لا يشبه حال سكان مدينتي السلام والنهضة غيرهما من أهالي المدن الجديدة الأخري فهم شبه منسيين وكأنهم في منافي أريد بمن فيها قضاء فترات عقوبة، فالخدمات التي يتمتع بها سكان العاصمة والمدن التي يقطنها الأثرياء لا تعرف الطريق إليهم، ومن المفارقات أنهم يدفعون قيمة تلك الخدمات علي الرغم أن المياه شبه مقطوعة وكذلك الكهرباء لا تزور سكان المدينتين إلا ساعات معدودات في النهار بينما يحيون الليل في شبه ظلام دامس.. «الوفد» التي تفتح ملف المدن والتجمعات السكانية الجديدة قررت أن تتوجه للسلام والنهضة اللتين تعتبر ان من أبعد المدن عن العاصمة - في محاولة لتسليط الضوء علي معاناة الأهالي أملاً في البحث عن حلول لها بعد أن بات هؤلاء يحيون علي طريقة المدن التي تعرضت لحروب ومن ثم باتت بمعزل عن الحياة العصرية. «الوفد» تجولت فى مدينتى السلام والنهضة لتقف على أهم المشكلات التى تواجهما، ففى السلام وجدنا العديد من العقارات فارغة تسكنها الأشباح، بينما المواطنون يبحثون عن «جدار» فقط ليحتموا به من حرارة الصيف وبرد الشتاء وهو ما أكده منصور حنفى الذي يعمل على عربة لبيع السندوتشات، مضيفاً «أسكن أنا وزوجتى وأبناؤنا فى غرفة تحت السلم فالإيجار مرتفع بالإضافة إلى اشتعال قيمة فواتير الكهرباء والمياه رغم إنها دائما مقطوعة، كما ان فواتير الغاز مبالغ فيها ويتابع كلامه: ربنا يرحمنا.. هنعمل إيه الحياة هنا بقت صعبة جداً». وتابع «حنفى» قد تجدوا فى المنطقة عمارات الاسكان الاجتماعى ولكنها ليست لنا لأن اسعارها عالية علينا فقد يتم دفع 5100 جنيه مقدم وعند استلام الوحدة يتم دفع 15 ألف جنيه والإيجار 480 جنيهاً فى الشهر ونحن لا نستطيع دفع هذه المبالغ، وطالب «حنفى» بأن يكون مقدم الشقة 2000 جنيه مثلما كان فى السابق ليكون فى متناول محدودى الدخل. أما سيد عبدالحميد بالمعاش وصاحب محل ملابس فيرى ان أهم مشكلة فى المدينة هى انه لا يوجد بها مستشفى حكومى، فالمستشفى الموجود بها أصبح قطاعاً خاصاً، فإذا مرضت فى يوما ما وذهبت إلى ذلك المستشفى تدفع 5 جنيهات تذكرة دخول وكل شىء بعد ذلك بثمن حتى السرنجة فضلا عن ان الكشف على التأمين الصحى بالحجز، فلابد ان تنتظر أسبوعاً مثلا لعمل أشعة وقد يموت المريض وهو فى انتظار الدور، ويواصل حديثه متألماً ونحن على باب الله فمعاشى 450 جنيها وحصلت على قرض لشراء بعض البضائع لبيعها فى المحل ويتبقى لى 200 جنيه وأسكن ب350 جنيها بالإضافة إلى 300 جنيه إيجار المحل ولكن ابنى يعمل سائقاً ويساعدنى على المعيشة. «المآسي لا تنتهي» وتواصل «الوفد» الاستماع لشكاوي الأهالي في مدينة السلام حيث تقول سحر سيد عاملة بمصنع تطريز الإيجارات عالية جدا وأصحاب الشقق يستغلون احتياج الناس للسكن ويتحكمون فى الأسعار فقيمة إيجار غرفة ومدخل أسكنها أنا وأسرتي يبلغ 300 جنيه مؤكدة ابن زوجها يعمل باليومية. وفي أحد الشوارع كانت تجلس هناء أمين وأمامها بعض الأوانى التى تضع بها الجبن واللبن والبيض فسألتها عن سبب خروجها للعمل فى الشارع، فقالت أنا من محافظة القليوبية وآتى إلى هنا لأبيع بعض السلع لان المعيشة أصبحت غالية، لذا أحضر يوماً واحداً فى الأسبوع لبيع الجبن واللبن والبيض ولى زبائنى الذين اعتادوا على الشراء منى إلا ان المرافق لا تتركنا فى حالنا وتطاردنا فى الشوارع رغم أننا نبحث عن لقمة عيش شريفة. ومن جانبها تقول سعدية مصطفى بائعة خبز عندى 5 أولاد وزوجى متوفى وأعيش على 400 جنيه معاش وأعمل فى كل شيء لأستيع سد احتياجات اسرتى إلا ان فواتير الكهرباء والمياه غالية جدا أما الغاز فلا تأتينى فواتيره لانى لم استطع توصيله لارتفاع تكاليف التوصيل. وتتدخل سيدة عبد العزيز موظفة في الحوار مؤكدة أن أسعار السلع نار وكل شىء أصبح غالياً قالت: كنت أدفع 40 جنيهاً فاتورة الكهرباء فى الشهر والآن أدفع 100 جنيه متسائلة: أعيش إزاي راتبى 1250 جنيها ادفع 650 جنيهاً إيجار الشقة وادفع 50 جنيهاً غاز و100 جنيه كهرباء بالإضافة إلى فاتورة المياه وبحسبة بسيطة نجد ان المبلغ المتبقى حوالى 400 جنيه لا يكفى لشراء العيش الحاف طوال الشهر الدولة لا تشعر بنا نحن محدودى الدخل فكل ما نطلبه منهم هو تخفيض الايجارات وفواتير الكهرباء والغاز والمياه. وفى نهاية جولتنا توجهنا إلى حى مدينة السلام لمقابلة المسئولين وعرض شكاوى المواطنين عليهم، إلا إننا لم نجد رئيس الحى اللواء مدحت عبد اللطيف وأكد: أحد الموظفين انه يقوم بجولة تفقدية لأحوال المدينة وانه يقوم كل يوم ثلاثاء بعمل لقاء جماهيرى مع المواطنين لمعرفة المشاكل التى تواجههم لمحاولة حلها. العذاب اسمه.. النهضة! وفى مدينة النهضة لا يختلف الحال كثيرا عن مدينة السلام بل هو اسوأ حيث تنتشر البلطجة وتجار المخدرات في الشوارع عيني عينك وهو ما يؤكده الأهالى بالمدينة ويقول أحمد على صاحب محل حدايد وبويات بمنطقة جمعية امنحتوب للإسكان وهى منطقة مليئة بالعمارات الخالية لان أسعار الوحدات على حسب قوله تبدأ من 250 ألف جنيه حتى 350 الف جنيه بمساحات تبدأ من 120 متراً إلى 170 متراً وهذه الأسعار لا تتناسب إلا مع فئة بعينها، وتابع ان معظم الأهالى يعانون من البطالة وهذا يجعل البعض ينحرف بحثاً عن الرزق السهل والمال الحرام. وأضاف «على» ان مدينة النهضة لم تستغل الاستغلال الأمثل بمعنى انه لا يوجد تكافؤ فى الفئات التى تسكن المنطقة بالإضافة إلى العشوائية التى تعم المنطقة وهذا يجعل البعض يعرض عن السكن فيها. ويرى مجدى شعبان «جزار» ان الطرق غير ممهدة فى المدينة والمياه والكهرباء عادة ما تمثلان أبرز المشاكل كل يوم كأننا مكتوب علينا ألا نرى الكهرباء والمياه إلا ساعات معدودة ورغم أننا شكونا كثيرا للمسئولين إلا انه لا حياة لمن تنادى. ويتدخل زينهم حافظ بائع قائلاً: مهما توجهنا بالشكوي للمسئولين لا يعيروننا أي اهتمام لذا فالحياة أصبحت صعبة جدا ونحن نعانى الأمرين فى الحصول على لقمة العيش وتسديد فواتير الكهرباء والمياه والغاز رغم انقطاعهم لفترات طويلة فى اليوم. بينما يرى عبدالفتاح عبدالسميع، بائع شنط حريمى، ان أهم مشكلة تواجههم هى الإيجارات القديمة بمعنى أننا من سكان مساكن الزلزال ونسكن منذ عام 92 فى المنطقة وإيجار الشقة 40 جنيهاً إلا ان الحكومة تركتنا طوال الفترة الماضية ولم تحصل منا الإيجارات إلا عاماً واحداً وتأتى الآن وتطالبنا بالإيجار دفعة واحدة عن مجمل السنوات الماضية وتقوم بعمل محاضر ويحكم فيها دون علمنا ونفاجأ بالأحكام الصادرة ضدنا ولا نستطيع دفع المبالغ المطلوبة. وطالب «عبدالفتاح» ان توافق الدولة على تقسيط المبالغ المستحقة ليتمكن المستأجر من الوفاء بالتزاماته. ويقول محمد غندور: كنت أعمل تاجر خردة على قد الحال ولكن سرق منى حوالى 37 ألف جنيه كانت كل ما أملك اثناء ثورة 25 يناير وأصبت بالغضروف فى ظهرى ولا استطيع الحركة لانى ايضا مصاب بشلل أطفال ولا أستطيع العيش ولا الانفاق على الأسرة فقد احتاج إلى 800 جنيه شهريا للأدوية وليس لى أى دخل بالإضافة إلى أننا معرضون للحبس بسبب الإيجارات المتأخرة فماذا نفعل؟ هل يسمعنا أحد من المسئولين؟ ويختتم كلامه معبراً عن خيبة أمله «إحنا مطحونين ومحدش حاسس بينا».