الحرب الدائرة حاليا بين المعارضين لقانون الخدمة المدنية والحكومة انتقلت الى حرب تستخدم مفردات غير مقبولة دخلت فيها اعطاء الحكومة مهلة ومحاولات اسقاط القانون بالقوة وأنه يهدر المليارات من الاموال العامة وعودة لعصر الباشوات وتشكيل جبهات والتهديد بالاضراب والوعيد بالاسقاط غير ناظرين مضمون القانون وفلسفتة وما يهدف الية فى عالم اصبح متغير ولم تصبح الوظيفة الميرى هى المسيطرة والمهيمنة على حياة البشر، وبين الاعتراضات التى تلبى مصالح فئات بعينها دون اخرى وبين دفاع الحكومة عما تخطط له وتستهدفه تحول الامر الى معركة تكسير العظام والرفض ومحاولة كسر ارادة الاخر دون النظر الى المصلحة الكبرى للوطن وتلاقى وجهات النظر عند نقطة تخدم هذه المصلحة. الكثيرون من الشعب المصرى يقرون ان الجهاز الاداري بوضعه الحالى يحتاج الى الاصلاح والتطوير ومكافحة الفساد المستشرى فى الجهاز الادارى وتوفير الخدمات بأسهل الطرق والادوات وتحقيق العدالة فى الاجور وظروف العمل ولا احد ينكر ان الدولة تحتاج الى قانون جديد ينظم الخدمة المدنية المقدمة للمواطنين فلم يعد بمقدور المواطنين فى العصر المتطور حاليا ان يتعاملوا مع جهاز يعمل بأدوات القرن الماضى وبالتالى فان الاصلاح اصبح ضرورة حتمية ومطلوبة فى اسرع وقت ممكن لان لها تكلفة ربما لاتستطيع الدولة تحملها اذا تأخرت فى عملية الاصلاح وفى المقابل هناك حقوق لابد ان تضمنها الدولة وتطمئن اصحابها ليشاركوا فى البناء وهناك اعتراضات يتم تداولها حول استثناء 23 جهة حكومية من تطبيق القانون ومن يعترض على وجود استثناءات لرئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ويعد هذا تقصيراً من جانب الحكومة فى توضيح الجهات الخاضعة للقانون والجهات التى لاتخضع لتطبيقه والتى لم يكن للعاملين معرفة كاملة بها حيث ان القانون الجديد للخدمة المدنية فقط يحل محل القانون رقم 47 المعروف بنظام العاملين المدنيين بالدولة وبالتالى ينطبق على الجهات التى كانت تطبق القانون القديم حيث كانت تسرى أحكامه على العاملين بوزارات الحكومة ومصالحها والأجهزة التى لها موازنة خاصة بها ووحدات الحكم المحلي.،والعاملين بالهيئات العامة فيما لم تنص عليه اللوائح الخاصة بهم، ولا تسرى هذه الأحكام على العاملين الذين تنظم شئون توظفهم قوانين أو قرارات خاصة فيما نصت عليه هذه القوانين والقرارات. كما يعتبر عاملاً في تطبيق أحكام هذه القانون كل من يعين في إحدى الوظائف المبينة بموازنة كل وحدة. وبالتالى فان الجهات الحكومية التى لها قوانين وقرارات خاصة لا تدخل ضمن القانون كشركات قطاع الاعمال العام لانها تطبق القانون 203 والهيئات الاقتصادية والجهات التى لها كوادر خاصة، كما انه لايطبق على وزارة الدفاع او الشرطة لان القانون يخاطب العاملين المدنيين وليس العسكريين وهؤلاء لهم قوانين خاصة بهم ،اما رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء فالقانون لا يستثنى هما من التطبيق ويستثنى فقط التعيين لطبيعة الاختيار بهاتين المؤسستين. ووفقا لتصريحات الدكتور اشرف العربى وزير التخطيط والمتابعة والاصلاح الادارى ان هناك استراتيجة للوصول تدريجيا لان تكون كافة جهات الدولة خاضعة للقانون وانه خلال مدة معينة تصل من ثلاث الى خمس سنوات تذوب خلالها الفوارق الصارخة فى الاجور بين الوزارات والجهات الحكومية المختلفة كهدف اساسى لتحقيق العدالة الاجتماعية والاصلاح الادارى فى الدولة ،وأعتقد ان الدولة عازمة ومصممة على المضى فى القانون الذى هو مطبق حاليا دون رجعة وتداول معارضو القانون بياناً بالجهات التى تخضع له وهى 8 جهات وزارات المالية والتخطيط، والاثار، والثقافة، والتنمية المحلية، والشباب والرياضة والبيئة و23 جهة لاينطبق عليها وزارات الدفاع، الداخلية، الخارجية، التعليم، التعليم العالى والجامعات، وزارة النقل والشركات والهيئات التابعة لها ،وزارة الصناعة والشركات والهيئات التابعة لها وزارة الصحة، وزارة التموين والتجارة الداخلية والهيئات التابعة لها ،وزارة التضامن الاجتماعى وهيئاتها، الزراعة، العدل وخبراء العدل والشهر العقارى، وزارة الاسكان، وزارة الأوقاف، وزارات الاستثمار، الكهرباء، الرى التعليم الفنى، الرقابة الادارية، الجهاز المركزى للمحاسبات، اتحاد الاذاعة والتليفزيون ،الازهر الشريف. أكد صفوت النحاس الرئيس السابق لجهاز التنظيم والإدارة أن القانون الجديد للخدمة المدنية له مزايا عديدة ويعد تغييرا فى فلسفة عمل الجهاز الإدارى فى الدولة، ويحدث حالة من التوازن بين الحفاظ على حقوق العاملين وحقوق المتعاملين مع الجهاز الإدارى. وأنه تحرك جديد فى ضبط عملية التعيين التى ستكون عن طريق إعلان مركزى على موقع الحكومة الإلكترونى، بكل شفافية ودون محاباة أو وساطة، بعد أن تعلن كل الجهات عن الوظائف الخالية وتحصل على موافقة الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة وموافقة الوزير المختص وبمعايير واضحة وبالنسبة لمشكلة ترحيل الاجازات فإن القانون الجديد يشترط على الموظف الحصول على إجازاته ولا يتم ترحيلها، وإذا لم يتقدم للحصول عليها يسقط حقه فيها، وسهل فى نفس الوقت طريقة حصول الموظف على البدل النقدى للإجازات. أما مايتعلق بالاجور فإن هناك ضعفا فى أجور الموظفين بشكل عام بسبب التكدس داخل الجهاز الإدارى للدولة وأن هناك بعض المشروعات الاستثمارية توقفت بسبب منح المخصصات المالية لها كحوافز لبعض العاملين فى الوزارات والهيئات المختلفة. وقد قدم الباحث القانونى المتميز الدكتور زياد بهاء الدين رئيس هيئة الاستثمار والرقابة المالية الأسابق دراسة وافية للقانون مؤكدا انه يمثل خطوة كبيرة نحو إصلاح الجهاز الإدارى للدولة والخروج من حلقة مفرغة وغير قابلة للاستمرار، يتزايد فيها عدد العاملين فى الدولة، وترتفع حصة أجورهم فى الموازنة العامة، ولا يتحسن فيها مستوى أداء الخدمات والمرافق العامة، ولا تتحسن حالة العاملين الوظيفية ولكن من جهة أخرى فإن أسلوب تقديمه من الدولة ودفاعها عنه واستعدادها لتطبيقه لم يكن موفقا. ويؤكد ان القانون الجديد يقدم إطارا شاملا وطموحا لإصلاح الوظيفة العامة، وبه العديد من النقاط الإيجابية منها الأخذ بمفهوم التنمية البشرية فى المصالح الحكومية بدلا من إدارة شئون العاملين، والإعلان بشفافية عن الوظائف الشاغرة، والاعتماد على الاختبارات فى شغلها، وزيادة نسبة الأجر الثابت إلى المتغير، وتنظيم المعاش المبكر لمن يرغب فى ترك الوظيفة العامة، واستحداث منصب الوكيل الدائم للوزارة، وجعل المناصب القيادية محدودة المدة، ومنح العاملات الحاضنات إجازة رعاية طفل مناسبة، واستحداث نظام حديث لتقييم أداء العاملين تقييما عادلا بما يسمح للمتفوقين والمجتهدين بالتقدم والترقى. ويرى ان الاحتجاج المفاجئ ضد القانون والتهديد بمزيد من التصعيد لا ترجع اسبابها للقانون فى حد ذاته، حيث أن كثيرين ممن علقوا عليه بالتأييد أو النقد لم يكلفوا أنفسهم عناء قراءته وإنما الأسلوب الذى انتهجته الحكومة فى تشريع القانون وفى شرحه وفى الدفاع عنه، وذلك للأسباب أربعة اهمها، انه رغم صدور القانون يوم 12 مارس الماضى، فإنه حتى هذه اللحظة لا يزال الجدل دائرا حول من يخضع لأحكامه ومن لا يخضع. و أن كل هيئة أو جهاز أو مصلحة حكومية منشأة بقانون خاص وهى كثيرة قد تكون مستبعدة من نطاق القانون الجديد إذا تضمنت قوانينها جملة مختصرة تفيد خضوعها لنظام وظيفى خاص. وهذا الغموض يبرر للموظف العادى التوجس والشك فى نوايا الدولة، خاصة أن بعض الوزراء والمسئولين سارعوا إلى طمأنة الموظفين التابعين لهم بأنهم خارج دائرة تطبيق القانون الجديد باعتبارهم بذلك أكثر حظا، وهى رسالة سلبية للغاية لمن لا يعملون فى هذه الجهات المتميزة. أما السبب الثانى فهو أن القانون قد أحال معظم أحكامه وبشكل مبالغ فيه إلى اللائحة التنفيذية التى يصدرها رئيس مجلس الوزراء ويملك بعد ذلك تعديلها بمطلق إرادته. وقد تضمنت هذه الإحالة قواعد تشكيل وعمل لجان الموارد البشرية بالوحدات الإدارية (مادة 4)، ودور مجلس الدولة فى إبداء الرأى فى القانون ولائحته (مادة 5)، وقواعد تدريب وتأهيل الموظفين(7)، وتدريب الشباب (مادة 8)، وقواعد اختيار الوكيل الدائم للوزارة (مادة 10)، ومعايير إنشاء المجموعات النوعية بالوزارات والمصالح (مادة 11)، وضوابط تنظيم الإعلان عن الوظائف الشاغرة وإجراء الاختبارات لشغلها (مادة 12)، وحالات عدم صلاحية المعينين تحت الاختبار (17)، وضوابط التعاقد مع ذوى الخبرات والتخصصات النادرة دون اتباع قواعد التعيين العادية (مادة 18)، وقواعد تعيين شاغلى الوظائف العليا (مادة 19)، وقواعد الفصل بين الأقارب فى الوظيفة (مادة 24)، وضوابط وإجراءات تقييم أداء الموظفين (مادة 25)، وكيفية إخطار الموظف بتقرير أدائه (مادة 26)، وضوابط ومعايير الترقية (مادة 29)، وقواعد نقل الموظفين(مادة 31)، وقواعد الندب (مادة 32)، والإعارة (مادة 34)، وشروط منح علاوة التميز العلمى (مادة 38)، وجميع نظم الحوافز والبدلات (مادة 40)، وضوابط الانقطاع عن العمل (مادة 43)، وتحديد العطلات والأيام الرسمية (مادة 44)، وإجراءات الحصول على الإجازات الاعتيادية (مادة 47)، وقواعد حساب الأجر للعاملين لبعض الوقت (مادة 51)، وأبادر بالتأكيد أنه من الطبيعى أن تحال الأحكام التفصيلية لأى قانون إلى لائحته التنفيذية، ولكن فى هذه الحالة فإن القانون كله جرت إحالته للائحة، الأمر الذى دفع إلى المزيد من التوجس والشك فى نوايا الحكومة تجاه الموظفين مستقبلا. أما السبب الثالث فهو أن نصوص القانون والتصريحات تتناول فكرة العدالة الوظيفية أساسا من منظور الأجر. وهذا أمر جيد ولكنه غير كاف، لأنه يغفل أن التفرقة الصارخة بين موظفى الدولة ليست فقط فى الأجور، وإنما أيضا وبدرجة أشد فى ظروف العمل. وهناك تفاوت فاحش يجعل موظفا حكوميا فى هيئة عامة متميزة يعمل فى مكتب نظيف ومكيف وفيه كل أدوات ووسائل العمل (وهذا هو الوضع الطبيعى الذى يستحقه كل الموظفين)، بينما زملاؤه فى مصلحة عادية أو فى قرية نائية يعملون فى مقار لا تليق بالبشر الامر الاخير لابد ان يوضع القانون فى اطاره الثقافى والاجتماعى للذين يخاطبهم فهو يضع نظاما مثاليا لتقييم العاملين بواسطة لجان جديدة فى كل وحدة وهذا هدف نبيل وتحقيقه يمثل قمة الإصلاح الوظيفى فى الدولة. ولكن تنفيذه على 7 ملايين موظف يتطلب برنامجاً هائلاً قد يستغرق أعواما للاستعداد والتوعية والتدريب للموظفين ولأعضاء لجان التنمية البشرية