ساعات قليلة ونحتفل بعيد الفطر المبارك، هذا العيد الذي تتزين فرحته بالكعك والبسكويت كعادة توارثتها الأجيال عبر العصور حتي إن الكعك يعد لدي غالبية المصريين من أهم مظاهر الاحتفال فلا تكتمل فرحة العيد إلا بوجوده علي المائدة قبل صلاة العيد كوسيلة لإدخال البهجة في نفوس الكبار والصغار.. وعلي الرغم من ارتفاع أسعاره هذا العام بنسبة تزيد علي 20٪ مقارنة بالعام الماضي إلا أن أغلب الأسر لم تستغن عنه ولجأت لتقليل كميات الشراء من الكعك الجاهز فيلجأ البسطاء الي البدائل بعيدا عن المحلات الكبري من خلال شراء أنواع أقل جودة من المخابز أو المحلات الصغيرة أو حتي خبزه داخل المنازل ومهما كانت الحالة الاقتصادية سيئة فعادات المصريين لا تنقطع أبدا ولا يمكن أن يحل عيد الفطر بلا كعك. صناعة كعك العيد ليست بجديدة علي المصريين بل انتقلت الينا عبر العصور القديمة وكانت الحضارة الفرعونية أول من عرفت صناعة الكعك حيث اعتادت زوجات الملوك علي تقديم الكعك للكهنة ممن يقومون علي حراسة هرم خوفو يوم تعامد الشمس علي حجرة خوفو ابتهاجا بهذه المناسبة وكان الجنازون في البلاط الفرعوني يتفننون في تصنيعه ونقشه بأشكال متعددة حيث كانوا يشكلونه علي شكل أقراص تشبه تميمة الآلهة «ست» إحدي التمائم السحرية التي تفتح للمتوفي أبواب الجنة وفقا لهم بينما كان البعض الآخر يصنعه علي شكل زهور أو يرسمون عليه صورة للإله رع وقد ظهرت أول صور للكعك علي مقبرة الوزير «خميرع» ومعها شرح لطريقة تصنيعه واستمرت بعد ذلك صناعة الكعك وانتقلت عبر العصور وازدهرت في عصر الدولة الطولونية حيث كان يصنع في قوالب مكتوب عليها عبارة «كل واشكر» وكان أبوبكر المادراني وزير الدولة الاخشيدية هو أول من صنع كعكا في عيد الفطر وقام بشحوه بدنانير ذهبية وكان يقدم للعامة في دار الفقراء علي مائدة بطول 200 متر وفي عهد الدولة الفاطمية خصص الخليفة العزيز الفاطمي مبلغ 20 ألف دينار لعمل كعك عيد الفطر وكانت عملية تصنيعه تبدأ من منتصف شهر رجب ويوضع بالمخازن حتي موعد توزيعه في أيام العيد علي العامة من الشعب كما خصص من أجل صناعته إدارة خاصة تسمي «دار الفطرة» وهي التي تتولي التصنيع والتوزيع علي الناس، الذين كانوا ينتظرون توزيعه قبل عيد الفطر ويقفون أمام أبواب القصر لينال كل منهم نصيبه وكان التوزيع يتم بإشراف من الخليفة نفسه. تغير الطعم وبقي الاسم تطورت أشكال وطعم الكعك من أيام الفراعنة حتي يومنا هذا وبعد أن كان يصنع بالايدي أصبحت له المخابز الآلية والماكينات الخاصة التي تسهل من عملية تصنيعه وفي جولة ل«الوفد» في الأسواق للتعرف علي أسعار الكعك هذا العام ورصد الإقبال علي عمليات الشراء وجدنا أن الأسعار زادت بصورة كبيرة وقفزت بنحو 20٪ عن العام الماضي ورصدنا أن البسطاء يهربون من شراء الكعك الجاهز غالي الثمن الي شراء مستلزمات الكعك من دقيق وسمن وسكر وكل ما يدخل في صناعته وإعطائها لأصحاب المخابز من أجل إعداده هو والبسكويت والبيتي فور حيث توفر هذه الطريقة الكثير من المال والجهد علي الأسرة. وأثناء جولتي في المناطق الشعبية لاحظت وجود فارق كبير في الأسعار باختلاف الحي وأيضا المحل والشارع وذلك يرجع الي نوعية المكونات المستخدمة في صناعة الكعك فهناك من يعتمد في صناعته علي المسلي الصناعي وآخرون يعتمدون علي استخدام الزيوت والقليل منهم يستخدم السمن البلدي، أو الزبدة الصفراء وتراوح سعر كيلو الكعك في المناطق الشعبية من 18 جنيها الي 24 جنيها والكعك المحشو من 24 جنيها الي 35 جنيها للكيلو أما البسكويت فيتراوح سعره من 20 الي 24 جنيها للكيلو وسعر البيتي فور من 28 جنيها للسادة حتي 35 جنيها للكيلو ويصل سعر كيلو الغُريبة الي 28 جنيها أما المنين والقرص فيصل سعر الكيلو الي 16 جنيها والملفت للنظر هذا العام هو اقبال البسطاء علي شراء احتياجاتهم من المخابز حيث تفرغت الأخيرة تقريبا لصناعة وبيع احتياجات العيد من الكعك والحلوي وبيعها بأسعار أقل من الكعك الجاهز المعلب الذي تروجه شركات معروفة للحلوي ولا يبالي البسطاء بجودة المنتج أو مذاقه أو المكونات المستخدمة في صناعته سواء كانت زيوتا أو سمنا صناعيا لأن كل ما يهمهم هو شراء أي نوع أو كمية من الكعك في العيد لإدخال البهجة الي نفوس صغارهم بشتي الطرق مع قدوم العيد. أما الأسعار بالمناطق الراقية ومحلات وسط البلد فهي مبالغ بها بالمقارنة بالعام الماضي حيث وصل سعر كيلو الكعك السادة الي 50 جنيها وتراوح سعر كيلو كعك العين جمل من 70 الي 75 جنيها وسعر كيلو الكعك المحشو بالفسدق من 75 الي 85 جنيها وكعك عين الجمل من 70 الي 75 جنيها للكيلو أما البسكويت فسعره يبدأ من 38 الي 40 جنيها للكيلو وسعر كيلو البيتي فور من 45 جنيها للسادة الي 90 جنيها للكيلو المحشو وتراوح سعر كيلو الغُريبة من 40 الي 55 جنيها للكيلو أما المنين بالعجوة فسعر الكيلو 34 جنيها وفي المجمعات الاستهلاكية وصل سعر كيلو الكعك السادة الي 40 جنيها وكعك الملبن 42 جنيها وكعك المكسرات 48 جنيها أما الغُريبة فتراوح سعرها من 40 جنيها للسادة حتي 45 جنيها للكيلو المحشو ووصل سعر كيلو البسكويت بالمجمعات الي 30 جنيها أما البيتي فور فسعره 35 جنيها للسادة. الحاج محمد صاحب أحد المخابز بمنطقة الوراق يقول: الاقبال هذا العام يعد مقبولا رغم ارتفاع الأسعار 20٪ عن الماضي كما اختلفت الأسعار من مكان لآخر حسب نوع المكونات المستخدمة في تصنيع الكعك والبيتي فور فهناك أصحاب مخابز يقومون باستخدام الزيوت لأنها تعد أرخص من السمن لكنها لا تعطي جودة للمنتج ورغم ذلك تقبل عليه غالبية الأسر البسيطة لأن سعره في متناول أيديهم مقارنة بسعر الكعك المصنوع من السمن البلدي. ويتابع: نبدأ في صناعة الكعك مع بدء العشرة الأواخر من رمضان حيث تقبل السيدات علي استئجار «الصاجات» من أجل تسوية الكعك في الأفران والمخابز مقابل 4 جنيهات للصاج وهذا العام انخفض إقبال ربات البيوت علي تأجير الصاجات بالمقارنة بالأعوام السابقة والجديد هو شراء ربات البيوت لمستلزمات كعك العيد وإعطاؤه للأفران لتتولي إعداده وتسويته توفيرا للجهد والوقت. أحمد مصطفي صاحب محل حلويات يقول: الاقبال هذا العام كثيف بالمقارنة بالعام الماضي فأسعار الكعك والبسكويت لم تتأثر كثيرا بارتفاع الأسعار بصفة عامة كما أن اسعار بعض مستلزمات الكعك تعد ثابتة باستثناء زيادة بسيطة في أسعار الدقيق الفاخر والسمن ويؤكد أيضا أن الكثير من ربات البيوت فضلن عدم صناعة الكعك بالمنزل وقاموا بشراء مستلزماته وإعطائها لأصحاب المخابز لإعدادها مقابل 7 جنيهات للكيلو. أم مريم، موظفة، حرصت علي شراء مستلزمات الكعك والبيتي فور والبسكويت وإعطاءها لأحد المخابز الموجودة بالقرب من منزلها لتصنيعها بدلا من عمل الكعك بالمنزل، وتقول: طوال السنوات الماضية كانت الأسرة تلتف كبارا وصغارا في نهاية شهر رمضان لإعداد الكعك بالمنازل حيث يتنافس الجميع في النقش علي الكعك وتزيين البيتي فور وبعدها تحمل الصاجات ليلا الي المخابز لتسويتها إلا أن الأوضاع الحالية وارتفاع الأسعار أدي لتغيير تلك العادات والتقاليد فأصبحنا نلجأ للمخابز لتخفيف العبء والجهد، هذا فضلا عن كونها غير مكلفة، فالسمن يصل سعر العلبة زنة 2 كيلو الي 22 جنيها، والدقيق يصل سعر الكيلو الي 5 جنيهات أما السكر فهو متوافر لدينا من السلع التموينية وباقي المستلزمات كرائحة الكعك والڤانيليا وغيرها لا تتعدي 5 جنيهات أما أجرة تصنيعه فتصل الي 5 جنيهات للكيلو وبذلك أكون قد وفرت جزءا كبيرا من التكلفة وأعددت في نفس الوقت كميات أكبر للأسرة أدخلت البهجة علي أطفالي حتي يشعروا بقدوم العيد. أم مروان، ربة منزل، تعود بذاكرتها للوراء لتروي لنا ما كانت تفعله والدتها مع الجيران والأصدقاء فقول: كان الجميع ينتظر اقتراب عيد الفطر ليتسابقوا في تصنيع أشهي كعك فكل أسرة كانت تحرص علي أن تقدم أفضل ما لديها ويتفنن الصغار في ابتكار نقوش جديدة وكان هناك جو أسري وترابط بين الأهل والجيران حيث كانت كل أسرة تتبادل فيما بينها أطباقا مملوءة بالكعك والبسكويت والبيتي فور حتي يتذوقه الجميع، أما الآن فكل أسرة أصبحت تشتري الكعك والبسكويت علي حسب احتياجاتها وقدرتها المادية وبكميات محدودة واختفت الأطباق التي كان الجيران يتبادلونها، ارتفاع الأسعار أثر علي عادات كانت حلوة ولا نزال نعيش علي ذكرياتها. أما مروة سليمان، موظفة فتري أن الأسعار هذا العام تعد ملائمة للجميع فالبسطاء يقبلون علي شراء الكعك والبيتي فور من محلات الحلويات والمخابز الموجودة بالقرب من منازلهم لانخفاض أسعارها أما الأغنياء فيقبلون علي شرائه من محلات شهيرة في وسط البلد التي تعد أسعارها ملائمة بالنسبة لهم وتؤكد أنها قررت الشراء من المحلات المعروفة نظرا لأن تلك المناسبة لا تتكرر سوي مرة واحدة كل عام ولن يخلو منزل من الكعك في العيد لذا هي تستعد لشرائه بمجرد مجيء شهر رمضان وتعد له ميزانيته خاصة حتي تتمكن من شراء ما تحتاجه ليشعر أبناؤها بقدوم العيد، فهم يفضلون الكعك الجاهز وينتظرون نهاية رمضان لشرائه.