لا ينكر أحد أن الشعب المصري بعد ثورتين زادت طموحاته في أن يعيش حياة أفضل، حلم بإقامة دولة ديمقراطية حديثة تحترم قيمه الدينية، وتواكب تطورات العصر، وتقدر إنسانيته وحقوقه الطبيعية في سكن آدمي وعلاج مجاني، وتعليم جيد، وفرصة عمل تناسب مؤهلاته، ووضع الرجل المناسب اعتمادا علي الكفاءة فقط، مع التقاطع علي الوساطة والمحسوبية وكروت التوصية، وغيرها من الأحلام الوردية التي صاحبت أغلبية شعبنا الذي ظل يعاني من الفساد والاستبداد لعقود طويلة ومازال، وذاق مرارة التبعية للغرب الذي نهب ثرواته ومازال. هل يبقي السؤال هل حياتنا أصبحت أفضل، لا أحد ينكر أن ما فعله المصريون في ثورتي يناير ويونية غير مجري التاريخ، لكن ما يجري في القاهرة لا يجري بمعزل عن المتغيرات التي يشهدها العالم شرقه وغربه، وأن قواعد اللعبة العالمية والتي تتحكم فيها أمريكا لم تتغير كثيرا، يبقي السؤال: هل معني ذلك أن نستسلم «شعب ودولة»، ونرفع الراية البيضاء ونعلن قبولنا الدوران في فلك واشنطن من جديد، وتنفيذ أجندتها في العالم العربي، ام اننا سوف نتعلم الدرس ونضع استراتجية واضحة للخروج من تلك الدائرة، استراتيجية لا تعتمد علي التصريحات العنترية، أو الآمال الوردية، وإنما تدرك حجم المخاطر الداخلية والإقليمة والدولية التي تشهدها كل تلك الدوائر، كل منها علي حدا أو مجتمعه. بداية ساذج أو مخطئ من يتصور أن أمريكا يهمها إقامة ديمقراطية حقيقية في أي مكان في العالم، بل تصدر ذلك ذريعة للتدخل في شئون مختلف الدول، بادعاء أنها حامية الديمقراطية والحرية، فما يهم امريكا ان تظل كل خيوط اللعبة في يدها، وتحرك الجميع كعرائس المارونيت، لتضمن استمرار تدفق الطاقة «تحديدا النفط الذي تملك اكبر احتياطي عالمي منه و يبلغ 200 ضعف احتياطي السعودية أكبر دولة منتجه له» ثم السلاح وتجارته، ويضاف لذلك هدف استراتيجي ثالث عندما يتعلق الامر بالعالم العربي وهو ضمان أمن وقوة الكيان الصهيوني «إسرائيل»، وواشنطن تدرك أن النفط متوقع ان ينضب في السعودية ودول الخليج بحلول 2020 لذا لن يكون لها اهمية استراتيجية، لذا بدأت منذ عقود التمهيد لنقل ثقلها المالي والاقتصادي والعسكري الي جنوب شرق اسيا لمواجهة الخصمين الصاعدين «الصين وروسيا» مرة بالمواجهة ومرات بالتعاون أو العكس، كما ان واشنطن حريصه علي اشعال الحروب في مختلف انحاء العالم من اجل تشغيل مصانع وشركات السلاح التي بلغ حجم مبيعاتها العام الماضي نحو 2 تريليون دولار، وهو ما ينقذ الاقتصاد الامريكي الذي يعاني من مصاعب عديدة تهدد بانهياره بأي وقت. وقد أدرك أمراء الخليج تلك المتغيرات المتسارعة في العالم، فمنحوا فرصة القيادة لجيل جديد قادر علي التفاعل والمواجهة خاصة في الإمارات والسعودية وهو ما باتت تحتاجه الكويت بدلا من قيادات تحكم بأساليب وتكتيكات قديمة، كل ذلك ليس لنزاع عن السلطة كما يحاول أن يروج البعض وان وجد علي مستويات محدودة، إلا أنه لتفادي متفجرات وقنابل الشرق الأوسط الجديد الهادفة لتفتيت دول المنطقة لعدة دويلات، حيث تسعي واشنطن الي «لبلنة العالم العربي» اي تعميم النموذج اللبناني سواء عبر انظمة عميلة توافق علي التفتيت السلمي، أو إشعال حروب أهلية طاحنة، تنتهي الي دولة طائفية بلا قدرة علي الحركة، وتمارس الجري في المحل، أو الدوران حول النفس، دون اي خطوة نحو الاتجاه الصحيح، أو التقسيم لعدة دويلات طائفية ايضا، وهو ما يجدي الحديث عن تطبيقه الآن في العراق، واصبح احد اكثر الحلول المطروحة لإنهاء الأزمة السورية، وهو خطر لو تعلمون عظيم. يبقي السؤال أين مصر من كل ما يجري، وما يحدث، وهل النظام الجديد قادر علي مواجهة التحديات وفرض قواعد جديدة للعبة، فالغرب لن يتخلي عن الكنز الثمين «مصر» بسهولة، ام انه يستكمل اللعب بنفس القواعد القديمة التي توراثتها الانظمة المصرية منذ عصر السادات، والتي تتحكم أمريكا في أغلب خيوطها وتتخلي عن استقلال القرار الوطني وتنعم في براثن التبعية. تلك الاسئلة المشروعة وغيرها، تكشف حجم التحديات الصعبة التي تواجهها مصر «شعب ودولة»، ولن يستطيع «السيسي» الذي يمتلك شعبية واسعة أن يفرض أي تغيير في الخارج دون ترتيب البيت من الداخل، وهنا سوف يجد نفسه يواجه تحديات أصعب، أبرزها نظام مبارك الذي يتحكم في الوطن اقتصاديا واجتماعيا وإعلاميا وسياسيا عبر شبكة مصالح عنكبوتية تكونت عبر عشرات السنين، وتفتيت تلك الشبكة وبناء أخري جديدة علي أسس وطنية ليس بالأمر السهل، فقد استطاع فسدة النظام المباركي ان يعودوا للساحة من جديد وبشكل أقوي، ولو نجحوا في السيطرة علي البرلمان القادم أيا كان الاسم المتجمع ونحوله فإنهم سيصبحون خطر عظيم، وهؤلاء ليس لديهم مانع أن يتعاونوا مع الإخوان والخارج في سبيل تحقيق أهدافهم الشخصية الضيقة كما فعلوا في صفقة برلمان 2005 الشهيرة. وفي الختام لا نملك سوى أن نؤكد أن الرئيس لن يمكنه ان يواجه المخططات الغربية المشبوهة دون ان يؤمن ظهره بشعبه، وهو ما يستوجب المصارحة بين الطرفين، وبدء مرحلة العمل والبناء لإقامة دولة العدل التي تحترم جميع ابنائها وتمنحهم كافة حقوقهم، دولة لا تتصالح مع الفساد والاستبداد، ولا ترضخ لضغوط الارهاب وجماعة العنف والتطرف المصنوعة غربيا، دولة لا تهدر أعمار أولادها فيما لا يفيد، وتعلم ان النظام أي نظام لا يعيش بدون رضاء شعبي واسع وحقيقي وليس مصطنعا.. اللهم بلغت اللهم فشهد.