تركيا وإسرائيل.. حليفتان نرفض وصايتهما بقلم : عباس الطرابيلي منذ 36 دقيقة 30 ثانية كنت غائباً عن القاهرة، عندما تم الترتيب لزيارة رجب طيب أردوجان رئيس وزراء تركيا لمصر.. وعندما تمت الزيارة.. ولكنني عدت في اليوم الاخير للزيارة ورأيت كيف استعدت القاهرة لاستقبال هذا الزعيم التركي.. وهي أكبر زيارة لقائد تركي منذ استقبل الخديو اسماعيل في ابريل 1863 السلطان عبد العزيز سلطان تركيا وهو السلطان العثماني الوحيد الذي جاء مصر زائراً - بعد السلطان سليم الأول - الذي دخلها فاتحاً غازياً.. فقد استقبل الخديو اسماعيل هذا السلطان بحفاوة كبيرة من اجل ان يحظي بمنزلة كبيرة عنده حتي انه اطلق اسمه علي واحد من اشهر شوارع القاهرة وكان قد تم شقه.. هو شارع عبد العزيز الذي يصل قصر عابدين مقر الحكم بميدان العتبة.. بل ان اسماعيل لم يركب بجوار السلطان في العربة الخديوية بل أمسك بلجام الخيول وأخذ يجري بجوار العربة.. وغمر السلطان وحاشيته بالهدايا والتحف الفاخرة التي ملأت سفينته بأكملها.. وأيضا إذا كان اسماعيل قد قدم للصدر الاعظم «رئيس وزراء تركيا» فؤاد باشا وحده بستين الفا من الجنيهات ليتخذ منه عونا في مساعيه لدي الحكومة التركية فلنا ان نتصور ما قدم اسماعيل لهذا السلطان. ولكن كان كل ذلك لكي يحصل اسماعيل منه علي ما يريد.. وعاد السلطان عبد العزيز إلي اسطنبول بعد ان ركب لأول مرة في حياته قطاراً من الإسكندرية إلي القاهرة.. إذ لم تكن في بلاده تركيا أي قطارات.. وحصل اسماعيل من هذا السلطان علي ما يريد ومن أهمه تغيير نظام توارث العرش اي التوريث فجعل هذا الاختيار بين اكبر ابناء الحاكم وليس اكبر ابناء الأسرة كلها.. والآن.. جاء السلطان العثماني التركي من جديد فوجد ان القاهرة استعدت لزيارته بالاعلام والرايات وصور ربما لم ير مثلها حتي في عاصمته اسطنبول وتعجبت من استقبال «بعض الاسلاميين المصريين» له بكل هذا الترحيب وكان ينقصهم أن يبحثوا عن «عمة السلطان» وقفطانه وجبته ويصعدوا به إلي القلعة ليجلسوه علي كرسي الحكم.. وسبحان الله.. وانا شخصياً معجب بشخصية أردوجان وما قام به لتركيا.. ولكنه يزور مصر مثل اي حاكم أجنبي.. لا أكثر.. وكان يجب ألا يتعدي الترحيب المصري.. مثل ترحيبنا بأي رئيس آخر.. ونسي كل هؤلاء أن بلاد هذا السياسي هي أول دولة اسلامية تعترف بإسرائيل في منتصف عام 1948.. ثم كانت - بعد عام واحد - أول دولة اسلامية تقيم علاقات دبلوماسية معها.. وان بلاده - تركيا - تربطها باسرائيل علاقات استراتيجية تجارية وعسكرية رهيبة بل وتجري معها مناورات عسكرية مشتركة.. بل تدرس تركيا مشروعاً اسرائيلياً لبيع مياه أحد أنهار وسط تركيا وشحنها إلي اسرائيل.. من الانهار التي تصب في البحر المتوسط.. ونسي كل هؤلاء مانراه في المسلسلات التليفزيونية التركية وآخرها ما يعرض الان «ويبقي الحب» ونكاد نقتنع ان نصف سكان تركيا من اباء غير شرعيين.. ثم كيف نسوا هذه الاندفاعات نحو شرب الخمور فهذا يخلط العصير بالفودكا.. وهي اشد الخمور الروسية.. وهذا يشرب النبيذ حتي قبل الفطور.. وكل هؤلاء الصغار والكبار يشربون الأوزو أي العرقي المشهور في لبنان وتركيا واليونان وقبرص.. والخمور في كل مكان.. ليس في المطاعم وحدها ولا في الملاهي فقط.. ولكن في المكاتب والبيوت والنوادي ويشربون كل ذلك.. ولا الماء.. فهل يقبل واحد من هؤلاء المسلمين، أمراً واحداً من ذلك؟! وهؤلاء الاتراك الذين أعطوا العرب ظهورهم منذ قامت ثورتهم بقيادة مصطفي كمال، الذي لقبوه بأنه اتاتورك.. أي أبو الاتراك لان آتا بالتركية تعني الأب.. وألغوا الخلافة الاسلامية وعزلوا الخليفة وعزلوا السلطان.. بل اعتبروا «العرب.. جرب» وهم الذين أطلقوا هذا المثل، واعتبروا الاقتراب منهم كارثة.. لذلك اتجهوا إلي الغرب.. وحتي ما كان يربطهم بالعروبة وبالعرب وهو الحروف العربية في الكتابة التركية.. قطعوه واتخذوا من الحروف اللاتينية بديلا ليقطعوا آخر صلة لهم بالعربية والعروبة.. بل وبالاسلام.. فهل هذا يعجب كل الاسلاميين الذين رفعوا صور أردوجان فوق الكباري وحولوا ميدان التحرير إلي ميدان احمر.. ولا أي ميدان حتي في تركيا نفسها!! ولقد استفزني برنامج لأحد نجوم الكوميديا المحبوبين ظل يقدمه علي مدي ايام شهر رمضان وهو يطوف بنا مدن ومؤسسات تركيا وكأنه كان يعرف مقدماً بموعد زيارة اردوجان للقاهرة فذهب إلي تركيا ليصور لنا كل ما هو ايجابي في تركيا.. لعلنا وكل المشاهدين ننبهر بتركيا التي طورها أردوجان حتي نخرج لنرحب به في القاهرة.. ليدخلها من خلال انبهارنا فاتحاً غازياً.. وفي ظني أن هذا البرنامج ما هو الا حملة إعلانية مدفوعة الأجر للترويج لتلك الزيارة. وأقسم إن مدرستي في دمياط «الابتدائية والثانوية» التي افتتحت عام 1934 كانت أفضل الف مرة من تلك المدرسة التي زارها الفنان احمد آدم وقدمها لنا في برنامجه.. فقد كان فيها المسرح وصالة الجمنيزيوم.. وقاعة السينما ومعامل الطبيعة والكيمياء.. بل والمطاعم التي كنا نتناول فيها وجبات غذائية ساخنة من لحوم وطيور واسماك.. مجاناً.. وهي المدرسة التي درس فيها معنا الدكتور أسامة الباز والمهندس الكبير حسب الله الكفراوي والسفير عبد الرؤوف الريدي والصحفي الكبير صلاح منتصر وغيرهم.. ولكن كان ذلك للاسف.. عندما كان في تعليم.. هذا التعليم المحترم.. وأقول للاسلاميين الذين انبهروا برجب طيب اردوجان مصر كانت أفضل من تركيا طوال ما يقرب من قرن كامل ونرفض ان تصبح مصر نموذجا أو مسخاً للتجربة التركية.. ففي الوقت الذي كانت اسرائيل تضرب مصر.. كانت تركيا تتعامل مع اسرائيل بل وتشترك معها في المناورات العسكرية. نقول ذلك للذين اقتحموا السفارة الاسرائيلية واحرقوا علها.. ولكن ستبقي مصر هي مصر الدولة التي تحملت معظم تكاليف الصراع العربي - الاسرائيلي.