«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة أولية فى دور تركيا بالمنطقة
تركيا فى بيتنا.. ماذا تريد؟
نشر في الوفد يوم 18 - 09 - 2011

"لعبة الأمم، الشعوب" عنوان كتاب شهير للمخباراتي الأمريكي مايلز كوبلاند، يوضح المناورات التي يمثلها الساسة فيما بينهم على "مائدة القمار"، وتكون أوراق اللعب في أيديهم، هي حقوق الشعوب، ومصالحها، ومصائرها، وسواء في ذلك شعوبهم، أو شعوب غيرهم،
واللاعبون في هذا المجال ليسوا هم الدبلوماسيين وحدهم، وإنما يقوم رجال المخابرات، والدبلوماسية الخلفية بدور هام لا يشعر به الرجل العادي، ولا يعرف عنه شيئا إلا بعد مضي فترة طويلة من الزمن أو قد لا يطلع عليها إطلاقا.
-1 -
أثارت موجة الاحتجاجات والثورات التي تجري في بعض الدول العربية، منذ نهايات عام 2010 وبدايات عام 2011، عديدا من التساؤلات حول عدد من القضايا الاستراتيجية التي تتعلق بأدوار اللاعبين الدوليين والإقليميين وتصور مستقبل المنطقة في ضوء التغيرات المستجدة التي يمكن اعتبارها بمثابة نقطة تحول تاريخية في مسار منطقتنا والعالم.
وفي ضوء التحرك التركي الأخير في المنطقة من خلال الزيارات وإبرام الاتفاقات في كافة المجالات، كان لابد في هذا السياق أن نقترب ونركز على تحليل الدور التركي – باعتبار تركيا أحد أهم الأطراف اللاعبة في المنطقة - وكيفية تعاطيها مع هذه المتغيرات في منطقة الشرق الأوسط واستشراف مستقبل تطوره.
-2 -
شهد العقد الأخير تركيزا إعلاميا (غير مسبوق) على النموذج التركي في المنطقة العربية والعالم الإسلامي وإبراز مواقف تركيا تجاه بعض الملفات والقضايا الاستراتيجية والمحورية التي تهم المنطقة، لاسيما عقب وصول حزب "العدالة والتنمية" إلي المشاركة في السلطة بأغلبية في نوفمبر 2002، ومنذ اللحظة الأولى حرصت قيادات الحزب المنتقلة إلى الحكومة الجديدة علي إبراز تبنيها لبلورة رؤية مختلفة لسياسة تركيا وعلاقاتها الخارجية، وبخاصة تجاه دول الشرق الأوسط التي كانت تناصبها ما يشبه العداء والانفصام خلال المرحلة التاريخية الماضية. تبع ذلك، الاهتمام بإبراز ما وصلت إليه تركيا من التقدم في عناصر القوة خلال العقود الماضية، حيث باتت تحتل المرتبة الأولي بين اقتصادات المنطقة والسادسة عشرة علي المستوي العالمي.
صاحب ما سبق - إعلاميا أيضا - زيادة إلقاء الضوء على الموقف التركي تجاه القضايا المفصلية في المنطقة (فلسطين، احتلال وتقسيم العراق، برنامج إيران النووي، إسرائيل، الحرب على غزة، الثورة المصرية، الثورة الليبية، الاحتجاجات في البحرين، الثورة السورية،..إلخ)، فإذا وضعنا بجانب ذلك توليها رئاسة منظمة المؤتمر الإسلامي والقيام بمهمة تطوير أدائها خلال السنوات الماضية، لعرفنا أبعاد وحجم بروز تسويق النموذج التركي بأبعاده المختلفة في المنطقة.
-3 -
هذا التدشين الإعلامي "النشط" لنموذج وحيد – النموذج التركي – والتحرك الاستراتيجي النوعي خلال الفترة الزمنية القصيرة نسبيا يثير عددا من التساؤلات الجدلية حول طبيعة وحقيقة دوافع هذا السلوك، فربما كان الهدف منه ببساطة تحقيق المصالح الوطنية التركية وفقا لحسابات برجماتية خاصة بتركيا، وقد يكون هناك تحول حقيقي في السياسة الخارجية نحو منطقة الشرق عموما والدول العربية على وجه الخصوص في إطار استعادة الدور "الأممي الإمبراطوري" وبهذا فإنه لا يصلح لقيادة مثل هذه المرحلة إلا حزب ينتسب للإسلام، وربما - من وجهة نظر ثالثة - أن ما يحدث هو تحول في الأساليب والأدوات لكنه لا يعد تحولا في الدور والتوجه الاستراتيجي، أي إنه استمرار للدور الوظيفي لتركيا في إطار الخطة الاستراتيجية للغرب في محيطها الآسيوي والعربي مع ارتباط ذلك – بلا شك – بسعي تركيا نحو زيادة مساحة نفوذها وتوسيع دائرة مصالحها وتعدد حلفائها.
-4 -
هذه الرؤية جسدتها محاولة حكومة الحزب - العدالة – "ذي الخلفية الإسلامية" خلال تحركاتها الالتزام بنهج توفيقي علي كافة المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، فكان خطابها الداخلي يركز علي المصالح الوطنية البرجماتية والتأكيد على السعي الدؤوب لزيادة استقلالية الرؤية التركية كدولة إقليمية لها مصالحها المحددة ذاتيا بشكل مستقل عن التبعية لارتباطاتها الغربية من ناحية أخرى، في الوقت ذاته يتم إعادة صياغة الخطاب حين التوجه به لشعوب البلدان الأخرى – خاصة الإسلامية والعربية - بطريقة توضح حرص تركيا على قيم العدالة والحرية ورفضها كل أشكال الإمبريالية ومحاربتها ما يضر بمصالح الشعوب الأخرى، أضف إلى هذا اتخاذ بعض المواقف المعلنة في مناسبات مختلفة على المستوى الدولي لا يمكن لغيرهم اتخاذ مثلها، لكنها نجحت خلال هذا في تجنب الصدام المباشر مع رؤى ومصالح وترتيبات الولايات المتحدة والقوي الإقليمية الأخرى الفاعلة في المنطقة.
هذا التحرك الأفقي التركي واجهه العديد من الصعوبات، من أهمها: حدود قدرات الدولة التركية (جغرافيا، سكانيا، موارديا)، وصعوبة الحفاظ علي معادلات التوازن علي مستويات الداخل (القوى الداخلية، وأهمها المؤسسة العسكرية والقوى العلمانية وبعض الحركات المسلحة المرتبطة بإيران وسوريا) والإقليمي (إيران، إسرائيل، الخليج، مصر) والدولي (أمريكا، فرنسا، أوروبا، روسيا) بشكل متزامن دون اعتماد هذه المعادلات علي تعاون كل تلك القوى على كافة المستويات والتوفيق معها كلها أو بعضها حسب الملفات المطروحة، ما يطرح التساؤل الملح عند هذه النقطة وهو: كيف وفقت تركيا مصالحها مع تلك القوى؟*
-5 -
ما قلناه أعلاه لم يكن بدرجة من الوضوح في السنوات الماضية كما بات عليه الآن عقب اندلاع الثورات العربية والتي تباينت تجاهها مواقف تركيا حسب "لعبة" التوازنات والفاعلين في كل بلد، فتبنت القيادة التركية ردود أفعال بدت مختلفة في الدرجة والسرعة تجاه كل ثورة على حدة. ففي البداية، لاحظنا أنها اتبعت الصمت والمتابعة المتوجسة تجاه اندلاع الثورة التونسية - جارتها على الشاطئ الآخر من المتوسط - وحليف فرنسا الاستراتيجي (المناوش الغربي لتركيا).
ثم، وعقب انتقال شرارة الثورة إلى مصر، بات رد الفعل التركي أكثر قوة وصراحة وعلوًا، فدعت مبارك ومنذ اللحظة الأولى إلي إدخال إصلاحات جوهرية وحقيقية تحقق مطالب "الجماهير" المحتجة، متبعة ذلك بتوجيه النقد المباشر والعلني لمبارك حتى كانت من أوائل الدول التي طالبته علانية بالاستجابة لمطالب الثوار بالتنحي والرحيل، جاء ذلك في خطاب أردوغان أمام البرلمان التركي في بداية فبراير 2011، وكان هذا التصريح تطورا هاما؛ إذا أخذنا في الاعتبار سرعة تحول الموقف وسقف المطالب، ونوعيا كونه سابقة في حالة السياسة التركية بالتدخل المباشر في شئون داخلية لدولة تمثل قوة إقليمية في حجم الدولة المصرية، ودعم طرف في صراع لا يرتبط بحال بأمن تركيا.
المشهد بدا مختلفا تماماً في حالة البحرين، حيث سلكت تركيا مسلكا تنسيقيا دبلوماسيا مع القوى الإقليمية، واكتفت بدعوة الأطراف (النظام البحريني، السعودية، إيران) إلي محاولة ضبط النفس والابتعاد عن العنف، والتوجه إلى الحوار والإصلاح بشكل عام، دون توجيه انتقاد مباشر للسلطة البحرينية، على العكس هنا فقد طالبت القيادة التركية المحتجين بالاستجابة لمبادرات السلطة الإصلاحية. ويكاد يتطابق هذا الموقف تجاه الاحتجاجات في اليمن، حيث تجنبت تركيا التدخل المباشر، واكتفت بمناشدات عامة لتحسين مستقبل اليمن من خلال الإصلاح والتحول الديمقراطي، وآخرها دعم المبادرة الخليجية لانتقال السلطة، ثم التزام الصمت التام.
ولكي تتضح الصورة أكثر نراجع رد الفعل التركي وتحرك السياسة الخارجية تجاه الوضع في ليبيا (والتي تمثل العمق الاستراتيجي لها من جهة المتوسط)، حيث بدت في عمومها أكثر تحفظا فرفضت طرح التدخل الخارجي في ليبيا مبدئيا، ثم عارضت فكرة فرض العقوبات انتقدت صراحة الخطط التي طرحتها فرنسا للتدخل العسكري عن طريق الناتو (حتى اتهمها الثوار بدعمها للقذافي)، ثم بعد إنفاذ ما رفضته سابقا شاهدناها تسعى بشدة لأن تتواجد تحت أي شكل ولو في شكل جهود الإغاثة الإنسانية والمساهمة في حملة الناتو لحظر التسلح، حسب تصريحات أرودغان مؤخرا.
غير أن الحالة السورية استدعت معالجة خاصة من تركيا، فبدا الموقف التركي تجاه الاحتجاجات المستمرة والمتصاعدة متذبذبا أو كما وصفه البعض "مزدوجاً"، بدأ صاعدا وشديد اللهجة ويميل للجماهير المحتجة، ثم هابطا عقب اجتماع وزير الخارجية التركي مع بشار الأسد في سوريا، بإعطاء مهلة للإصلاحات المطروحة من نظام الأسد، فالتعاطف المعلن مع الثوار والدفع في تنشيط دور المجتمع المدني داخل تركيا في إعلان تضمانه مع الثورة والثوار واستضافة أنشطتهم بدا في مجمله محاولة للحفاظ على رصيد مكاسب الخطاب التركي على مستوى الشعوب العربية والإسلامية، وعدم حسم موقفها بل ربما التأييد الضمني لنظام الأسد بدا فيه حرصا على الحفاظ على بقائه في تلك المرحلة وعدم الرغبة في تغييره في تلك المرحلة.
-6-
كطبيعة كل المواقف السياسية تتعدد التفسيرات والدلالات في فهم ردود الأفعال المسرودة سابقا، فثمة من يراها مرتبطة بمصالح تركيا الوطنية بالأساس، ومن يعتبرها مؤشرا على التخلي عن الأسس التوازنية لرؤية العمق الاستراتيجي بتدخلها المباشر في الشئون الداخلية لبعض دول المنطقة وانحيازها لقوى وطرف دون أطراف أخري. لكن شبه التطابق في المواقف التركية الأوروبية تجاه المتغيرات في المنطقة يفرض تفسيرا آخر بعيدا عن الشعارات التي ترفع بدعوى مساعدة الدول في التحول الديموقراطي وحق الشعوب في اختيار مصيرها التي علت أحيانا وغابت في حالات أخرى، ويشير بوضوح بأن ما يجري في المنطقة هو تصفية للاعبين قدامى وإحلال للاعبين جدد مناسبين للتحول الاستراتيجي والأسلوب الجديد في التعامل مع خريطة المنطقة في ضوء المتغيرات والانتقال إلى مرحلة تاريخية أخرى تتبنى فكرة التغيير ب"الثورة السلمية" بديلا عن "الانقلاب العسكري".
وإذا كانت عملية الاستنتاج والاستشراف بطبيعتها محاطة بالعديد من الصعوبات لأنها في مجملها تُبنى على قراءة المعطيات والمعلومات المتوفرة، فإننا هنا نواجه موقفا أكثر صعوبة بالنظر إلي حالة تلاحق وتسارع التغيرات التي تشهدها المنطقة، غير أن الصعوبة تتلاشى شيئا فشيئا إذا أخذنا في الاعتبار أن من سمات الخطط الاستراتيجية أنها لا تتغير خلال فترة زمنية قصيرة وإنما التغيير يكون في الخطط التكتيكية، وفي هذا الاطار نطرح عدد من السناريوهات التي يمكن أن تؤدي إليه التحركات التركية في هذه المرحلة:
أولاً: أن يتم استخدام التغيرات الجارية كلها بهدف تعزيز حضور تركيا في المنطقة، مع زيادة جاذبية "نموذجها" والاسترشاد بردود أفعالها ومواقفها وأدوراها، خاصة في ظل انكفاء وتراجع وضعف القوي العربية، وعلى ذلك يتم تفعيل زيادة الدور لشغل مساحة الفراغ الإقليمي (الذي تم إحداثه) والذي نتج عن انشغال كل دول المنطقة بمعالجة قضاياها الداخلية، وعدم قدرتها على الانتباه في الوقت ذاته إلى ممارسة دورها الخارجي (الإقليمي والعالمي) بفاعلية، وهو ما يشكل امتدادا للأوضاع خلال مرحلة ما قبل اندلاع الثوارت والاحتجاجات في المنطقة. فكما أشرنا سابقا إلى أن هذا الصعود التركي مرتبط بشكل أساسي بالتنسيق مع القوى "اللاعبين" الإقليميين (الإيراني – الخليجي) والدوليين. وعلى هذا فإن تركيا – حسب هذا السناريو – تلعب على تعزيز صورتها ودورها في الخطط والتفكير الاستراتيجي الغربي-الإسرائيلي كنموذج وحليف ديمقراطي أكثر استقرارا وضمانا لتحقيق مصالحه.
ثانيا: سيناريو آخر نطرحه في هذا السياق ملخصه أن تركيا تبحث عن تعزيز دورها بالدفع في اتجاه نجاح الثورات وخروج طبقة جديدة أكثر انفتاحا تجاهها والعمل على تفعيل وزيادة التنسيق والتعاون بين دول المنطقة وتركيا، وسيكون العامل الاقتصادي أهم المداخل في المرحلة الحالية، حيث الدول العربية تعاني من ضعف وانهيار اقتصادي مع زيادة وتنوع مواردها، فيمكن من خلال طرح خطط للإصلاحات الاقتصادية عن طريق النموذج التركي الاقتصادي – الذي تم تسويقه جيدا خلال العقدين الماضيين - أن تسهم في تحسين التعاون الاستراتيجي بين تركيا ودول المنطقة، وتفعيل عدة مشروعات ضخمة لربط النهوض الاقتصادي بها.
ولأن الثورات العربية يُفترض منها أن تبحث عن تغيير ملامح سياستها الخارجية، حتى تُعطي انطباعا لدى الجماهير الثائرة بتغيير النظام وتحقيق نتائج الثورة، فهي الآن تبحث عن حليف يدعم صورة استقلالها ويوحي بانفصالها عن مرحلة ما قبل الثورة، وذلك لا يكون إلا من خلال بدائل استراتيجية تمثل فيها تركيا النموذج الكامل على المستوى الإقليمي، خاصة في ظل الطرح القائم في تلك البلدان من إمكانية تولي مقاليد الحكم بعض القوى القادمة على خلفية دينية.
ثالثا: السيناريوهان السابقان يفترضان استمرار سيطرة النظم القائمة على مقاليد السلطة في البلدان العربية الثائرة، غير أن هناك سيناريو آخر يقوم في مجمله على احتمال نجاح قوى وطنية حقيقية في الاختراق والنفاذ والتسرب من خلال الثغرات في الخطط الاستراتيجية ل"الاعبين" المحليين والإقليميين والدوليين، وهذا قد يؤثر سلبا في تسويق هذا الدور الاستراتيجي التركي، وطرح سيناريو موازي يحتل فيه الدور المصري بجدارة محل "اللاعب" الأساسي في المنطقة، وسد الفراغ الإقليمي الذي عملت الخطط الأمريكية-صهيوينة على إحداثه خلال العقود الماضية ومحاولة شغله بقوى إقليمية ظلت مرتبطة بمصالح مباشرة معها (تركيا – إيران) ومتعارضة بشكل كامل مع مصالح دول المنطقة.
وللحديث بقية..
---------------------------
*في أواخر يوليو الماضي زار الجنرال ديفيد بتريوس الذي عين مؤخراً رئيسا لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية تركيا، وأكد على أن مسيرة التعاون الوثيق بين البلدين ستستمر. وتباحث في ملفات عدة متعلقة بالمنطقة – لم يتم الكشف عن ماهيتها - مع مسؤولي رئاسة الأركان العامة التركية ووزير الخارجية احمد داودأوغلو. وقد سبق هذا زيارة لليون بانيتا المدير السابق لل CIA نهاية شهر مارس الماضي واستغرقت الزيارة خمسة أيام كاملة، قابل خلالها نظيره التركي هاكان فيدان وعدد من المسؤولين في الحكومة التركية ورئاسة هيئة أركان الجيش التركي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.