الزميل محمد السويدي مع أسرة الشهيد كتب - محمد السويدي: السبت , 20 أغسطس 2011 23:11 دائما ما كان يأتى شهر رمضان على الناس بالبهجة والسرور والتفاؤل، لكنه هذا العام جاء مختلفا عن جميع الأعوام السابقة ولا سيما في البيوت المصرية التى استشهد ابناؤها أثناء ثورة 25 يناير، فقد خيم الحزن على منازلهم وأخذ كثيرا من بهجة رمضان التى عادة ما كانت تلازمهم أثناء قدوم الشهر الكريم، ولهذا قررنا أن نفطر يوما على مائدة إفطار أسرة أحد شهداء الثورة واخترنا مائدة والدة الشهيد ناصر فيصل بحى امبابة والذي استشهد أسفل منزله يوم 29 يناير الماضي بطلقات رصاص الغدر التى أطلقها محمد العادلى ومحمد مختار معاونا مباحث قسم امبابة . الشارع حزين ذهبنا إلى منزل أسرة الشهيد، فوجدنا أجواء الشارع صامتة لا يسمع فيها غير صوت قرآن المغرب الذي يسبق الإفطار. جميع البيوت يلفها الحزن.. وأمام منزل الشهيد كانت صورته بانتظارنا وكأنها تقول للزائرين ( هنا بيت أبي وأمى، هنا البيت الذي ولدت فيه وأمامه لعبت وكبرت حتى صرت شابا، هنا أمام البيت قتلنى المجرمون، هنا رفضت أسرتى أن تتلقى التعازى في وفاتى حتى يأخذوا بحقى وحق إخوانى شهداء ثورة يناير، هنا بكت أمى بشدة وبكى والدى وأشقائي وبكى الجيران جميعا ). صعدنا سلم المنزل وعندما وصلنا إلى شقة الشهيد كانت الأم ( الحاجة أم جلال ) في انتظارنا ومعها أشقاؤه جلال ومحمد وأشجان وأطفالهم الذين كان يداعبهم الشهيد قبل مماته . وبينما كان قرآن الإذاعة متواصلا بصوت الشيخ على محمود، كانت الأسرة تعد الإفطار ويحضره الأطفال إلى ( ترابيزة الطعام ).. وكانت الأم شاردة الذهن تختلس النظر إلى صور ابنها الشهيد ناصر التى ملأت أرجاء البيت، شعرت مع نظراتها بمزيج من الحزن و الفخر، الحزن لفقدانها فلذة كبدها غدرا، والفخر بأنها أنجبت أحد شهداء الثورة التى حررت مصر من الظلم والفساد . سألت أم البطل ( هو ليه ناصر بيضحك في الصورة قوى كده؟! ) فقالت: الصورة لم تتغير ولكنني شعرت بعد رحيله أنه في منزلة عالية عند ربنا، وكلما وحشنى رغم أنه لا يفارقنى أنظر إلى الصورة وألاقيه بيكلمنى ويقول: يا أمى إوعى تبكى على انت أنجبت راجل الناس كلها بيترحموا عليه ويذكروه بالخير، يا أمى أنا دلوقتى مرتاح عند ربنا متخافيش خالص. بعد ابني رمضان مختلف ولا تزال الحاجة أم جلال تتحدث حتى انطلاق مدفع الإفطار لنجتمع على مائدة امتلأت بما لذ وطاب، تقول أم البطل ( انتوا النهاردة شرفتونى وناصر أكيد فرحان في قبره بأنكم جايين تفطروا مع أمه واخواته)، وتضيف (انتوا بقى مش غرب والدنيا صيام ولازم تخلصوا كل الأكل ده ) .. بدأنا في تناول الطعام وهنا سألت أم جلال: قولي لى يا ست الكل، ناصر وهو عايش كان بيساعدك ازاى فى رمضان ؟ فقالت: اخواته قاعدين اهم يقولوا كان بيعمل إيه، ده كان بيحضر معايا الفطار ويروح يجيب العيش من الفرن ويعمل السلطة ويجهز العرقسوس والتمر هندى، وبصراحة كان هو أكتر واحد بيساعدنى في اخواته رغم إنه كان أصغرهم . وهنا تدخل في الحديث جلال، شقيق ناصر الأكبر والمهتم بأخذ القصاص العادل لروح أخيه وأرواح شهداء ثورة 25 يناير، فقال: بالطبع شهر رمضان هذا العام غير رمضان في السنين اللى فاتت، يكفى أن مائدة الطعام ينقصها فرد، هو أصغر فرد فينا بعد استشهاده، ويكفى أن والدتى دائما حزينة بعد أن كانت مصدر البهجة في هذا الشهر الكريم، ودائما شاردة الذهن وتطيل النظر في صور ناصر وكذلك شهادات التقدير التى منحتنا إياها عدد من الجامعات والهيئات ومراكز حقوق الانسان تكريما للشهيد . ويضيف: لن تبرد نار أمى حتى تحكم المحكمة بالإعدام على قتلة ناصر وشهداء الثورة. ويتفق معه شقيقه محمد قائلا: من المؤكد أن دم ناصر مش هيروح هدر، والشيء الوحيد الذي جعلنا صابرين هو تحرير مصر من النظام الفاسد المستبد . في القصاص حياة حينئذ كنا قد فرغنا من تناول الإفطار وكانت الأم أول من انتهت من طعامها، وعندما أبديت هذه الملاحظة بادر جلال بالرد قائلا.. هي كده من يوم المرحوم ..أكلتها بقت ضعيفة جدا. قامت أشجان شقيقة ناصر بإعداد الشاى، سألتها: ما الذي تتذكرينه عن ناصر فقالت: كان يحكى لي كل حاجة خاصة به .. كنت أخته وصديقته في نفس الوقت، وكان دائم السؤال عنى ولم يرفض لي طلبا من قبل، وفي رمضان كان يحب يأكل الكنافة والقطايف من إيدى . وبينما كانت أشجان تتحدث كان أطفالها يلعبون مع أبناء عمهم جلال ..سألتهم سؤالا واحد: انتم فاكرين عمكم ناصر؟ فمنهم من قال نعم ومنهم من قال ناصر خالى مش عمى لكنهم اتفقوا وأجابوا في صوت واحد كان يحضر لنا الآيس كريم والبسكويت والبالونات في العيد . عدت لوالدة ناصر بعد أن رأيت الدموع تنساب من عينيها بعد سماعها كلام أحفادها لأسألها على استحياء: إمتى ها تخرجى من الحزن ده يا أمي؟ فأجابت على الفور: ما فرحتش من يوم ما راح إلا لما شفت مبارك وحبيب العادلى في القفص، لكن نارى مش هتبرد إلا بعد القصاص من أبناء مبارك بعد الحكم بإعدامهم وليس هو فقط، علشان يعرف هو وزوجته سوزان الضنا غالى إزاى، وكمان أشوف القصاص من محمد مختار ومحمد العادلى قتلة ابنى . شاهد الفيديو