من يحكم السياسة الضريبية في مصر؟!.. سؤال يبحث عن إجابته المجتمع الضريبي والمستثمرون ورجال الأعمال، وذلك في ظل حالة التخبط والارتباك داخل الحكومة طوال الشهور الماضية بشأن القرارات الخاصة بالتشريعات الضريبية، سواء على مستوى التطبيق أو التفسير للنصوص القانونية، أو التعديلات المتلاحقة لبعض أحكام قوانين الضرائب المختلفة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أصبحت القرارات الخاصة بالضرائب «سداح مداح» بين وزراء المجموعة الاقتصادية، فلم يقتصر الأمر على «هاني قدري» وزير المالية بل امتدت التصريحات ليتشدق بها وزراء التخطيط والاستثمار والصناعة وحتى التموين دون رقيب، والمثير أن أغلب تصريحات الوزراء تأتي متضاربة، وتستبق الأحداث بدون إجراء دراسة فعلية أو تنسيق مع وزارة المالية، رغم ما تمثله أية أنباء بشأن إجراء تعديل ضريبي أو فرض ضريبة جديدة من خطورة وأهمية بالغة على حركة السوق ومناخ الاستثمار، مما يعطي انطباعاً سيئاً للغاية لدى المستثمرين المحليين والأجانب بعدم استقرار السياسات الضريبية في مصر وأضرارها على استثماراتهم، في ظل هذه المرحلة الحرجة التي تحتاج إلى تضافر جهود الحكومة لتحقيق نقلة نوعية في الاقتصاد من خلال توفير كافة السبل لتشجيع المستثمرين على دخول السوق المصرية !!. وتتعد مظاهر تخبط السياسة الضريبية، ويأتي أبرزها القرار الوهمي الصادر عن مجلس الوزراء ووزير المالية هاني قدري بشأن توحيد وخفض السعر العام لضريبة الدخل ليصبح بواقع 22.5%، وهو القرار الذي لم يصدر حتى الآن وتم تجميده رغم أهميته البالغة لتشجيع الاستثمار، بل ويعد من أهم القرارات التحفيزية التي واكبت المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ . بالإضافة إلى الأزمة الأخيرة التي تعرضت لها البورصة بسبب التضارب حول تطبيق الضريبة الرأسمالية على أرباح الأسهم المتداولة بالبورصة حتى انتهى الأمر بتأجيلها بعد تكبد المستثمرين خسائر كبيرة. ويضاف إلى ذلك فشل وزارة المالية في إصدار قانون ضريبة القيمة المضافة، لإيقاف العمل بتشوهات قانون ضريبة المبيعات الحالي، بخلاف عدم تفعيل قانون الضريبة العقارية فيما يتعلق بمحاسبة المنشآت الصناعية والسياحية، حيث لم يصدر لها معايير لمحاسبتها حتى الآن، ليصبح مصير تلك الأنشطة بمختلف القطاعات الاقتصادية مجهولاً. ويكشف المحاسب القانوني أشرف عبد الغنى ورئيس جمعية خبراء الضرائب المصرية عن أسباب عدم تفعيل نية الحكومة بشأن توحيد وخفض السعر العام لضريبة الدخل ليصبح بواقع 22.5% بدلا من 10% لمشروعات المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة و25% و30% للمشروعات الأخرى حالياً، ويؤكد أن المسئولين عن مشروع تنمية قناة السويس قاموا بمعارضة هذا القرار ، وتمسكوا باستمرار تمتع المشروعات المقامة في المناطق الاقتصادية بسعر الضريبة المنخفض، واستندوا في اعتراضهم إلى تجنب التأثير السلبي على عمليات جذب الاستثمارات الأجنبية الجديدة وتنفيذ الاتفاقات المبرمة مع عدة جهات دولية للاستثمار فى مشروع تنمية منطقة قناة السويس، خاصة أن دراسات الجدوى لمشروعاتهم تمت على أساس السعر الأصلي المنخفض، ما أدى إلى تجاهل وزير المالية الإعلان عن موعد تنفيذ قرار توحيد سعر الضريبة وخفضه كما وعد قبل مؤتمر شرم الشيخ العالمي لدعم الاقتصاد الوطني. ويوجه رئيس الجمعية تساؤلات لوزراء المجموعة الاقتصادية، لماذا التسرع في الإعلان عن تعديلات ضريبية خطيرة، رغم أنها لا تزال في مرحلة الدراسة؟!، وطالب بضرورة تطبيق المزيد من الشفافية والوضوح بشأن خطط السياسة الضريبية، وعدم الإعلان عن أية تعديلات ضريبية إلا بعد الانتهاء من دراستها بصورة متأنية بالتنسيق مع كافة الجهات المعنية، حفاظاً على استقرار أداء الإدارة الضريبية ووضوح الموقف المالي والضريبي للمشروعات، سواء القائمة أو تحت الإنشاء.، وذلك لتفادي الارتباك الناتج عن إعلان تعديلات بشأن القوانين والقرارات واللوائح الضريبية بشكل عام، سواء ما يتعلق بالرسوم الجمركية أو الضرائب العقارية والضريبة على المبيعات. ويستعرض المحاسب القانوني أحمد شحاتة أزمة الضريبة الرأسمالية على أرباح الأسهم المتداولة بالبورصة، مؤكداً أن تلك الأزمة تعد دلالة واضحة على حالة الارتباك الضريبي الذي يعيشه المجتمع حالياً، موضحاً أن القرارات والقوانين المتعلقة بالبورصة يجب دراستها بعناية شديدة وإعدادها بحرص بالغ، لأن الاستثمار في البورصة له طابع خاص ويتأثر بشدة بكل ما يدور في الأوساط الاقتصادية بل ويتأثر أيضا بالأحداث السياسية، لذلك ثار الجدل حول الضريبة على الأرباح الناتجة عن تعاملات البورصة، ورأينا كيف أدت هذه الضريبة إلى تراجع كبير في مؤشرات وأداء البورصة منذ فرضها، وحتى الإعلان عن تأجيل تطبيقها لمدة عامين. وأضاف «شحاتة» أنه إذا كانت الحكومة قد اتخذت قرارا سليما بتأجيل الضريبة، إلا أن هذا القرار لم يتجاوز التصريحات التي أدلى بها المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء، ولم يصدر قانون فعلي بالتأجيل يوضح ما إذا كان سيتم سريان التأجيل من تاريخ صدور القانون الاصلى الصادر فى شهر يونيو 2014 أم من مايو 2015، وما سيترتب عليه فى هذه الحالة من وجوب رد مستحقات الضريبة، سواء التى تم تحصليها مع اقرارات الممولين لعام 2014، وما موقف الممولين الذين قدموا إقراراتهم في 30 إبريل 2015 وسددوا الضريبة باعتبار أن هناك أرباحاً قد تحققت في عام 2014؟، وهل يمكن لهم تقديم إقرارات معدلة واسترداد ما سددوه ؟، وما موقف الممولين الذين قدموا طلبات بتأجيل موعد تقديم الإقرار لمدة شهرين، وهل سيطبق عليهم القانون منذ صدوره أم سيتعاملون وفقا لتصريحات رئيس الوزراء بالتأجيل؟، وبالنسبة لموقف المستثمرين الأجانب الذين سددوا 6% تحت الحساب عن طريق شركة مصر للمقاصة خلال نفس الفترة، مشدداً على ضرورة الإسراع في صدور قانون خاص بتأجيل الضريبة ووضوحه للإجابة عن هذه التساؤلات، لتحديد ما إذا كان سيتم تنفيذ قرار التأجيل لهذه الضريبة اعتبارا من تاريخ صدور القانون الجديد بتأجيل تلك الضريبة لمدة عامين، بما يعنى انه لن يتم رد ما سبق تحصيله من مستحقات هذه الضريبة، مرجحاً هذا الاتجاه، خاصة بعد أن أعلن مؤخرا وزير الاستثمار «وليس المالية»، أن قرار تأجيل تلك الضريبة لن يتبعه رد مبالغ الضريبة السابق تحصيلها. ومن جانبه انتقد علاء السيد، الخبير في شئون ضريبة المبيعات، تأخر التحول من ضريبة المبيعات إلى ضريبة القيمة المضافة، وكذلك الغموض المحيط بملامح المشروع وعدم مناقشته مع خبراء المجتمع الضريبي، موضحاً أن تطبيق القانون الجديد سيعمل على تحقيق استقرار التشريع بما ييسر تحديد الموقف الضريبي لمجتمع رجال الأعمال والمستثمرين، وبالتالي فإن طرح قانون القيمة المضافة أصبح ضرورة لعلاج كثرة المنازعات والتشوهات الخاصة بقانون الضريبة العامة على المبيعات الحالي رقم 11 لسنة 1991. وأوضح أن قانون الضريبة على القيمة المضافة يمثل أهمية بالغة لموارد الدولة، حيث ترصد وزارة المالية حصيلة ناتجة عنه يتم إضافتها لموارد الدولة بالموازنة العامة، وبالتالي عدم خروج هذا القانون للنور حتى الآن يؤثر سلباً على الحصيلة، وهو ما حدث في موازنة العام الماضي، حيث تأثر المستهدف من الحصيلة الضريبية بعدم تحقيق حصيلة ضريبة القيمة المضافة لعدم تطبيقها.