أجمع خبراء القانون على وجود عوار دستورى فى مشروع قانون تنظيم الاعلام الجديد المزمع تقديمه للحكومة، لما يحتويه من تفرقة واضحة بين الصحف القومية والصحف الحزبية والعاملين فيهما، ومن ثم أكدوا عدم دستورية هذا القانون حيث إنه مخالف لمواد الدستور التى تنص على المساواة بين جميع المواطنين فى الحقوق والواجبات، ورغم أنه يتضمن نصوصا واضحة على الحرية والمسئولية إلا أنه لم يعد قانونا منظما لمهنة الصحافة بشكل عام لأنه يتضمن نصوصا تخص الصحف القومية دون غيرها، ومن ثم أصبح قانونا خاصا بالمؤسسات القومية وليس لتنظيم المهنة بشكل عام. و كان قانون تنظيم الاعلام الذى تم اعداده مؤخراً تمهيداً لعرضه على الحكومة لمراجعته انتظارا لتشكيل مجلس الشعب لاقراره، قد شهد موجة رفض عارمة من العاملين فى الحقل الاعلامى خاصة الصحفيين لما يحتويه من تفرقة واضحة بين العاملين منهم فى المؤسسات القومية وغيرهم من العاملين فى الصحف الخاصة والحزبية، حيث أفرد مشروع القانون الباب الرابع الذى يحتوى على 12 مادة للصحف القومية والعاملين فيها حيث نصت المادة 78 على تعريف الصحف القومية المملوكة للدولة، وطبيعتها والتزاماتها نحو المجتمع، أما المادة 79 من المشروع فقد نصت على أن «تنظم العلاقة بين المؤسسات الصحفية القومية وجميع العاملين بها من صحفيين وإداريين وعمال أحكامُ عقدِ العمل الفردي المنصوص عليها في قانون العمل، ولا يجوز نقل الصحفي من مؤسسة صحفية قومية إلى أخرى إلا بموافقته، وموافقة المؤسستين معاً، وذلك دون انتقاص أيّ حق مادي أو أدبي مقرر له سواء أكان هذا الحق أصليًا أو إضافيًا، مع الالتزام بالحدين الأدنى والأقصى للأجور المقررين من الدولة»، وإذا كانت هذه المادة قد نصت على حق الصحفيين العاملين فى الصحف القومية على الحد الأدنى للأجور المقرر من الدولة فقد تناست المادة أجور العاملين فى الصحف الحزبية والخاصة، وهى أجور هزيلة لا تضمن للصحفى حياة كريمة، وبالتالى أصبح العاملون فى هذه المؤسسات فريسة لا حامى لهم بعد أن تركهم القانون بدون مظلة تحميهم من تقلبات أصحاب رؤوس الأموال، بل والأكثر من ذلك أن المادة 84 تحدثت عن العاملين فى الصحف القومية وسن المعاش الخاص بهم، دون الوضع فى الاعتبار أن الصحفيين العاملين فى الصحف الحزبية والخاصة قد يصلون لهذه السن يجب أن يشملهم القانون برعايته، حيث نصت المادة على أن «تكون سن الإحالة للمعاش للصحفيين والإداريين والعمال بالمؤسسات الصحفية القومية ستين عامًا، ويُمَدّ للصحفيين حتى سن الخامسة والستين، وللهيئة الوطنية للصحافة إصدار قرار بعدم المد للصحفي الذي صدرت ضده عقوبات تأديبية من النقابة في آخر ثلاث سنوات، أو الذي لم يقض عشرين عاماً على الأقل في خدمة المؤسسات الصحفية القومية بشرط أن تكون منها الخمس سنوات الأخيرة متصلة. ويجوز المد سنة فسنة للعمال والإداريين حتى الخامسة والستين بقرار من مجلس إدارة المؤسسة، على أن يحال إلى الهيئة الوطنية للصحافة لاعتماده. ويحصل من يتم المد له على مكافأة شهرية تعادل الفارق بين إجمالي آخر مرتب حصل عليه قبل إحالته للمعاش وقيمة هذا المعاش، ويزداد الراتب سنويًا بنسبة العلاوة الدورية، كما يظل متمتعًا بميزة العلاج المقررة بالمؤسسة، وما تقرره من حوافز أو أرباح للعاملين فيها، ولا يتولي أحد بعد سن الستين رئاسة مجلس الإدارة، أو رئاسة التحرير، أو أي منصب قيادي في إدارة التحرير»، ويبدو أن المشرع تناسى العاملين فى الصحف الحزبية والخاصة فى هذه النصوص لسببين : إما اعتقادا منه بأن العاملين فى هذه الصحف لن يصلوا لسن المعاش لأنهم سيموتون كمدا بسبب هذا القانون المجحف وأوضاعهم المزرية داخل مؤسساتهم، أو أن هذه المؤسسات ستغلق أبوابها لتظل المؤسسات المملوكة للدولة مغردة وحدها فى الساحة!! هذه النصوص وغيرها جعلت الدكتور عادل عامر أستاذ القانون المدنى ومدير المركز المصرى للدراسات القانونية يصف هذا المشروع بغير الدستورى لأنه يخالف مواد الدستور التى تنص على المساواة بين المواطنين، مشيرا إلى أن المشروع فى مجمله يرسخ لمبادئ الحرية وحماية الصحفيين من الفصل من العمل إلا بعد الرجوع للنقابة، ولكن يؤخذ عليه التمييز بين العاملين فى الصحف القومية وغيرهم من العاملين فى الصحف الحزبية والخاصة، كما أنه يميز بين الصحف القومية والحزبية كمؤسسات لأنه نص على اعفاء الصحف القومية من مديونياتها السيادية للدولة مثل الضرائب والتأمينات، رغم ان هذا حق للدولة لا يجوز التفريط فيه، كما أنه لم يعامل باقى المؤسسات بنفس الطريقة، كذلك يرى الدكتور عامر أن القانون يفتقر لوجود نصوص بالرقابة على تمويل الصحف القومية وكان لابد من وجود آلية للرقابة على أموالها، وأوضح أن هذا القانون معد لتنظيم مهنة الصحافة والاعلام بشكل عام، ومن ثم يجب أن يتضمن قواعد تطبق على جميع العاملين فى هذا المجال دون استثناء أو تمييز بين العاملين فى الصحف القومية أو الحزبية والخاصة. ويلتقط الدكتور الشافعى بشير أستاذ القانون الدستورى بكلية الحقوق جامعة الزقازيق أطراف الحديث مشيرا إلى أنه طالما أن الصحفى مقيد بنقابة الصحفيين فيجب أن تطبق عليه نفس القواعد سواء كان يعمل فى مؤسسة قومية أو حزبية أو خاصة، فمواد الدستور تنص على المساواة بين جميع المواطنين فى الحقوق والواجبات ومن ثم فلا يجوز منح حقوق لأى مواطن لأنه يعمل فى جهة معينة لا يحصل عليها مثيله الذى يعمل فى جهة أخرى مشابهة، كما أن مصر وقعت على العهد الدولى للحقوق المدنية والاجتماعية منذ عام 1982 وهو نافذ منذ هذا التاريخ، وينص هذا العهد على المساواة بين جميع المواطنين، ومن ثم لابد أن يتمتع جميع الصحفيين بنفس الحقوق والواجبات، وغير ذلك يعد إخلالا بالتزامات مصر الدولية، وأضاف أن هذا العهد ينص أيضا على حرية الرأى والتعبير، وهو ما يعنى ضرورة تمتع الصحفى بالحرية التى تمكنه من التعبير عن رأيه وألا يتعرض للمساءلة إلا فى حالة تعرضه للغير بالسب أو القذف، ونظرا لأهمية هذه الحريات للصحفى وللمجتمع بأسره نص عليها دستور 2014، ومن ثم يجب الحفاظ عليها وعدم انتقاصها، مع ضرورة الالتزام ببنود الدستور والمواثيق الدولية التى تنص على المساواة بين المواطنين. توافق من ناحية أخرى يرى الدكتور محمود السقا القطب الوفدى وأستاذ القانون بكلية الحقوق جامعة القاهرة أن هذا القانون يجب ألا يصدر بدون توافق جميع العاملين فى الحقل الصحفى عليه، فالصحافة هى السلطة الرابعة ومن ثم يجب حمايتها من خلال قانون يتوافق عليه كافة العاملين فيها، ومن ثم فهذا المشروع يجب أن يخضع لحوار مجتمعى يشارك فيه كل المهتمين بالعمل الاعلامى والصحفى خاصة أن مصر فى حاجة ماسة لقانون لتنظيم العمل الاعلامى يضمن تكريس مبدأ الحرية الذى نص عليه الدستور، لذلك يجب أن يجتمع نقباء الصحافة السابقون مع المسئولين الحاليين، مع ضرورة تمثيل كافة أطياف العمل الصحفى سواء فى المؤسسات القومية أو الحزبية والخاصة للوصول لصيغة للقانون الجديد تنال إجماع جميع العاملين فى هذا المجال، على أن يتضمن هذا القانون آليات لتطوير العمل الاعلامى لضمان توصيل الخبر الحقيقى الصادق للمواطن، مع ضرورة المساواة بين الصحفيين فى الحقوق والواجبات بما يضمن قيامهم بعملهم على أكمل وجه، ودون تمييز بينهم بسبب انتماءاتهم لصحف قومية أو حزبية.