«إحنا نجحنا في تشغيل قناة السويس، لكن مش عارفين نشغل قصر العيني».. المقولة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ورغم أنها قيلت قبل أكثر من نصف قرن، إلا أنها لا تزال تعبر بصدق عن حال الصحة حتى الآن.. فمصر التي تمكنت من تحقيق إنجاز تاريخي في قناة السويس الجديدة، هي نفسها التي فشلت في حل أزمة العلاج في مصر علي مدي عقود طويلة.. والسؤال الآن هل يمكن أن نستلهم روح القناة ونحل أزمة الصحة في عام أو اثنين أو حتى ثلاثة؟.. إذا كان الأطباء يبدأون العلاج بتشخيص المرض، فبذات الطريقة يبدأ علاج أزمة الصحة.. بتشخيص حال الصحة .. والحقيقة أن كل المؤشرات والإحصائيات تتفق علي أن الوضع الصحي في مصر كارثى.. فالنقص في عدد الأطباء يبلغ 50%، وفي مجال التمريض الحال أسوأ، فالنقص يصل إلي 75%.. ونسبة الأطباء إلي عدد السكان يبلغ 0٫7 طبيب لكل 1000مواطن، في حين أن النسبة في الدول النامية مثل مصر، يجب آلا تقل عن طبيبين لكل 1000 مواطن عدد الأسرة في المستشفيات يعادل 1٫2 سرير لكل ألف مصري، بينما المعدل في بلدان العالم الثالث، لا يقل عن 5 أسرة لكل ألف مواطن. وفوق هذا فإن مخصصات الصحة في ميزانية مصر لم يتجاوز بعد 2٫4% من ميزانية الدولة رغم أن الدستور نفسه نص صراحة علي ألا تقل مخصصات الصحة في موازنة الدولة عن 3% من الناتج المحلي الإجمالي. وما زاد الأمر سوءاً أن عدد المرضي في مصر يتجاوز 60 مليون مصري، عدد كبير منهم يعاني أمراضا مزمنة، 26% من المصريين فوق 25 عاما يعانون من مرض الضغط، و11% من المصريين يعانون مرض السكر، وحوالي 12 مليون مصري يعانون الأمراض الكبدية و27% من الأطفال تحت سن 5 سنوات يعانون التقزم بسبب سوء التغذية.. هذا هو باختصار واقع الصحة في مصر.. فهل لهذا الحال من إنقاذ؟.. السؤال طرحته علي ثلاثة من كبار المهتمين بالقضية فاتفقوا ثلاثتهم علي أن إنقاذ الصحة وارد جدا ولكن بشروط.. الدكتور محمد حسن خليل منسق حركة الدفاع عن الحق في الصحة أكد أن إنقاذ الصحة يمكن أن يتحقق خلال عامين.. وقال ل«الوفد»: «النظام الصحي يتكون من 3 عناصر.. القوة العاملة الفنية من أطباء وتمريض.. ثم مستلزمات تقديم الخدمة من أدوية ومستلزمات طبية.. وثالثا منشآت الخدمات الطبية من مستشفيات وعيادات ومراكز تشخيص وتأهيل وغيرها، وكل واحد من تلك العناصر يعاني خللا خطيرا». وأضاف «كم من مستشفيات وأقسام طبية تمثل جبالا من الرخام والسيراميك بدون أطباء، والسبب أن هيكل الأجور طارد مما يدفع معظمهم للهجرة المؤقتة والدائمة للخارج، ووصل الأمر لدرجة أن وزير الصحة السعودي قال ذات مرة بأنه هو وزير الصحة المصري لأن عدد الأطباء المصريين فى السعودية أكثر من الأطباء فى وزارة الصحة المصرية!.. ومواجهة هذا الخلل يحتاج إلي وضع هيكل أجور جديد للأطباء والتمريض جاذب للعمالة المهاجرة ويهيئ لهم مستوى المعيشة اللائق». وواصل «المستشفيات العامة تعاني نقصاً فادحاً في الأدوية لدرجة أن الأدوية والمستلزمات الطبية تنفذ خلال أول أربعة أو خمسة أيام في مستشفيات وزارة الصحة ، أما مؤسسات تقديم الخدمة فى مصر فتشهد مفارقة غريبة، فمنذ الستينات كانت منظمة الصحة العالمية، تعتبر التجربة المصرية رائدة في العالم، ووقتها تبنت الدولة مخططا يتضمن إقامة وحدة ريفية في كل قرية، ومستشفي مجمع لكل 10 قري متجاورة، ومستشفي يضم 100 سرير في كل مركز من مراكز المحافظات، إضافة إلي مستشفي عام في كل محافظة، وبالفعل تم بناء حوالي 3 آلاف وحدة ريفية، و300 وحدة ريفية مجمعة، و125 مستشفي مركزياً و25 مستشفي عاماً، وتوقف التوسع في بناء المستشفيات بعد يونيو 1967 بسبب دخول مصر في حرب طويلة مع الكيان الصهيوني، ولما انتهت الحرب في السبعينات وبدأ عصر الانفتاح تجاهلت الدولة القطاع الصحي وتراجعت الميزانية المخصصة للصحة حتى وصلت إلي 1٫7% من ميزانية الدولة، فضرب التدهور جميع المستشفيات وصار أغلبها الآن يحتاج للترميم أو للهدم وإعادة البناء، وتدهورت أجور الأطباء ففضلوا السفر خارج مصر، مما خلف نقصاً شديداً في عدد الأطباء لدرجة أن 30%من الوحدات الريفية مغلقة لعدم وجود أطباء». الحكومة خالفت الدستور وواصل الدكتور محمد حسن خليل «الحكومة فاجأتنا بأنها لم تنفذ ما ورد فى الدستور فيما يتعلق برفع معدلات الإنفاق إلى 3% من الناتج المحلى الإجمالي تزاد تدريجيا إلى المعدلات العالمية، وتعهدت خلال 3 سنوات، ثانيا لم تكد تضيف شيئا في السنة الأولى. وأثناء إعداد ميزانية العام المقبل اعترفت بأن ما خصص العام الماضي كان 2٫2%، وأنها سوف ترفعه كل عام بنسبة 0٫4% من الناتج المحلى الإجمالي لكي يصل إلى 3% عام 2016-2017 كما جاء بالدستور. ولكن عندما أعلنت الموازنة الجديدة منذ أيام اكتشفنا أن مخصصات الصحة لم تزد إلا إلى 2٫4% فقط من الناتج المحلى الإجمالي، أي بما يساوى نسبة التضخم تقريبا، وهكذا لا أمل في التزام الحكومة بالدستور ولا أمل في تحسين الوضع الصحي ككل». وأكد الدكتور محمد حسن أن إنقاذ صحة مصر، رغم كل ذلك وارد جدا.. وقال «العلاج يبدأ بزيادة مخصصات الصحة، ووضع خطة سليمة لتوزيع بنود الميزانية لتحقيق 3 أهداف سريعة، أولها رفع رواتب الأطباء والممرضين، وتوفير الأدوية ومستلزمات العلاج بالمستشفيات، ثم تجديد وتطوير المستشفيات القائمة خاصة أن بعضها آيل للسقوط ومع ذلك ما زال يستقبل المرضي، فمستشفي سوهاج العام - مثلا- آيل للسقوط منذ عام 2007 ومع ذلك مازال في الخدمة حتى الآن». ومن جانبه يؤكد الدكتور خيري عبدالدايم نقيب الأطباء أن أزمة الصحة في مصر ليست أزمة أطباء، بدليل أن أطباء مصر في الخارج يثبتون كفاءة كبيرة .. وقال «علاج أزمة الصحة في مصر يحتاج إلي «سيستم» صحي واضح ومحدد، وإذا وجد هذا «السيستم» وتحدد دور كل فرد في القطاع الصحي ستتحسن الأوضاع كثيرا وفي فترة زمنية قصيرة». وأضاف «المصريون ينفقون 120 مليار جنيه سنويا علي العلاج، منها 80 مليون جنيه تحصل عليها المستشفيات الخاصة ولو تم جمع هذا المبلغ وضخه في القطاع الصحي الحكومي لتمكنت مصر من بناء منظومة صحية متميزة تجعلها علي قمة الدول المتقدمة في المجال الصحي». أما الحسين حسان مؤسس حملة «مين بيحب مصر» فيؤكد أن تحقيق إنجاز في قطاع الصحة يضاهي إنجاز قناة السويس يحتاج إلي شرط واحد وهو الإدارة الحازمة والإرادة الفولاذية التي تمتاز بها القوات المسلحة .. وقال « انجاز قناة السويس تحقق لأن الذي تولي تنفيذ المشروع وأشرف عليه هي القوات المسلحة وهذا ما صنع الفارق». وأضاف «الحكومة تحتاج إلي حكومة وكل مشروعاتها إما متعثرة أو متردية، لأنها حكومة متابعة ميدانية، والإنجازات العظيمة لا تحققها حكومة من هذا النوع، فتطوير منظومة الصحة وحل كل أزمات مصر، ليس أمرا مستحيلا ولكنه يحتاج فقط إلي إرادة وإدارة حازمة وحاسمة وقوية مثلما هو الحال في القوات المسلحة».