في الاسماعيلية التي كانت توصف ب «جنة مصر» دفع صلاح فتحي إبراهيم «موظف »، و» أمين خليفة «مزارع، حياتهما ثمنا للشهامة والتصدي للصوص والبلطجية . ويروي والد صلاح المأساة الأولي، والتي وقعت قبل 6 أشهر قائلا: ولدي صلاح عريس في السماء، فلم يمض علي زواجه أكثر من أسبوعين، أحتسبه شهيدا عند الله، فقد قتله اللصوص الجبناء وهو يدافع عن قريته ابوعطوه لمنعهم من سرقة الكابلات. ويعود الأب الحزين بذاكرته ليوم الحادث المشؤوم: استأجر صلاح سيارة لحضور حفل زفاف شقيقة زوجته، واستقل السيارة برفقة زوجته واحد اصدقائه، وأثناء عودته من الحفل، فوجئ بمجموعة من الملثمين يحاولون قطع كابل التليفون العام لقرية ابو عطوه لسرقته، فقام بتهدئة قيادة السيارة عسي ان يرتدع اللصوص ويفرون، إلا أنهم هددوه وطالبوه بالاستمرار في السير، ولحرصه علي حياة زوجته قام أولا بتوصيلها للمنزل علي ان يعود بمفرده لمواجهة اللصوص ومنعهم من تنفيذ جريمتهم. وتكمل والدته المكلومة ماحدث في اللحظات الاخيرة من حياة فلذة كبدها قائلة: جاء ابني فزعا للمنزل، وطلب مني إغلاق الباب جيدا حتي لا يهاجمنا اللصوص، وقال إنه سيذهب لإبلاغ قوة الجيش القريبة من القرية، حاولت أثناءه عن عزمه، وقلت له « خلينا في حالنا يابني دول مجرمين لكنه ربت علي كتفي وقال «دي بلدنا يا أمي ولازم نحميها من كل شر»، وغادر ابني المنزل، ومازلت أنتظر عودته رغم مرور 6 أشهر علي موته، نعم أنا لا أصدق أنه قتل، أشعر انه سيفتح الباب في أي لحظة ليرتمي في أحضاني، وتنخرط الأم في بكاء مرير، فيما يكمل ابنها الثاني أحمد مأساة شقيقه فيقول: عاد أخي مع صديقه بالسيارة لابلاغ الجيش، ويبدو ان اللصوص أدركوا ذلك، فقاموا بمطاردته بسيارة بدون لوحات، واطلقوا عليه وابلا من الرصاص، وعندما طلب منه صديقه ان يخفض رأسه لتجنب الطلقات، كان قد فات الأوان، واخترقت رصاصة ظهر أخي، واختلت بيده عجلة القيادة، واصطدمت السيارة بالرصيف، وتمكن أخي وهو مصاب مع صديقه من مغادرة السيارة، بينما قام اللصوص بإطلاق الرصاص مجددا علي السيارة حتي اشتعلت بها النيران، واتصل بي صديقه وأخبرني بالحادث، وهرولت إليه، ووجدت أخي ينزف بغزارة، وتصادف مرور سيارة بمكان الحادث، وطلبت منها ان تنقله لأقرب مستشفي، إلا ان أمين الشرطة الذي كان قد وصل لمكان الحادث عندئذ رفض نقله، وطلب انتظار سيارة الإسعاف، وللاسف لم تحضر سيارة الاسعاف إلا بعد ساعة، وبمجرد وصوله للمستشفي، فارق الحياة بسبب إصابة الرصاصة للرئة وحدوث تهتك ونزيف. أما الجزء الثاني من مأساة صلاح، فكانت في قلب عروسه هدي زكريا محمود «20 سنة» والتي اصبحت أرملة وهي لاتزال في شهر العسل، وتنهمر الدموع صارخة وهي تقول: كان يشعر انه سيموت، قبل الحادث بيومين كنت ارتدي سلسلة بها صورته، وفجأة انقطعت السلسلة وسقطت علي الأرض، فأمسكها وقال لي «يبدو اني سأفارق الحياة»، وأوصاني خيرا بوالديه، ولكني لم أصدق هذا الفأل السيء. ورغم مرور هذه الاشهر علي الجريمة، لم تلق أجهزة الأمن القبض علي اللصوص القتلة. ولم تكن هذه الدراما الإنسانية الوحيدة التي شهدتها الإسماعيلية، بل عشرات من القصص، منها ما حدث أيضا في عزبة المنايف، عندما قام عدد من الخارجين علي القانون ممن فروا من سجن المرج، بقتل عامل مزرعة بالمنطقة يدعي امين خليفة 38 سنة، وقد أصيبت زوجته فاطمة بصدمة حادة، حتي باتت ترفض الحديث عما حدث لزوجها، وكأنها لا تصدق للآن انه قتل ولن تراه وانه ترك لها طفلين هبة «4 سنوات» وأمل «7 سنوات»، ويقول أهالي المنطقة إن فاطمة طلبت من زوجها ترك العمل بالمزرعة خوفا عليه من بطش المساجين الذين كانوا يفرون بين يوم وآخر من السجن إبان قيام الخونة من رجال الأمن بتهريب المساجين لاثارة الفوضي وترويع المواطنين، لكنه رفض، وفضل البقاء في عمله حتي لا تتعرض المزرعة لاعمال السلب والنهب من المساجين الفارين. وفي 31 يناير هجم مساجين وبلطجية علي المزرعة لسرقتها ونهبها، وحاول التصدي لهم، وكان نصيبه رصاصة في رأسه، وتوفي قبل نقله للمستشفي، وهكذا دفع أمين حياته ثمنا لأمانته وتصديه للمجرمين الذين استباحوا أموال مصر في كل مجال.