«لا تستحق الحياة العناد من أجلها.. افعل ما تحب حتى تستمتع بها وتشعر بقيمتها».. فلسفة خاصة يؤمن بها الفنان الكبير «أحمد كمال»، يتحرك الرجل على أرض الوسط الفنى بخطى مسموعة، على رغم حضوره وظهوره النادر.. قد يقدم مشهداً عابراً فى مسلسل أو دور بسيط فى فيلم لكنه قادر على أن يستعمر وجدان المشاهد بشكل سهل.. بحثت كثيراً عن «أحمد كمال»، فهو ليس مهووساً أو مغرماً بالحديث لوسائل الإعلام.. ويقول: إن التخلى عن الأشياء يجعل الحياة بسيطة وخالية من التعقيد.. واكتشفت بعد الحوار معه أنه يعيش بمنطق الزاهد على أرض يغرى كل شىء فيها بالامتلاك.. نشأ الفنان الكبير وسط أسرة بسيطة لديها أفكار ومبادئ خاصة لا تحب الخروج عنها، حصل على ليسانس الآداب قسم التاريخ في جامعة القاهرة، وسافر إلى أوروبا وأمريكا لدراسة فن التمثيل.. وعندما عاد إلى مصر قرر أن يكون ممثلاً مختلفاً ومدرباً لعشاق التمثيل من جيل الشباب. حوار - صفوت دسوقى: كثير من النقاد يرون أن أحمد كمال يستحق مكانة أفضل على خريطة الشهرة لأنك تمتلك أدوات مختلفة ولديك موهبة فريدة.. ما تعليقك؟ - بداية أشكر الناس الذين يثقون فى أدائى ويتابعون أعمالى.. ولكنى أشعر بكل الرضا عن حالى فمن الرائع أن تمتلك فلسفة التخلى عن الأشياء حتى تشعر بالراحة فى هذه الحياة «الشهرة المعقولة حلوة.. الفلوس المعقولة حلوة» كل شىء عندما يكون بقدر بسيط وغير مبالغ فيه يجعلك سعيداً فى حياة تحاصرها الهموم من كل اتجاه.. لذا أقول: إننى سعيد بموقعى ومكانتى. امر غريب كيف تمشى بهذا المنطق وأنت تعمل فى وسط يعتمد على الشهرة والأضواء.. نريد توضيحاً؟! - لا تتصور أو تعتقد أن النجومية تحمل الخير والسعادة لأصحابها دائماً.. النجومية تعاسة ولا أبالغ إذا قلت أن أغلب النجوم تعساء.. أنا أعيش بمنطق الزاهد وربما تكون تركيبتى صوفية إلى حد ما.. فلم أصارع من أجل الانتشار ولم أحارب من أجل المال وأتصور أن السبب فى هذه الأفكار هو المنهج الذى تربيت عليه والمعتقدات التى ورثتها من أبى وأمى. حدثنا عن محيط الأسرة الذى اكتسبت من خلاله تلك الأفكار؟ - أنا من أسرة بسيطة، والدى كان رحمه الله يعمل تاجر أدوات فنون جميلة.. وأمى ست بسيطة كانت حاصلة على شهادة الابتدائية القديمة.. أنا أصغر أشقائى وهم 3 بنات وولد.. ولم يجبرنى والدى على شىء فقد منحنى حرية الاختيار والقرار ومنذ الطفولة أدرك أننى مغرم بالتمثيل فلم يعترض وكان يشجعنى ويأتى لمشاهدتى وتشجيعى دائماً.. علمنى أن أحارب من أجل أفكارى ولا أتنازل أو أدافع عن أفكار مرفوضة من أجل مقابل مادى أو منصب. ظهورك النادر والبسيط.. أمر محير خاصة أنك تمتلك أدوات فريدة فى التمثيل؟ - لست مؤمناً بفكرة الانتشار.. أنا مقتنع بأن الدور الجيد قد يصنع الفنان ويجعله يصل إلى كل الناس ببساطة، بشرط واحد فقط وهو أن يقدم الممثل الدور بإحساسه وبدون افتعال.. كما قلت فى بداية حديثى: البساطة أمر جيد ومؤثر.. أشتغل فى الفن بمنطق العاشق ولا أتعامل معه كصناعة لديها معيار المكسب والخسارة. بعيداً عن الفنان بداخلك.. أنت تقوم بتدريب الشباب الجديد على التمثيل كيف جاءت الفكرة؟ - بالفعل أقوم بتدريب الشباب فى استديو الممثل على التمثيل وسبق أن تعاونت مع نيللى كريم ومنة شلبى.. هناك نجوم حريصون على تنمية أدواتهم الفنية خاصة أن المنافسة فى التمثيل أصبحت صعبة وسيكون البقاء فقط للشخص الموهوب.. اشتغلت فى استديو الفنان محمود حميدة وقمت بتدريب مجموعة كبيرة والآن أعمل فى استديو «زاد» وحاولت تخريج جيل قادر على العبور إلى عقل الناس بدون عناء وبشكل بسيط. وهل يوجد بين أولادك من هو مغرم بالتمثيل؟ - رزقنى الله ببنتين «توأم» والحقيقة أننى لا أحب إجبارهما على أى شىء.. ربيتهما بنفس الطريقة والمنهج الذى تربيت عليه وأتمنى منهما فقط أن يكون اختيارهما يتناسب مع إمكانياتهما لإدراك النجاح. هذا حال التعامل مع بناتك.. فكيف تتعامل مع تلاميذك؟ - أتعامل معهم وكأنهم أولادى.. ودائماً أقول لهم: يجب أن يكافح الإنسان من أجل أفكاره ولا يقدم تنازلات من أجل الشهرة والفلوس.. إذا أخلصت لأفكارك سوف تنجح وتحقق ما تريد.. بالمناسبة الجيل الجديد مؤمن بقيمة التدريب ولذا أنا متفائل بأن هناك مجموعة من الشباب سوف يتصدرون المشهد خلال السنوات القادمة ويصبحون نجوماً على الساحة لأنهم يمتلكون الموهبة ومؤمنون بقيمة التدريب ما المعايير التى تختار على أساسها أعمالك الفنية؟ - هو معيار واحد فقط وهو أن تتفق الأفكار التى يقدمها العمل الفنى مع أفكارى وأن تتسق مع قناعاتى.. ولذا لا أعانى عند اختيار أعمالى ولا يوجد فى أرشيفى الفنى عمل أندم عليه أو ألوم نفسى على قبوله. وماذا عن «حارة اليهود» وما هو المغرى فى العمل؟ - العمل كما تعرف من تأليف الدكتور مدحت العدل، وهو شخصية مثقفة ولديه رؤية.. إلى جانب هذا يحب الاستماع للرأى الآخر وقد يغير رأيه إذا أحس بأن الطرف الآخر الذى يحاوره لديه فكرة جيدة.. اخترت هذا العمل لأنه يريد التفرقة بين اليهودية كديانة وبين الصهيونية كحركة سياسية.. السفارة الإسرائيلية عندما شاهدت الحلقة الأولى اشادت بالعمل وقالت إنه تجميل لوجه الإسرائيليين ولكن بعد الحلقة الرابعة من المسلسل أصدرت بياناً تنتقد فيه صناع المسلسل.. فقد تعرض مسلسل «حارة اليهود» من قبل للهجوم قبل عرضه بحجة أنه يدعو للتطبيع وهذا غير حقيقى وأتصور انه بعد العرض قد ظهرت الحقيقة.. لذا أقول دائماً إنه من الخطأ التسرع فى إصدار أحكام. وكيف كان التعاون بينك وبين منة شلبى؟ - لم يكن هذا اللقاء الأول بينى وبين منة شلبى فقد عملت معها فى فيلم «أحلى الأوقات» للمخرجة هالة خليل.. ونشأت بيننا علاقة طيبة ولا أبالغ إذا قلت إنها تتعامل معى كأب فى الحقيقة ولذا كان العلاقة الجميلة بيننا مصدر نجاح الدور فى المسلسل.. منة شلبى طاقة جميلة فهى فى الحقيقة متحركة ومبتسمة ولها طلة جيدة لذا سعدت بالتعاون معها وحدث انسجام فى العمل.. كما أن منة شلبى تعتمد على نفس منهجى فى التمثيل وهو الرهان على الإحساس الداخلى ونظرة العين التى قد تقول كلاماً كثيراً يعجز اللسان عن توصيله مهما بلغت دقة الحوار. بحكم أنك مدرب للشباب.. هناك اتهام للجيل الجديد بأنه ضعيف فنياً؟ - أرفض هذا الاتهام.. أنا منحاز جداً للشباب ومتحمس لأفكارهم.. الجيل الجديد يعتمد فى تنمية وعيه المعرفى والثقافى على وسائل جديدة، ففى الماضى كان الاعتماد على الكتاب فقط.. ورغم ذلك هناك شباب حريصون على الاطلاع على الكتب الجديدة, متفائل واثق فى أن الأيام القادمة سوف تفرز جيلاً جديداً يجمع بين الموهبة وثقافة الاختيار.. خاصة أننى أعتمد فى تدريبهم على تقديم أشعار مهمة مثل رباعيات صلاح جاهين وأشعار فؤاد حداد.. هذه الأشعار محملة بأفكار جادة ترتقى بالوعى وتعزز القيمة. كيف ترى حال السينما الآن؟ - السينما بكل تأكيد تعانى بسبب كساد عملية الإنتاج لكنها على مستوى الأفكار متطورة جداً.. ومستوى التكنولوجيا متقدم جداً.. فقد تغيرت لغة الصورة فى السنوات الأخيرة بشكل مذهل وهذا بشكل عام أمر جيد.. وأحب الإشارة إلى أن السينما المستقلة تحقق نجاحاً لافتاً للنظر ومؤخراً شاركت فى فيلم يحمل عنوان «الزيارة» للمخرج محمد كريم وحصلت على جائزة أحسن ممثل عن دورى فى الفيلم فى مهرجان للأفلام المستقلة فى إسبانيا وهذا الأمر أسعدنى جداً. وماذا عن مستوى الدراما التليفزيونية؟ - هناك تطور فى الدراما وفى الفترة الأخيرة شاهدنا أعمالاً مميزة مثل «حارة اليهود» و«تحت السيطرة» و«بعد البداية».. ولكنى أرفض الابتذال فى لغة الحوار.. مؤمن بأن الحياة أو الواقع هو مرجع الفنان ولكنى ضد الاعتداء على حياء المشاهد.. وعلى المبدع توصيل الفكرة بشكل لائق دائماً. وما مشروعاتك الفنية القادمة.. وهل هناك جزء تانٍ من حارة اليهود؟ - بصراحة شديدة لا أعرف أى معلومة عن التحضير لجزء ثانٍ من حارة اليهود.. فلم أتلق أى اتصال من الشركة المنتجة ولم يدر حوار بينى وبين الدكتور مدحت العدل فى هذا الشأن.. ولكن يوجد مشروع فيلم سينمائى يحمل عنوان «حرام الجسد» والفيلم من تأليف وإخراج حورية فرغلى ويشارك فى البطولة حورية فرغلى ومحمود البزاوى وسلوى محمد على وأحمد عبدالله محمود نجل الفنان الراحل «عبدالله محمود» ويناقش الفيلم قضية مهمة جداً وهى كيف تؤثر وتسيطر رغبات الجسد على أفكارنا واختياراتنا.