كانت روسيا المحطة الخارجية الأولى للرئيس عبد الفتاح السيسى عندما كان وزيرا للدفاع والإنتاج الحربى فى فبراير 2014، ومثلت هذه الزيارة انطلاقة لمصر نحو الشرق، بعدما ظلت لأكثر من أربعين عاما محبوسة فى أحضان الولاياتالمتحدةالأمريكية، أثارت هذه الزيارة العديد من التساؤلات والتحليلات السياسية والاستراتيجية، فرأها المحللون المصريون من أساتذة العلوم السياسية أنها: أولا: تغيير للبوصلة الخارجية لمصر لتشمل الشرق والغرب معا، حيث تمثل انطلاقة للقدرات المصرية الخارجية التى تتمتع بها دولة عظمى ومحورية مثل مصر، كما يرون أنها تحرير من القيود والضغوط الأمريكية التى احتجزت الأسلحة المقررة فى المعونة، كنوع من العقاب لما حدث للإخوان المسلمين من نبذ ولفظ من الشعب المصرى، مخالفين بذلك الأعراف الدولية والنبذا للعهد الديمقراطى الذى أتى بمرسى رئيسا عن طريق الانتخاب، متجاهلين بذلك إرادة أكثر من 30 مليون مصرى خرجوا إلى الشوارع فى أكبر تجمع بشرى يشهده العالم فى تاريخه، معلنين رفضهم التام حكم الإخوان المسلمين، وهو الأمر الذى لم تستوعبه الولاياتالمتحدة من تحرير الشعب المصرى لنفسه من القبضة الحديدية الأمريكية، كما تراها أيضا صحيفة «التايمز» فى تعليقها على زيارة «السيسى» إلى روسيا فى مستهل الأعمال التى تلت ثورة 30 يونيو 2013. ثانيا: بعد إعلان مصر لخريطة الطريق كان لابد من وجود غطاء دولى يدعم ويؤازر الموقف المصرى أمام العالم، فى محاولة لمحو صورة الانقلاب العسكرى التى حاول الإخوان المسلمون عبر وسائل الإعلام الدولية،والمقابلات المباشرة مع أعضاء الإدارة الأمريكية للرئيس أوباما وغيرهم من كيانات الأممالمتحدة، أن يرسخوا هذه الصورة المخالفة للحقيقة فى آذانهم، وبناء عليه انطلقت مصر نحو روسيا فى الشرق لتستمد منها الغطاء الاستراتيجى والدولى والسياسى لخريطة الطريق. ثالثا: على المستوى العسكرى والسياسى الدولى نوع من الناورة كما يطلقون عليها العسكريون، هى مناورة فى نوع الأسلحة التى يمكن أن تزود بها مصر، مثل الاتفاق على شراء مصر أسلحة ميج 29 إم، مروحيات مى 35، وصواريخ مضادة للسفن وأنظمة دفاع جوى، بالإضافة إلى الاتفاق على إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل والنووى، كما تعد الزيارة نوعاً من المناورة فى إحداث التوازن فى العلاقات الدولية فى الخريطة الخارجية المصرية، ومحاولة لمد النفوذ الروسى فى منطقة الشرق الأوسط الذى أراد أوباما الانسحاب منه فور نشوب ثورات الربيع العربى وإحلال جماعة الإخوان المسلمين فى كراسى الحكم كبديل آمن وتم ترويضه كما تصورت إدارة أوباما والتى انقسمت على نفسها فى هذه النقطة كما ذكر كتاب «عقيدة أوباما الاستراتيجية الكبرى اليوم» للكاتب «كولين دويك».و من هنا نجد اختيار الدب الروسى لمصر كحليف استراتيجى فى المنطقة، يمكن أن يحدث به توازن فى القوى على مستوى الإقليم فى مقابل القوى البازخة مثل إيران وتراجع بعض القوى العربية أمثال سوريا وليبيا. ثم تلت الزيارة الأولى ل«السيسى» زيارة أخرى عندما أصبح رئيسا للبلاد فى أغسطس 2014، رصدت الصحف المصرية والروسية وقتها عدة فروق بين زيارة واستقبال «السيسى»، ونظيره الرئيس المعزول محمد مرسى، أولها استقبال طائرة الرئيس المصرى بسرب من الطائرات الحربية الروسية فور دخولها المجال الجوى الروسى، وهو الأمر الذى لم يحدث للرئيس المعزول مرسى، ثانيا استقبل الرئيس «السيسى» وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف واستعرضوا عدداً من المقاتلات الروسية فى المطار، بينما استقبل مرسى عمدة مدينة «سوتشى» المقرر الإقامة فيها فى مدة الزيارة، انتشار الأعلام المصرية فى مدينة سوتشى بجانب الإعلام الروسية، وهو الأمر الذى لم يحدث فى زيارة مرسى، ثالثاً اصطحاب الرئيس الروسى لنظيره المصرى لمشاهدة الفريق القومى للرماية فى أحد تدريباته ومسابقاته بالذخيرة الحية، رابعا قصور البيان الذى استصدرته الرئاسة الروسية عن زيارة مرسى وذكرها أنها الثانية بعد مقابلة الرئيسين فى القمة الإفريقية فى جنوب إفريقيا، خامسا تنوع أوجه التعاون فى المجالات الاقتصادية والثقافية والسياحية وعلى رأسها العسكرية وتنوع الأسلحة الروسية التى أخذتها مصر فى ذلك الوقت،وسادسا تأتى زيارة «السيسى» لروسيا بناء على دعوة رسمية من نظيره الرئيس فلاديمير بوتين بينما لم تأت زيارة الرئيس المعزول مرسى بناء على دعوة رسمية من نظيره الروسى مما عرضه لهجوم إعلامى كبير أدى فى النهاية لخروج تصريح من الرئاسة يوضح أن الزيارة رسمية كمبرر لاستقبال مرسى هذا الاستقبال المتواضع فى روسيا. ومن بعدها رد الرئيس الروسى الدعوة وزيارته إلى مصر والتى استقبلته بنفس الحفاوة التى استقبلوا بها الرئيس المصرى، وكان ملف الضبعة على رأس الملفات المتبادلة بين الجانبين، والاتفاق على إقامة المفاعل النووى السلمى أخيرا بأيادٍ مصرية وخبرات روسيا، وهو الأمر الذى اعتبرته الولاياتالمتحدة ضربة فى مقتل بالتخلى عن خدماتها صراحة. زيارة السيسى للأمم المتحدة ومن هنا جاءت دعوة الرئيس السيسى إلى الاممالمتحدة فى فبراير 2014 وإلقاء خطاب على منبر الأممالمتحدة بنفسه لتوضيح خريطة طريق مصر، ورؤيتها لما حدث من ثورتى 25 يناير و30 يونيو اللتين غيرتا وجه الحياة السياسية فى مصر والمنطقة فى قمة الأممالمتحدة التاسعة والستين، كما أوضح «السيسى» دور الجيش الذى ساند شعبه وليس العكس فى تحقيق مطالبه والذى حمى البلاد من الوقوع فى حرب أهلية ينقسم على إثرها الشعب المصرى ما بين مؤيد لحكم الإخوان وبين رافض وهو السواد الأعظم منه. كما قارن الرئيس عبد الفتاح السيسى فى كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بين أوضاع المنطقة فى الدول التى وقعت ضحية فى براثن الإرهاب والجماعات المتطرفة التى تخرج من عباءة الإخوان المسلمين أمثال ليبيا وسوريا والعراق،وبين وضع مصر الآمن بفضل جهود جيشها وأبنائها اللذين تآزرا من أجل استعادة الهوية المصرية المتسامحة. المارد الصيني انطلقت مصر وبقوة نحو المارد الصينى الذى طالما حير الكيان الأمريكى والذى تتخوف الولاياتالمتحدة من تكوينه لأكبر جيش على مستوى العالم عددا وعدة وعتادا كما يذكر مجلس العلاقات الخارجية الأمريكى، ، فجاءت الصين ثانى محطة فى الشرق بعد روسيا، ولكن هذه المرة تم التركيز على الجانب الاقتصادى أكثر من السياسى، حيث تتمتع الصين بإمكانات هائلة فى فتح أبواب ومجالات فى كافة أشكال الصناعة والتجارة على مستوى العالم فى نفس الوقت،وإذا نظرنا للترحاب الصينى الذى تضمن زيارات تمهيدية وتمحيصية فى أوجه التعاون بين الجانبين قبل الزيارة الرسمية للسيسى فى ديسمبر 2014، فسنجدها جاءت تالية لزيارة مصر لروسيا والعكس، وهو ما أدى إلى تعزيز أشكال التعاون الذى وصل مداه بين الجانب الروسى حليف الصين الأول، ثم بين مصر والصين ثانيا، والتى اعتبرت فيه الثانية علاقة مصر بروسيا رسالة تطمين لفتح أبوابها لمصر على مصراعيها، وهنا يظهر الفرق بين زيارة «السيسى» للصين وبين زيارة الرئيس المعزول مرسى، جاءت أوجه التعاون فى مجالات الصناعة والتجارة والمواصلات مثل إنشاء خطوط جديدة لمترو الأنفاق تمتد من الهرم ومصر الجديدة إلى المدن الجديدة. كما وقعت مصر اتفاق المشاركة الاستراتيجية الممتدة فى كافة المجالات، وهو الأمر الذى خلعت فيه مصر الوصاية الأمريكية كاملة عنها،والذى يحقق للصين مدخلا رسميا لدخول الأسواق المصرية بشكل رسمة وقانونى، بدلا من دخوله من الأبواب الخلفية والفردية عن طريق التجار الصغار وإغراق السوق بالسلع التى يتم صناعتها فى مصر وهو الأمر الذى يؤدى إلى كساد الصناعة المصرية.