قديماً قال هيرودوت: «إن مصر هبة النيل» فهو شريان الحياة بمصر وعصبها، وبرغم صدور قوانين عديدة لحماية النيل من التعديات عليه، فإن هذه القوانين لا تنفذ وأصبحت حبراً على ورق، الأمر الذي أدى إلى زيادة التعديات، خاصة على طول نهر النيل بكفر الشيخ بمدن دسوق وفوة ومطوبس، حتى اختفى تماماً بين جدران المباني الشاهقة والعوامات التي زاد عددها وتسببت في تلوث المياه ولم يجد القانون الصادر بقرار وزاري رقم 18475 فى 24/5/1988 الذى وضع شروطاً بتحديد البناء على النيل وترك مسافة 10 أمتار من شارب ميل المجرى عند البناء لسهولة المرور والتفتيش طريقاً للتنفيذ، وضرب به عرض الحائط بالاعتداءات القائمة على شواطئه، التي صدرت وللأسف من أصحاب النفوذ ورجال الأعمال الذين لا يضعون للقانون اعتباراً. فقد تعرض نهر النيل، خاصة بالمدن الثلاث دسوق وفوة ومطوبس لشتى أنواع التعديات سواء بالبناء على حرمه، وإقامة العوامات والكافيتريات، والأقفاص السمكية داخل حرم النيل، التي تقوم بإلقاء مخلفاتها فيه ورغم أن هذه التعديات بدأت في ظل النظام البائد، إلا أنها لم تتوقف بعد ثورة 25 يناير، ومازالت مستمرة بشكل كبير ولصالح بعض الفلول لاستمرار الإبقاء على موظفي الوحدات المحلية الذين تعودوا على تسهيل البناء والتلاعب في التراخيص المخالفة وبمعاونة الري ومسطحات النيل، حيث إن هؤلاء مازالوا يقبعون في أماكنهم دون أن يتم تغييرهم بعد الثورة ويقومون بأفعالهم الرخيصة مقابل حفنة من الأموال لتسهيل تعديات الفلول ورجال الأعمال ورجال الشرطة والمستشارين على حرم النيل. وتعتبر مدينة إبراهيم الدسوقي، أكبر مدن المحافظة التي تحظى بهذه التعديات وتسهيل البناء على النيل مباشرة، فلقد شهدت المدينة تعديات صارخة منها إقامة الأبراج السكنية الشاهقة على نهر النيل مباشرة دون ترك المساحة القانونية، بخلاف المخلفات التي تسببها هذه المنشآت من تلوث وردم لأجزاء من النيل، فالتعديات بمدينة دسوق امتدت من الكوبري القديم وحتى قرية منية جناج آخر حدود مركز دسوق من ناحية مركز بسيون التابع لمحافظة الغربية، بمسافة تصل إلى حوالي 20 كيلو، وتتعرض هذه المسافة الواقعة على نهر النيل لاعتداءات متعددة «إما بالبناء أو بردم مساحات منها وزراعتها لصالح بعض المواطنين»، وتحول كورنيش النيل بدسوق إلى تكية لكل صاحب نفوذ في ظل الغيبوبة التي يمر بها مسئولو المدينة.. والغريب أن إدارة حماية النيل نفسها تقوم بمساعدة هؤلاء على البناء، حيث تعود الاعتداءات على نهر النيل بدسوق إلى عام 1994، وكثرت في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق، فالنيل لم يشهد على مدار آلاف السنين انتهاكاً لحرمته، وتلوثاً لنقائه مثلما يحدث الآن بعد أن التهمت الاعتداءات ضفافه ومياهه، فمازالت التعديات مستمرة بعد قيام المواطنين في فترة ثورة 25 يناير، مستغلين الغياب الأمني بالبناء بشكل كبير على المساحات الواقعة على نهر النيل مباشرة، ولم يصدر حتى الآن قرارات إزالة لهذه المباني المخالفة التي ليس لها تراخيص. ومن أخطر التعديات التي تعرض لها النيل وتهدد بارتفاع معدلات التلوث والفتك بحياة أبناء النيل البسطاء قيام الوحدة المحلية بدسوق، وفى ظل النظام السابق باستخراج تراخيص مخالفة لبعض الأشخاص من أصحاب النفوذ لإقامة بعض المراسي التي تم تحويلها إلى قاعات أفراح بالمخالفة لقوانين البيئة، حيث تم استخراج تراخيص لأكثر من قاعة، بالإضافة إلى مرسى نادى القضاة وكلها تقع في منطقة واحدة في المنطقة الواقعة ما بين الكوبري العلوي حتى نهاية نادى المعلمين، والكارثة أن هناك أقاويل بأن بعض هذه القاعات تم إنشاؤها بجوار مآخذ لمياه الشرب ولا تبعد عنه سوى 300 متر فقط، وتمثل خطورة، حيث إن القاعات لم يتم إنشاؤها بالمواصفات الفنية وتتسبب في التلوث ويضطر للصرف داخل النيل مما تهدد صحة المواطنين، كما تجمع حولها نبات ورد النيل وبعض النفايات والمخلفات التي يكون لها روائح كريهة وتسىء للمظهر العام للمدينة، غير استغلال هذه العوامات لمساحات عريضة من الكورنيش، واستغلالها كمداخل رئيسية للقاعات وعمل حدائق بها، التي وضعت في مياه النيل بشكل غير حضاري عوامة خلف الأخرى بمساحات شاسعة بدون رقيب، واستغل أصحاب النفوذ حالة الفوضي بالتعدي على أراضي حرم النيل بالبناء عليها والاستيلاء على الكورنيش الرئيسي للمدينة الذي احتلته شرطة خفر السواحل، وذلك باستغلال رصيف الكورنيش ونهر الطريق المغلق بالمتاريس، والمبنى الغريب الذي يرتفع في مياه النيل مسافة طابقين من مستوى الشارع، فلم يحجب رؤية النيل فقط، ولكنه أضاف بشاعة للمشهد العام، هذا بخلاف قيام صاحب أحد المقاهي باستغلال الكورنيش بوضع كراسي وترابيزات كامتداد شرعي له على الكورنيش، كما تواجد عدد من العقارات والبروز في بعض الأماكن بمثابة المبنى الكامل خارج نطاق التنظيم، ولم تعد هناك حدود طبيعية تفصل بين الأراضي والمباني والنيل، فقام المواطنون بأعمال الردم وتحديد كردون داخل النيل أمام المصانع الخاصة لبعض أصحاب النفوذ في غياب الرقابة والمتابعة. كما أن التعدي على النيل لم يقتصر على المدينة فقط، بل شمل كافة القرى الواقعة عليه واحتكار أصحاب النفوذ للشاطئ والاستيلاء على مساحات كبيرة، خاصة بقرى الساحل ومنها قرية محلة أبوعلى التي قام البعض بها باستغلال سيطرة الحزب الوطني المنحل على الأمور قبل ثورة 25 يناير وقاموا بالتعدي على شاطئ النيل بالقرية بالبناء ووضع السدود على الشاطئ، بحيث استحالة مرور المواطنين عليه، فضلاً عن قيام الوحدة المحلية وقتها بردم النيل من أمام المنازل مجاملة لهؤلاء المواطنين وعمل كورنيش تكلف ما يقرب من خمسة ملايين جنيه، ورغم ذلك قام بعدها المواطنون مرة أخرى بتحويل طريق الكورنيش إلى حدائق خاصة، ووضعوا السدود مرة أخرى ولم تتحرك هندسة النيل لمنع التعدي على الكورنيش، والكارثة الكبرى أن جميع المنازل الواقعة على نهر النيل بقرى الساحل تقوم بصرف مخلفاتها داخل المياه وقيام البعض بعمل مداخل لمنازلهم ومشروعاتهم على النيل مباشرة بعد عمل أعمدة خرسانية وبناء سور وأعمدة فوق الكورنيش الحجري، والكارثة الأخرى أن شاطئ النيل بهذه القرى، خاصة بقرية محلة أبوعلى مازال فريسة ومطمعا للمتعدين. وفى مدينة مطوبس ازدادت التعديات بكثرة تحت سمع وبصر المسئولين لصالح أصحاب النفوذ، وكان ذلك قبل الثورة، وبدلاً من القضاء على هذه الظاهرة بعد الثورة زادت بكثرة، حتى أصبح هناك تعديات لا حصر لها، ويقوم البعض بالبناء في المياه علناً بعد أن حصلوا على تراخيص مخالفة من الري والوحدة المحلية.