كلما اشتدت الأوضاع الاقتصادية قسوة على الفقراء والطبقة الوسطى فى المجتمع برزت أهمية الدور الذى تلعبه التعاونيات من أجل ضبط الأسعار وضمان حصول السواد الأعظم من المواطنين على حاجاتهم الأساسية وبقدر ما تراجع دور تلك التعاونيات خلال العقدين الماضيين تزايدت الأصوات التى تطالب بعودة الدور المؤثر لها خاصة بعد اتساع الفجوة بين الأثرياء والفقراء ولكونه يلقب ب «أبوالتعاونيين» فى مصر، قررت «الوفد» محاورته للتعرف على العديد من القضايا وسبل معالجة العديد من الأزمات الاقتصادية وتسليط الضوء على أسباب تراجع دور التعاونيات فى حياة المواطنين بعد أن كانت فى السابق تمثل العمود الفقرى بالنسبة للعديد من الأسر.. أحمد عبدالظاهر، رئيس الجمعيات التعاونية الاستهلاكية، رئيس اتحاد العمال السابق، يجيب عن العديد من الأسئلة التى تتردد فى الساحة.. ما أسباب ضعف وعى الجماهير بدور الجمعيات التعاونية وهل قناةالسويس تعد نموذجاً لارتفاع الوعى؟ - لقد تجلى دور الشعب المصرى العظيم فى تمويل القناة والاستثمار فيها، وضرب النموذج الرفيع للإحساس الوطنى المفعم بالإرادة الحرة، ولم يخدم هذا الشعب نفسه فحسب إنما خدم العالم بأسره، وربما يرجع غياب الثقافة التعاونية لدى الجمهور إلى عدم وجود دراسات وكتيات وتنظيم لمؤتمرات تفى بشرح ذلك، وكذلك إلى عدم اهتمام الجمعيات التعاونية بإبراز أنشطتها إعلامياً لأنها مستغرقة فى قلب الأسواق تتعامل مباشرة مع الجماهير خاصة بالأقاليم، لكن ستشهد الفترة المقبلة ترويجياً إعلامياً وحشداً لمعرفة أهمية التعاونيات فهى منظمات شعبية غير حكومية نجحت تجاربها شرقاً وغرباً فى تحقيق العدالة الاجتماعية، ويتعاظم دورها فى التنمية بتوفيرها للسلع والخدمات الأساسية للمواطنين بأسعار تتناسب ومحدودى الدخل، وبذلك تسهم فى خفض معدلات التضخم والفقر، وبالتالى يرتفع مستوى المعيشة، فهى تجمع أفراد الشعب لتلبية احتياجاتهم وتجميع جهود منتجين صغار لتوفير السلع بأنواعها، وكذلك الوحدات السكنية بسعر منخفض قياساً بأسعار القطاع الخاص. 70 مليار جنيه استثمارات ما التحدى أمام الاتحاد العام للتعاونيات الذى ترأسه خلال هذه الفترة؟ - لقد طالبت بإدماج 18 ألف منظمة تعاونية تمثل 12 مليون تعاونى فى منظومة الاقتصاد القومى مع العلم أن حجم استثماراتها يزيد على 70 مليار جنيه، وطالبت المسئولين بالاهتمام بدور التعاونيات الاستهلاكية من ضبط الأسعار، وحذرت من أن تراجع حجم الأراضى الصالحة للبناء يعد عقبة أمام التعاون الإسكانى، كما أن هناك مشكلات بين التعاونيات والحكومة فيما يتعلق بعدم تطبيق قانون الصيد بحسم، وتدخل المحافظات فى شئون الثروة السمكية وتجاهل دور التعاون الإنتاجى فى نشر الصناعات الصغيرة والمتوسطة وأطالب بصدور قانون التعاون الموحد أسوة بقانون الاستثمار الموحد لتجنب التشتت التشريعى. لماذا فقدت الجمعيات الزراعية فى القرى نفوذها القديم؟ - إنه كان هناك عدد من الفلاحين متعثرين فى سداد الديون لبنك التنمية والائتمان الزراعى، وكان هناك مخزون من الأسمدة وعندما نفد تم شراؤها بأسعار عالية ثم انخفضت الأسعار قبل التسويق، وجاءت مبادرة الحكومة مشكورة بمد فترة سداد ديون الفلاحين، وعادت إلى التعاونيات لتكون المسئولة عن توزيع الأسمدة مع قيام البنوك الزراعية بالتمويل فقط، كل ذلك يؤدى إلى اضطراب السوق وعلينا أن ندرك طبيعة الجمعية التعاونية كمؤسسة اقتصادية تعمل وفق مبادئ الربح والخسارة وذلك ضمن اقتصاد السوق، فهى ليست جمعية رمزية، ولكن لها الطابع الاجتماعى للملكية، والجانب الأخلاقى الذى يميز التعاون وتوزيع الربح على الأعضاء. هدفنا منع الاحتكار هل تنسق التعاونيات مع التنظيمات الأخرى لمحاربة الغلاء؟ - نعم هناك تعاون وثيق بيننا وبين حركة «مواطنون ضد الغلاء» وعقدنا ندوات بنقابة الصحفيين، وذلك من أجل حماية وتوعية المستهلك، و«مواطنون ضد الغلاء» حركة اجتماعية اقتصادية شعبية تمثل وعاء جامعاً لكل المصريين بكل انتماءاتهم مستهدفة تشكيل اتحاد عام للمستهلكين من أجل الحد من غلاء الأسعار قبل أن يستفحل خطره ويستأسد على الناس المحتكرين، وهى تضم أعضاء من المثقفين والشعراء والكتاب والفنانين وتسعى لإنشاء جمعية تعاونية فى كل محافظة على أن يجمعها اتحاد واحد وتمارس عملها بشكل مستقل عن الأجهزة الحكومية وتطبق المعايير الدولية للحركة التعاونية فهى تقوم بشراء السلع الأساسية بشكل جماعى للحصول على ميزة أسعار الجملة، ولكن الوسطاء والمحتكرين أولئك الذين يلعبون بالأسعار، ليمثلوا بذلك قوة تسويقية كبيرة فى السوق المصرية من أجل تخفيض الأسعار. ما المعايير التى على أساسها يتم التنسيق بين المنظمات؟ - تنص المعايير الدولية للتعاون على المساواة بين أعضاء الجمعيات التعاونية، والعمل بنسبة ربح محدودة، على أن يوزع الربح فى نهاية العام على الأعضاء بنسبة مشترياتهم من الجمعية، وليس بنسبة مساهماتهم فى رأسمالها. ما عدد التعاونيات فى مصر؟ - يبلغ عدد الجمعيات التعاونية الزراعية 6682 جمعية تضم أكثر من 4 ملايين عضو وحجم أعمالها 30 مليار جنيه على مساحة 7 ملايين فدان وتوفر نصف مليون فرصة عمل عند استصلاح نصف مليون فدان، وعدد التعاونيات الاستهلاكية 3426 بالإضافة ل15 اتحاداً إقليمياً و7 مكاتب وتضم 7.7 مليون عضو وحجم أعمالها أكثر من 30 مليار جنيه وتوفر 20 ألف فرصة عمل ووصل عدد التعاونيات الإسكانية 2060 جمعية تضم 2 مليون عضو، وحجم أعمالها مليون وحدة سكنية بقيمة 11 مليار جنيه وتوفر 15 ألف فرصة عمل، ويبلغ عدد الجمعيات الإنتاجية 482 جمعية تضم 58184 عضواً وحجم أعمالها نحو 15 مليار جنيه وتوفر مائة ألف فرصة عمل، وتقتصر تعاونيات الثروة المائية على 92 جمعية وتضم 100 ألف عضو وحجم أعمالها 10 مليارات جنيه. أسعار اقتصادية لماذا يشكو البعض من وجود منافذ تبيع السلع بأسعار مرتفعة؟ - إن من يزعم أن الجمعيات التعاونية تبيع بأسعار مرتفعة إنما يقصد شركات النيل والأهرام والإسكندرية وهى شركات تابعة لوزارة الاستثمار ولها منهجها، ولا علاقة لها بأى حال بالجمعيات التعاونية الاستهلاكية التى هى مخصصة لخدمة وحماية المستهلك. متى نشأت حركة التعاونيات فى مصر؟ - عام 1908 على يد عمر لطفى الذى درس فى إيطاليا ونقل التجربة لمصر فى ظل الأزمة المالية التى كانت تنذر بوقوع أراضى الفلاحين فى أيدى المرابين، فدعا إلى إنشاء جمعيات تعاونية زراعية، ولم يكن هناك وقتها قانون ينظم العمل، فتأسست تحت اسم «نقابة شبرا النملة الزراعية» وفى العام التالى نشأت أول جمعية تعاونية استهلاكية «شبكة التعاون المنزلى فى الإسكندرية» عام 1909 تحت سيطرة التجار الأرمن واليونانيين فى المحافظة، ثم تطورت الحركة وتعددت قطاعاتها، وعند التأميم فى الستينيات من القرن الماضى أنشأت جمعية تجارة الجملة وتأسست شركات التجارة الداخلية مثل المصرية للأسماك والجمعية التعاونية للبترول ثم حدث التباس فى علاقتها بالدولة، بسبب تدخلها المتزايد فى أنشطة التعاونيات وبالتالى صنفت التعاونيات على أنها حكومية مما انعكس على التشريع القانونى، وقد نظمت الجمعية التعاونية الإنتاجية للطباعة بمشاركة الاتحاد التعاونى الإنتاجى أكبر معرض للطباعة والتغليف فى الشرق الأوسط وأفريقيا قبل شهرين وتم توجيه الدعوة لكافة المسئولين إلا أن أحداً لم يحضر سوى وزير الاتصالات المهندس خالد نجم، وقد شارك فى المعرض 167 شركة أجنية و140 شركة عربية وبلغت الدول المشاركة 22 دولة وبلغ عدد الزائرين 18 ألف زائر، وقد تضمن دستور 2014 أن تراعى الدولة التعاونيات بكل صورها وتدعمها كما يكفل الدستور استقلالية الاتحاد وأيضاً حماية الملكية التعاونية. الخير قادم ما دوركم فى دعم المشروعات الوطنية الكبرى؟ - أطالب القيادة السياسية بتحقيق الهدف التعاونى الشعبى بمشاركة التعاونيات فى المشروعات الكبرى إذ ذلك يكفل إنجازها بأقل تكلفة وفى وقت قصير فللزمن عنصره الحاسم فى تعافى مصر لتأخذ مكانها اللائق بين الأمم تحت راية الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى يقود السفينة بحكمة واقتدار ونطالب بالمشاركة فى مشروعات تنمية سيناء ومحور قناةالسويس ثم العمل على تأسيس الاتحاد التعاونى لدول حوض النيل الذى اقترحه الاتحاد منذ ست سنوات لأن مياه النيل شريان الحياة لمصر وتمثل السدود عليه تحدياً يواجه الوطن، وأطالب بإعداد صفوف شابة من الكوادر التعاونية من خلال أحدث برامج التعليم والتدريب والإعلام التعاونى لتجديد الدماء بهذه العناصر الشابة والعمل على انضمام مصر للتعاونيات بالأممالمتحدة وهى لجنة جديدة لدعم القطاع التعاونى فى العالم النامى والاستفادة من المنح والقروض الميسرة التى تخصصها المنظمات الدولية لدعم التعاونيات فى البلاد النامية. والدول صاحبة أسرع نمو اقتصادى فى العالم «البريكس» وهى روسيا والهندو الصين وجنود أفريقيا والبرازيل قد حققت تجاربها الناجحة من خلال التعاونيات وتطبيق التعاون هو جوهر الأديان فقال تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى»، ومن ثمار هذا التعاون ما قامت به القوات المسلحة مع الشرطة المصرية فى الحفاظ على مقدرات الشعب المصرى بعد ممارسات جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية بمقدرات مصر وشعبها العظيم وتشويه صورة الإسلام والافتراء على الأزهر الشريف الذى حمى وسطية الإسلام وصدره فى أجمل صوره للعالم عبر أكثر من ألف عام وتطاولوا على رموزه وعلى رأسهم الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف. بأى مقدار تنخفض الأسعار بالتعاونيات عن مثيلاتها؟ - تنخفض عن مثيلاتها بالقطاع الخاص بنسبة تصل إلى 30٪، ففى فروعنا اللحوم الحمراء المجمدة تباع ب26 جنيهاً للكيلو، واللحوم البلدية ب57 جنيهاً والأسماك البلطى ب10 جنيهات للكيلو، أما الخضراوات فالأسعار فى متناول الجميع، إن الحركة التعاونية لعبت دوراً كبيراً فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى ظل الظروف التى مرت بها البلاد فقد ساهمت فى تلبية حاجة المواطنين بأسعار مخفضة، والعمل فى التعاونيات رسالة وليس وظيفة، والتعاونيات تضع نصب عينيها رسالتها وهى الاهتمام بالمواطن البسيط وذلك فى ظل انشغال منظمات المجتمع المدنى على مدار فترة طويلة خاصة إبان ثورتى 25 يناير و30 يونية بالعمل السياسى مهملة الجانب الاقتصادى والتعاونى الاستهلاكى، بل إن كثيراً من الجمعيات التعاونية الاستهلاكية كانت تغلق أبوابها فى هذه الفترة نتيجة أعمال العنف والتخريب مع العلم أن قطاعات الدولة ثلاثة هى القطاع العام والتعاونى والخاص، والملكية كذلك ثلاث هى الملكية العامة والتعاونية والخاصة، والجهة المختصة بالتعاونيات هى رئاسة مجلس الوزراء. إلى أى حد يمكن أن تتجاوز التعاونيات الحدود لتتواجد فى البلاد العربية؟ - أحد مبادئنا هو التنسيق بين التعاونيات وهذا مبدأ تم إقراره منذ عام 1966 خلال الاجتماع الذى عقد فى بلغاريا وقتها وتضمن ضرورة تعاون التعاونيات الوطنية، ومن ثم نقل هذا التعاون إلى التعاونيات الإقليمية والدولية لما فى ذلك من تكامل، والحلم العربى فى مجال التعاونيات هو تعزيز الاستيراد بين الدول العربية بدلاً من الاستيراد من الدول الأوروبية لإنعاش الاقتصاديات العربية وتعزيز الشراء الجماعى، وقد أصدرت الجامعة العربية اتفاقية منظمة التجارة العربية لتقليص الجمارك فيما بين بلادها كل عام بنسبة 10٪ لتصل بعد فترة إلى صفر، وأشيد بدورى بالتجربة التعاونية الكويتية، فقد شهدت تطوراً رغم حداثة عهدها، وأدعو كل البلاد الخليجية الشقيقة أن تحذو حذوها. لماذا تردت الصناعات الحرفية فى مصر بعد أن تميزت بها قروناً؟ - بالفعل قد غطى التراب ما يقترب من 60٪ من أنشطة مصر الحرفية فهل يعقل أن يمتلئ حى خان الخليلى بمنتجات صينية، لقداختفى العامل الماهر والمعلم المصرى الحقيقى لكن الأمل فى دستورنا الجديد الذى نص على الحفاظ على الحرف والصناعات التقليدية وفتح آفاق ومجالات للتدريب على الصناعات التى تتعرض للاندثار، وهى أحد شرايين للاقتصاد القومى. ما الجديد فى مجال إقامة أسواق تعاونية بمصر؟ - التعاونيات الاستهلاكية فى قنا فى سبيلها لإقامة مجمع تعاونى استهلاكى بالمحافظة أسوة بالذى أقيم بالعريش ومنطقة الترجمان بالقاهرة، وقد خصص اللواء عبدالحميد الهجان، محافظ قنا، أرضاً لهذا الغرض، وهو أمر يؤدى إلى ضبط السوق وتوفير السلع بأسعار مناسبة ويمنع الاحتكار خاصة أن محافظة قنا تبعد كثيراً عن القاهرة.