جملة اتخذها المهندس عادل على شعبان سلاحاً فى معركة يخوضها ضد «التصنيف» ليثبت أن الاختلاف ليس إعاقة وأن من يعانى مشكلة جسدية ليس ناقصاً أو عاجزاً. واتخذ من نظريته تلك منهجاً فى حياته.. منذ الطفولة.. وفى مشوار تعليمه.. ومسيرته العملية.. حتى فى قصة ارتباطه وزواجه برهان على فكرته. ربما لن تجد فى حياة الشاب ذو الواحد والثلاثين عاماً مبرراً لانبهار هو يرفضه أساساً فهو ضد أن ننظر على أى نجاح يحققه شخص من ذوى الاحتياجات الخاصة على أنه معجزة، لأن فى ذلك تحطيماً لمبدأ عدم التمييز والتصنيف، اعتقد أنه يرحب جداً بفكرة أن يعجبك نجاحه لأنه إنسان متفوق وليس لأنه معاق ورغم ذلك ناجح!! عادل شعبان الذى أوجد لنفسه مكانة «الفلاسفة» بأفكاره.. شخص عادى يبحث عن حقه وحق غيره من ذوى الاحتياجات الخاصة فى العيش وسط مجتمع يساوى بين الجميع.. ورغم النقاط المضيئة فى حياته إلا أن حزناً عميقاً تلمحه فى نبرة صوته ونظرة عينيه فقد عاش حياة الأسرة السعيدة مع رفيقة أفكاره وكفاحه، سارة سمير إحدى الناشطات البارزات فى مجال حقوق ذوى الاحتياجات الخاصة وعضو مؤسس حركة «7 مليون» التى تكونت للدفاع عن حقوق الملايين من ذوى الإعاقات قصة شديدة الثراء عاشها عادل وسارة إلى أن رحلت الزوجة الشابة تحمل فى أحشائها جنيناً لم يكتمل.. كانت رغبة الجميلة سارة فى أن تحق حلمها وحلم زوجها فى الإنجاب هو هدف أسمى وشمس ستحنو على الشابين لكن القدر شاء غير ما أرادا.. ماتت سارة وجنينها لتخلو الدنيا حول علاء من بسمة عاش من أجلها، كان ذلك منذ شهور قليلة.. لكن المعركة التى بدأها مع زوجته الراحلة.. لم تنته.. لقد أثبتا للجميع أن شاباً وشابة من ذوى الاحتياجات الخاصة استطاعا أن يصنعا أسرة ترتكز على الحب والتفاهم.. الرسالة لم تكتمل لأسباب قدرية.. لكن المعنى باق.. يدفع الشاب لمواصلة الطريق بدعم من ذكرى شريكة حياته. سألت عادل: ما الذى تريده أن يصل المجتمع من خلال رسالتك؟ - أنا أحب الحياة.. صحيح أعانى شللاً دماغياً وأتحرك بكرسى متحرك لكن ذلك ليس مبرراً لأن يصنفنى المجتمع ضمن فئة معينة ويتعامل معى على هذا الأساس.. مطلوب أن ينظر المجتمع لذوى الإعاقة كإنسان مثله تماماً ليس ناقصاً أو عاجزاً فأنا وغيرى ملايين تعلمت وتفوقت فى دراستى وأصبحت «مهندس أول برمجيات» بعد أن تخرجت فى كلية الحاسبات والمعلومات بجامعة عين شمس عام 2007، ومنذ زمن طويل وأنا لدى حلم أريد تحقيقه. ما هو؟ - أرفض المعاملة الخاصة لذوى الاحتياجات الخاصة فى أى مكان وأحلم بأن يتعامل الناس معى على هذا الأساس، أريد أن يعلم الجميع أن هناك فرقاً بين الإعاقة والاختلاف، فكل إنسان مختلف والاختلاف هنا ليس فى الإعاقة بل تفاوت فى الأحلام والأفكار والطموحات «مش عاوز أتصنف» تحت أى بند، أنا أحب نفسى بظروفى الحالية، أحاول تحقيق كل أهدافى وأبذل مجهوداً فى الوصول إليها.. ومدى نجاحى فى ذلك هو المعيار.. أرفض التصنيف على أساس دينى، أو جنسى أو أفكار.. أو عمر أو مشكلة جسدية لأن التصنيف يخلق نوعاً من العنصرية التى أرفضها. إذن أنت غير راض عن نظرة المجتمع لذوى الإعاقة؟ - فى ذهن المجتمع كم من الأفكار السلبية عن ذوى الإعاقة. مثل ماذا؟ - إن المعاق يستحيل عليه تقديم إنجاز فى عمله، هم مجرد أشخاص «عاوزين فلوس بدون مجهود».. ومثال آخر ينظرون إلىَّ مثلاً لأننى أعانى شللاً دماغياً يؤثر على الكلام أننى غير قادر على توصيل المعلومات حتى ولو بأبسط الكلام وهذا خطأ.. فيه أشخاص بتعرف تتكلم لكن ما يعرفوش يصيغوا الكلام وعادة الذى يرفض المعاق يخشى أن يتسبب فى مضايقته لأقل سبب فيرفض من البداية. تتحدث هنا عن مشكلات العمل؟ - عن أى شىء وبالذات العمل.. أنا شخصياً عندما أتقدم لعمل أتحدث على أساس أننى سأقدم إنتاجاً وأحقق قيمة مضافة للعمل والحقيقة أننى كشخص ذوى إعاقة لدى القدرة على العمل والإضافة إلى هذا العمل. حدثنا عن تجربتك العملية؟ - عملت فى ثلاث شركات وكنت أترك مكاناً لآخر لأننى أبحث عن الأفضل. هل قابلت صعوبات لكونك من ذوى الإعاقة؟ - نعم قابلت أشخاصاً فى العمل لا ينظرون للمؤهلات أو القدرات، أحياناً كانوا يرفضوننى بدون النظر لما يمكن أن أقدمه وكنت أدخل فى معركة لأثبت من منا عنده مشكلة أنا أم هم.. أنا أثبت كفاءتى وهم لا يملكون الإدارة التى تمكنهم من الاستفادة من هذه الكفاءة أذكر أننى تقدمت لوظيفة وتفوقت على كل من تقدموا رغم ذلك رفضونى كنت أقدم ال C.V ويفاجأوا بإمكانياتى ومع ذلك كثيراً ما رفضونى. لماذا؟ - لما سبق أن ذكرته وحتى هذه اللحظة ينظر البعض إلى المعاقين نظرة سلبية بل إن بعض ذوى الإعاقة ينظر إليهم على أنهم فاقدو أهلية كالصم والبكم كيف نضع قوانين بهذا الشكل؟ القضية لا تحتاج قوانين بل تصحيح مفاهيم، لو وضعنا أيدينا على مناطق الجهل فى المجتمع نضع ما يحترم التكامل والتكافل والتعايش على أساس الاحترام المتبادل وليس التمييز والتصنيف، لقد آن الأوان لأن ينبذ المجتمع أفكاره الرجعية ومعاداة كل من يختلف معه فى الرأى، آن الأوان لنسخر من هذه النظرة المتخلفة فى المجتمع والسطحية والجهل والعنصرية فى التعامل مع الأمور بعد طول سخرية من اختلاف الآخرين. هل هذه فكرة «إحنا كمان بنضحك عليكوا»؟ - نعم.. ذوو الإعاقة يسخرون من السطحية والجهل فى التعامل مع كل ما هو مختلف والمسألة ليست المعاقين فقط بل الاختلاف بشكل عام، لأن المجتمعات فى الدول النامية لا تقبل الآخر إما أن تكون معى بنفس أفكارى وتركيبتى الجهازية والجسمانية والنفسية والاجتماعية والمادية أو أسخر منك كما لو كانوا واضعين نمطاً أو قالباً كل من يحيد عنه يعتبر شخصاً ناقصاً. وما خطورة ذلك من وجهة نظرك؟ - هذا يؤدى للانشقاق فى المجتمع ليصحو ذات يوم على تركيبة طبقية وفئوية، كل لا يجد طريقه للتفاهم مع الآخر، لابد أن نعلم بأن الاختلاف للتكامل وليس للإقصاء.. لابد أن نغير نظرتنا لكل شىء حولنا وعلى سبيل المثال عندما تنظر فى الشارع لإنسان من ذوى الإعاقة لا تدع الصورة الأولى التى تصلك أنه «شحات» لن أنظر له على أنه إنسان يريد حقه فى الحياة فنحن نواجه مشكلات فى كل شىء فى المجتمع، فى نظرة الناس، فى المواصلات، فى الشارع، فى السكن، فى الزواج، ضغوط تجعل الإنسان ينهار رغماً عنه. لا تنكر أن بعضاً من ذوى الاحتياجات الخاصة تسببوا فى تلك النظرة وبعضهم استسلم لها وارتضوا أن يتم وضعهم فى برواز اسمه «معاق» ووضع حدود للقدرات والأحلام والطموحات وهناك من رفضوا وأنا واحد منهم.. إذن نحن بحاجة لتأهيل مزدوج الاتجاه، تأهيل للمجتمع وتأهيل لذوى الاحتياجات الخاصة. تقول إنك أحد من رفضوا هذا الإطار كيف؟ - لم أسع قط للحصول على استثناء فى أى مكان حتى فى العمل بل على العكس كنت أعمل أكثر وأستغل الإجازات فى العمل مثلى مثل باقى زملائى. كيف تحاول نشر أفكارك؟ - أطرحها للنقاش فى ندوات وعلى فيس بوك وألقيت كلمة فى نقابة الصحفيين عن مفهوم الاختلاف وأسباب خلقه ومشكلة المجتمع مع الاختلاف وطريقة معالجة المشكلة. والحقيقة أن هذه الأفكار تكونت لدى منذ الطفولة، بداية دخلت المدرسة متأخراً وأهلى كانوا خائفين علىّ رغم أنى كنت مؤهلاً فكرياً وعقلياً لكن الخوف كان من البعد الحركى والنفسى والتحقت بمدرسة عادية ومن حسن حظى أن ناظر المدرسة كان رجلاً محترماً وراعى ظروفى ولا أنكر أن هناك صعوبات واجهتنى فى إثبات أنى غير مختلف لم أكن أتمكن من اللعب معهم لكننى كنت أحاول أدمج نفسى بقدراتى أنا وعندما كنا نلعب كرة كنت أقف «جون» لكنى بشكل عام المدارس والجامعات غير مؤهلة لكننى نجحت ب97٪ فى الثانوية العامة وحصلت على المؤهل العالى بتقدير جيد جداً. ما موقفك من الدمج؟ - أنا مع الدمج لكن وفر لى وسائل مساعدة إتاحة فأنا ضد عزل المعاقين فى مدن خاصة. كيف يضع الإنسان سعادته؟ - أبسط الأشياء قد تسعد الإنسان وهذا ليس كلاماً بل حقيقة، فأنا مثلاً كنت أمارس أنشطة اجتماعية فى الكلية وأنا أحب الحياة زى ما هى وأكثر الأسباب لسعادتى هو أن أشعر بأنى عملت اللى علىّ فقد أبذل مجهوداً ولا أحقق الهدف ومستحيل أن الأهداف كلها تتحقق، الأهم أن أسعى لتحقيق أقصى ما يمكن حتى أشعر بالرضا وهنا يجب أن تتوافر المرونة فى التعامل مع الهدف، وليس شرطاً أن أكون طه حسين لأثبت أننى ناجح وليس لازماً أن أقدم شيئاً خرافياً من أجل أن ألفت النظر، أنا عايش زى أى حد. سارة سمير قصة زواجك تحمل الكثير من المعانى.. ما أبرزها؟ - كانت سارة رحمها الله لديها ضمير قوى لكل ما حولها وكانت حياتها صعبة لكنها كانت قوية وكان زواجنا رسالة بأننا لا نولى اهتماماً بآراء الآخرين. هل كان هناك رفض لزواجكما بحكم أنكما من ذوى الإعاقة؟ - لم يكن رفضاً بل تعليقات ومخاوف من التجربة.. وكنت قد ارتبط بها منذ خمس سنوات وهى معاقة حركياً مثلى وحصلت على الدكتوراه من جامعة حلوان، وعندما تزوجنا تحقق لكلينا السعادة التى أتحدث عنها والتى ربما لا يراها البعض.. وحلم الأمومة كان يراودها كأى زوجة فاختارت أن تحققه حتى ولو كان ذلك خطر على حياتها فهى مختلفة لكن الاختلاف لم يمنعها من تحقيق حلمها وظلت صامدة لآخر لحظة فى حياتها إلى أن رحلت عن دنيانا ورحل معها حلمها لكن الرسالة وصلت.