع زيادة جاذبية "نموذجها" والاسترشاد بردود أفعالها ومواقفها وأدوراها، خاصة في ظل انكفاء وتراجع وضعف القوي العربية، وعلى ذلك يتم تفعيل زيادة الدور لشغل مساحة الفراغ الإقليمي (الذي تم إحداثه) والذي نتج عن انشغال كل دول المنطقة بمعالجة قضاياها الداخلية، وعدم قدرتها على الانتباه في الوقت ذاته إلى ممارسة دورها الخارجي (الإقليمي والعالمي) بفاعلية، وهو ما يشكل امتدادا للأوضاع خلال مرحلة ما قبل اندلاع الثوارت والاحتجاجات في المنطقة. فكما أشرنا سابقا إلى أن هذا الصعود التركي مرتبط بشكل أساسي بالتنسيق مع القوى "اللاعبين" الإقليميين (الإيراني – الخليجي) والدوليين. وعلى هذا فإن تركيا – حسب هذا السناريو – تلعب على تعزيز صورتها ودورها في الخطط والتفكير الاستراتيجي الغربي-الإسرائيلي كنموذج وحليف ديمقراطي أكثر استقرارا وضمانا لتحقيق مصالحه.
ثانيا: سيناريو آخر نطرحه في هذا السياق ملخصه أن تركيا تبحث عن تعزيز دورها بالدفع في اتجاه نجاح الثورات وخروج طبقة جديدة أكثر انفتاحا تجاهها والعمل على تفعيل وزيادة التنسيق والتعاون بين دول المنطقة وتركيا، وسيكون العامل الاقتصادي أهم المداخل في المرحلة الحالية، حيث الدول العربية تعاني من ضعف وانهيار اقتصادي مع زيادة وتنوع مواردها، فيمكن من خلال طرح خطط للإصلاحات الاقتصادية عن طريق النموذج التركي الاقتصادي – الذي تم تسويقه جيدا خلال العقدين الماضيين - أن تسهم في تحسين التعاون الاستراتيجي بين تركيا ودول المنطقة، وتفعيل عدة مشروعات ضخمة لربط النهوض الاقتصادي بها.
ولأن الثورات العربية يُفترض منها أن تبحث عن تغيير ملامح سياستها الخارجية، حتى تُعطي انطباعا لدى الجماهير الثائرة بتغيير النظام وتحقيق نتائج الثورة، فهي الآن تبحث عن حليف يدعم صورة استقلالها ويوحي بانفصالها عن مرحلة ما قبل الثورة، وذلك لا يكون إلا من خلال بدائل استراتيجية تمثل فيها تركيا النموذج الكامل على المستوى الإقليمي، خاصة في ظل الطرح القائم في تلك البلدان من إمكانية تولي مقاليد الحكم بعض القوى القادمة على خلفية دينية.
ثالثا: السيناريوهان السابقان يفترضان استمرار سيطرة النظم القائمة على مقاليد السلطة في البلدان العربية الثائرة، غير أن هناك سيناريو آخر يقوم في مجمله على احتمال نجاح قوى وطنية حقيقية في الاختراق والنفاذ والتسرب من خلال الثغرات في الخطط الاستراتيجية ل"الاعبين" المحليين والإقليميين والدوليين، وهذا قد يؤثر سلبا في تسويق هذا الدور الاستراتيجي التركي، وطرح سيناريو موازي يحتل فيه الدور المصري بجدارة محل "اللاعب" الأساسي في المنطقة، وسد الفراغ الإقليمي الذي عملت الخطط الأمريكية-صهيوينة على إحداثه خلال العقود الماضية ومحاولة شغله بقوى إقليمية ظلت مرتبطة بمصالح مباشرة معها (تركيا – إيران) ومتعارضة بشكل كامل مع مصالح دول المنطقة.
وللحديث بقية..
---------------------------
*في أواخر يوليو الماضي زار الجنرال ديفيد بتريوس الذي عين مؤخراً رئيسا لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية تركيا، وأكد على أن مسيرة التعاون الوثيق بين البلدين ستستمر. وتباحث في ملفات عدة متعلقة بالمنطقة – لم يتم الكشف عن ماهيتها - مع مسؤولي رئاسة الأركان العامة التركية ووزير الخارجية احمد داودأوغلو. وقد سبق هذا زيارة لليون بانيتا المدير السابق لل CIA نهاية شهر مارس الماضي واستغرقت الزيارة خمسة أيام كاملة، قابل خلالها نظيره التركي هاكان فيدان وعدد من المسؤولين في الحكومة التركية ورئاسة هيئة أركان الجيش التركي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.