في واقعة تؤكد إصرار الإدارة الضريبية على مخالفة التشريعات وتطبيق اجتهادات شخصية لا تهدف إلا للحصيلة فقط، تطبق مصلحة الضرائب حالياً إجراءات ليس لها علاقة بمفهوم القانون الخاص بتطبيق ضريبة ال 5% الإضافية المعروفة إعلامياً ب«ضريبة الأغنياء»، وذلك من خلال تعليمات تنفيذية أصدرتها المصلحة للمأموريات الضريبية لتحويل تلك الضريبة الإضافية إلى ضريبة أصلية جديدة مفروضة على الدخل، بحيث تقوم بتطبيقها على الشركات حتى وإن كانت معفاة بحكم القانون! ما يعنى أن تلك الحصيلة الناتجة عن تلك الضريبة ستكون «وهمية»، أي أن مصلحة الضرائب تخدع المستثمرين والموازنة العامة على حد سواء، والنتيجة تركة جديدة من النزاعات الضريبية بين المصلحة والممولين، مما يوجه رسالة سلبية بشأن مصداقية منظومة الضرائب في مصر ويجعلها عنصراً طارداً للاستثمار في هذا التوقيت الحرج الذي تسعى فيه الدولة لجذب استثمارات وتحقيق التنمية اقتصادية. وتواجه ضريبة الأغنياء منذ صدورها وحتى إلغائها حالة من الجدل داخل المجتمع الضريبي، وحالة أخرى من الارتباك داخل الإدارة الضريبية فيما يتعلق بمفهومها وأهدافها وكيفية تطبيقها، حيث جاء صدور قرار بفرض ضريبة دخل إضافية من جانب الرئيس المؤقت عدلي منصور، لتكون مؤقتة لمدة 3 سنوات فقط بنسبة 5% على ما يفوق مليون جنيه من وعاء الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين أو أرباح الأشخاص الاعتباريين طبقا لأحكام قانون الضريبة على الدخل، على أن يتم ربطها وتحصيلها وفقاً لتلك الأحكام، وجاء سبب فرض تلك الضريبة ضمن إجراءات الحكومة لتحقيق إصلاح ضريبي يكفل توسيع نطاق الخضوع للضريبة على الدخل، وأجاز القرار للممول طلب استخدام مبلغ الضريبة في تمويل مشروع خدمي أو أكثر من المشاريع الموزعة قطاعياً على مختلف المحافظات والمدن والقرى. وأمام مخاوف تأثيرها على حركة الاستثمار أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي عدة تعديلات تشريعية بقانون الضرائب على الدخل، تهدف للتيسير على المواطنين ودعم النمو الاقتصادي وتهيئة المناخ المناسب لجذب الاستثمارات، وجاء أبرزها التعديل على القانون رقم 44 لسنة 2014 بإلغاء الضريبة الإضافية بنسبة 5% علي من يزيد دخله على مليون جنيه سنوياً، لتنخفض فترة سريانها إلى عام واحد فقط أي عام 2014 بدلاً من 3 سنوات. ولكن مصلحة الضرائب رفضت تلك التعديلات وضربت بها عرض الحائط وأصدرت تعليمات أخرى مخالفة لها، وكأنها تريد تحقيق الحصيلة المستهدفة عن السنوات الثلاث في عام واحد فقط دون سند قانوني، لتنجح من خلالها في تحصيل 4 مليارات جنيه من الضريبة الإضافية عن العام الماضي، سدد منها البنك المركزي نحو 1.9 مليار جنيه عن العام المالي 2014-2015، وفقاً لما أعلنه مؤخراً أسامة توكل رئيس مركز كبار الممولين، والذي أكد أن المصلحة تعمل علي تقليل سعر الضريبة للمساهمة في تشجيع الاستثمار وتحقيق الأهداف الاقتصادية!! حيث شهد موسم الإقرارات الضريبية السابق بالنسبة لأصحاب المهن الحرة أول سداد للضريبة الإضافية المقررة بنسبة 5% لمن يزيد دخله على مليون جنيه، مما ساعد علي زيادة حصيلة المأمورية بصورة كبيرة تصل إلى نحو 25%. ومن جانبه، يطالب المحاسب القانوني أشرف عبدالغني رئيس جمعية خبراء الضرائب المصرية الإدارة الضريبية ممثلة في وزارة المالية ومصلحة الضرائب باتخاذ قرارات حاسمة لتصفية المشكلات التطبيقية التي أثارها تطبيق الضريبة الإضافية المقررة بواقع 5% على الأرباح التي تزيد على مليون جنيه خلال العام الماضي، والتي نشبت مع العديد من شركات الأموال بدلاً من تحول هذه الخلافات إلى نزاعات متراكمة أمام المحاكم المختلفة تؤثر سلباً على مصداقية منظومة الضرائب خاصة أن الدولة تبذل مساعي كبيرة لجذب الاستثمار والحفاظ على الاستثمارات القائمة. وأشار إلى أن مصلحة الضرائب أصدرت تعليمات تنفيذية للمأموريات الضريبية تأتى بمفهوم جديد لتلك الضريبة مخالفاً لنص القانون الصادرة به ذاته، حيث اعتبرتها المصلحة ضريبة جديدة مفروضة على الدخل ليس لها علاقة بضريبة الدخل الأصلية المقررة بالقانون 91 لسنة 2005، بما أثار العديد من الخلافات والنزاعات الضريبية مع الممولين. وأوضح «عبدالغني»، أن التعليمات الجديدة تعنى إخضاع الشركات التي تتمتع بالإعفاء الضريبي طبقاً للقوانين الأخرى، كما تعطى للمأموريات وفقاً لتفسيرات واجتهادات شخصية الحق في مطالبة الشركات التي لها رصيد دائن، سواء من خلال نسبة الخصم والتحصيل تحت حساب الضريبة أو عبر الدفعات المقدمة المدفوعة تحت حساب الضريبة، وكذلك بالنسبة للبنوك التي لها أرصدة ضريبية من مبالغ الضريبة على أذون الخزانة بسداد التزامات الضريبة الجديدة وحرمان تلك الشركات من حقها في خصم الضريبة الإضافية من أرصدتها الدائنة، وذلك استناداً إلى هذه التعليمات غير القانونية، خاصة أن هذه التعليمات صادرة عن مصلحة الضرائب وليس من وزير المالية الذي منحه قانون الضرائب الحق دون غيره إصدار التعليمات الضريبية الجديدة. وقال إنه من غير المناسب أن تقوم مصلحة الضرائب بموجب هذه التعليمات بربط الضريبة ربطاً نهائياً على هذه الأوعية، مع حرمان الشركات من حقها في خصم الضريبة من أرصدتها الدائنة وكذلك تطبيق القانون بشأن الشركات المعفاة، مشيراً إلى أن ما يزيد من الخلافات التطبيقية إصرار المأموريات الضريبية على رفض مناقشة اعتراضات الممولين سواء من الأشخاص أو الشركات على هذه المعالجات الضريبية استناداً لتلك التعليمات غير القانونية. ويتساءل المحاسب القانوني أحمد شحاتة كيف تطالب مصلحة الضرائب بسداد ضريبة على الربح المعفي؟! مؤكداً أن هذا يمثل واقع الخطأ الذي ترتكبه المصلحة في تطبيق الضريبة الإضافية بنسبة 5%، مشيراً إلى أنه ما يكشف خطأ المصلحة أنها لا تملك للتعامل مع الممول إلا نموذج 19 الذي يقر بإعفاء الممول، ولكن يحدث التحايل من خلال التعامل مع الممول بالنموذج 36 الذي لا يمنح الممول الحق في الاعتراض على سداد الضريبة، وبالتالي تتحول الحصيلة من سداد ال5% إلى المتأخرات الوهمية. وأضاف «شحاتة» أن مأموريات الضرائب ترفض سداد الضريبة الإضافية من خلال استخدام أرصدة الشركات من دفعات المبالغ المسددة تحت حساب الضريبة من الشركات، إذا زادت هذه المبالغ على الضريبة المستحقة وأصبحت الشركة لها رصيد دائن، وذلك رغم صدور فتوى من قطاع البحوث الضريبية في أبريل الماضي باستنزال الضريبة الإضافية المؤقتة علي الدخل، والمقررة بأحكام القانون رقم 44 لسنة 2014، وتطبيقا لنص المادة 84 من القانون، ونص المادة 113 من قانون الضرائب رقم 91 لسنة 2005، والتي تنص علي أنه تقع المقاصة بقوة القانون بين ما أداه الممول بالزيادة في أي ضريبة يفرضها هذا القانون وبين ما يكون مستحقاً عليه وواجب الأداء بموجب أي قانون ضريبي تطبقه المصلحة. ومن جانبه، يؤكد المحاسب القانوني محمد الغمراوي أنه برغم تفهمنا لحاجة الدولة في هذه المرحلة الدقيقة لزيادة مواردها الضريبية، فإن ذلك الهدف المهم لا يجب أن يتم إلا في إطار التطبيق السليم للقوانين المستقرة، وليس عبر معالجات ضريبية خاطئة تسهم في زيادة النزاعات الضريبية بين الممولين والإدارة الضريبية أمام المحاكم المختلفة بما يؤدى إلى نتائج عكسية سواء على مستوى أهداف زيادة الحصيلة أو تهيئة البيئة الجاذبة للاستثمارات الجديدة، وبعد إلغاء هذه الضريبة وقصر تطبيقها على العام الماضي آن الأوان لتصفية جميع الخلافات الضريبية المتعلقة بتطبيقاتها، حفاظاً على استقرار المراكز المالية للمؤسسات الاقتصادية ودعماً للجهود المبذولة حالياً لاستعادة معدلات الأداء الطبيعية على مستوى جميع القطاعات الاقتصادية.